خنيفرة تودع المناضل الاتحادي الكبير عبدالرحمان مَسين

ودعت مدينة خنيفرة، يوم الثلاثاء 4 أبريل 2023 (13 رمضان)، في موكب جنائزي مهيب وغفير، المناضل الاتحادي عبدالرحمان مَسين،أحد معتقلي سنوات الرصاص، والنائب البرلماني والرئيس الأسبق لبلدية خنيفرة، ومن الوجوه البارزة في تاريخ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بهذه المدينة، رفقة مجموعة من المناضلين، في الوقت الذي كانت البلاد تعيش جحيما بمختلف المضايقات والمخططات الترهيبية والقمعية.
ووسط القمع والحصار، الذي كان مضروبا على قوى اليسار والحركة الاتحادية بالإقليم، لاسيما بعد انتفاضة 1973، أو ما يعرف بأحداث مولاي بوعزة، اختار الفقيد قيادة حزبه من خلال الكتابة الإقليمية، حيث تمكن الحزب في عهده من تغطية الإقليم بفروع له، وكان من أشد المؤازرين للقضايا والحقوق العادلة للشعب، والمؤمنين بالانتصار للمستضعفين والمظلومين، فيما كان الفقيد بمثابة الرجل الصادق الأمين والنزيه بشهادة خصومه قبل رفاقه.
وبينما خلف رحيله حزنا عميقا بين أوسع الأوساط بالعاصمة الزيانية، نظرا لمواقفه القوية، تذكر الجميع مرحلة اعتقال الفقيد عبدالرحمان مسين إبان سنوات الرصاص، حيث جرى اعتقاله في 22 ماي 1973، صحبة مجموعة من رفاقه، وتم اقتياده لمخفر الشرطة (الكوميسارية)، ومنها ل «القشلة» التي مكث في ظلمتها الباردة لمدة أسبوعين قبل نقله لإحدى الأقبيات السرية بمكناس ليتم ترحيله للسجن المركزي بالقنيطرة.
وبالمحكمة العسكرية، كان الفقيد عبدالرحمان مسين يصطف إلى جانب حوالي 170 من المرتبطين بمجموعة عمر دهكون، وهي المجموعة التي تمت متابعتها بتهم «محاولة تغيير النظام لإقامة نظام آخر مكانه»، حيث جرى الحكم على الكثير منهم بالإعدام طبقا للقانون العسكري، وتم تنفيذه، في الفاتح من نونبر 1973، في حق 16 شخصا، بينهم عمر دهكون، مقابل الحكم على 15آخرين بالمؤيد، وعلى الباقين بين عشرين سنة والبراءة.
وحينها كان الفقيد عبدالرحمان مسين من بين الذين تم تحديد الحكم في حقهم ب 20 سنة، قضى منها 7 سنوات في غياهب السجن المركزي بالقنيطرة، قبل الإعلان عن قرار العفو الشامل الذي أنتشله من خلف القضبان، وغادر أسوار السجن في العشرين من يوليوز 1980، صحبة مجموعة من رفاقه المناضلين الاتحاديين، ورغم ذلك بقي الفقيد من اليساريين التقدميين الذين قبضوا على جمر الدفاع عن مواقفهم المبدئية.
وخلال الانتخابات الجماعية لسنة 1997 تقدم الفقيد عبدالرحمان مسين للترشح، ورغم المؤامرات والدسائس التي خططت لقطع الطريق على الاتحاديين، تمكن من مفاجأة الجميع بعدد المقاعد التي حصل عليها الحزب، وبها تقلد هذا الحزب مقعد الرئاسة، في شخص الفقيد عبدالرحمان مسين الذي خاض الانتخابات البرلمانية وفاجأ الجميع بعدد الأصوات، غير المسبوقة، التي حصل عليها، والتي تجاوزت 14 ألف صوت.
وكم تساءل رفاقه حول مصدر قوته التي ظل يواجه بها مختلف العراقيل والتحديات والمساومات، لاسيما في الوقت الذي كان يقود مجلسا يسعى بكل تفاؤل للتغلب على إرث ثقيل من التجارب المتوارثة، وذلك بكل يد نظيفة، حتى كبرلماني حين ظل رافضا اقتناء سيارة للتنقل الشخصي ، وفضل التنقل على متن الحافلات العمومية وسيارات الأجرة،علما أنه كان حريصا على عدم التغيب عن الدورات، الجماعية منها والبرلمانية.
ولم تمر رئاسته لبلدية المدينة بسلام، إذ اصطدم بحروب وضغوط مريرة مع سلطات الاستبداد ولوبيات الفساد وأعيان الإقطاع ورموز الرجعية، ولم يتوان عن مواصلة معاركه المتفائلة بغاية تخليق الحياة العامة بصمود كبير، وكان دائم الحضور في مقدمة مختلف التظاهرات والاحتجاجات، ليظل شامخا رغم المكائد التي نجحت في بعضها، ومتتبعا للأخبار المحلية والوطنية، وواقفا كبصماته الراسخة إلى أن هزمه المرض وانتقل إلى جوار ربه.


الكاتب : أحمد بيضي

  

بتاريخ : 06/04/2023