السودان بين الفوضى والديبلوماسية..

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

يؤشر إجلاء الرعايا من الدول التي تتواجد فوق التراب السوداني على تطور نحو الأسوأ، بل يمكن اعتباره عتبة لأفق أكثر قتامة، فهو إجراء لا تلجأ إليه الدول إلا إذا قدرت بأن الأمور تسير نحو الاختناق أو التفاقم..
كما أنه، ثانيا، عنوان على استشراف قاتم يفيد بأن الوضع غير متحكم فيه، بحيث لا توجد أية قوة قادرة على ضمان السلامة، حتى في المناطق التي تبدو أنها تسيطر عليها.
ارتفاع القتال وفشل الهدنة التي سعت إليها واشنطن، والتخوفات الأممية المعرب عنها من طرف المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان ورئيس البعثة الأممية لدعم المرحلة الانتقالية فولكر بيرتس، إزاء التقارير الأخيرة التي تفيد بوقوع أعمال عنف غرب دارفور، تضع شكوكا حول الوفاء بالتزامات الأطراف بموجب القانون الإنساني الدولي، وكفالة حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية، وحماية موظفي الأمم المتحدة والعاملين في المجال الإنساني.
ثالثا: حاليا، لا توجد دولة السودان في منحنى تصاعدي أي نحو مزيد من القوة وامتلاك القدرة على حسم الخلاف، وترتيب شروط معادلة حل سلمي، وآخر المعاقل المؤسساتية، التي تشكل بنية الدولة في السودان منذ عشرات السنين، ونقصد بها الجيش، في وضعية نزاع وحرب بين مكوناتها، الجيش الرسمي بقيادة البرهان..وقوات الردع السريع بقيادة حميدتي ..
هناك، في المحصلة، هشاشة بنيوية تجعل الدولة غير قادرة على توفير السلام ومسارات سلمية للحل وتحصين فضاءات تواجد السودانيين وغير السودانيين.
وفي وضع كهذا يمكن أن تكون ورقة للنزاع وورقة ابتزاز متبادل كما قد تكون ورقة في الصراع، سواء باحتجازهم كرهائن أو بالمس بهم في لعبة تبادل الاتهامات بين أطراف النزاع..وهو وما يزيد من تعقد قواعد الاشتباك داخليا.
يجب ألا يغيب عن أذهاننا بأن المتصارعين كانا جزءا من نظام عمر البشير قبل أن يشاركا في الإطاحة به في العام 2019.
ما يجب أن نخشاه من حرب السودان، على ضوء ما تقدم، هو أن الوضع الإنساني وصل بالفعل إلى الأسوأ، سواء من حيث حجم المهاجرين واللاجئين والنازحين والمهجرين، إلى دول الجوار، أو من حيث ما يتراءى في الأفق، من سوء التغذية والمجاعات وصعوبة التكفل الأممي بالقوافل المتزايدة من المهاجرين.. والرقم الأكثر هولا قبل الحرب ذاتها هو وجود نحو 15,8 مليون شخص أي حوالي ثلث سكان السودان، بحاجة إلى مساعدات إنسانية …!
وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن ما يصل إلى 270 ألف شخص قد يفرون من السودان إلى تشاد وجنوب السودان.
ويضاف إلى ذلك وجود خطر حقيقي بزعزعة أستقرار المنطقة برمتها، نحن نتكلم عن بلد توجد 7 بلدان على حدوده. وهو في ملتٍقى مناطق التهاب قارية، سواء على الحدود مع منطقة الساحل، التي تعرف وضعا صعبا ومتفجرا أو في القرن الإفريقي، وإشكالات الصراع والتنافس بين أرتيريا وإثيوبيا والنزاع المسلح الذي يطفو مع كل توتر، وبذلك فهذا البلد الذي يعد الدولة الثالثة إفريقيا من حيث المساحة، يوجد في ملتقى العديد من المصالح والاستراتيجيات الخارجة عن المنطقة… وطموحات الدول المتنافسة من العالم، والكل يعرف بأن قرار الحرب يوجد أيضا عند قوى سياسية وأخرى إقليمية ودولية .
في السودان اليوم 18 جماعة مسلحة، حسب المصادر الرسمية المصرية، التي تتابع، بقلق، الوضع وتداعياته، وهي كلها فصائل في وضع الاحتياطي الذي سيزيد من توتر المعارك وليس حسمها، وقد تدخل في دوامة الاستقطابات من طرف هذا المكون أو ذاك ..
علاوة على علاقة تأثير وتأثر من القرن الإفريقي ومن البحر الأحمر ومن الساحل، في مقابل عناصر التأجيج التي ستسير نحو الأسوأ، وانشغال الاتحاد الإفريقي الذي يتابع بعجز عودة السلاح الذي دعا إلى إسكاته!

«باليه» ديبلوماسي مثله 3 روساء، سالفا كير قائد جنوب السودان، ويليام روتو الكيني والجيبوتي إسماعيل عمر قلة. الذين يتحركون باسم دول ايغاد، التي تضم دول الجوار المباشر، وهو دليل على تخوفات هذه الدول، أضف إلى ذلك المشاورات بين وزير خارجية أمريكا أنطوني بلينكن وموسى فقي محمد رئيس المفوضية بالاتحاد الإفريقي..
الدول العربية المعنية مصر والسعودية والإمارات تتحرك بدورها.
لا ننسى أن التقسيم وبناء دولة في الجنوب لم يوقف الحرب والنزاعات ولم يقنع باختزالها في مسيحيين مقابل مسلمين، الدولة الجنوبية أصبحت في نادي الدول الأكثر فقرا، والسلام بعيد جدا. السودان الشمالي صار السلام فيه أبعد من ذي قبل والحرب الأهلية على الأبواب…
والوهم الذي تم تسويقه بأن تقسيم السودان في الأطروحات التبسيطية الملغومة والمشبوهة سيعالج نهائيا وبطريقة حتمية النزاعات داخل السودان اتضح تهافته، والحال أن التوتر أصبح يمس المنطقة برمتها.
بل كان الاعتقاد أن التقسيم سيضع حدا لأطول نزاع أهلي مدني في إفريقيا والأكثر دموية… والوضع هو العكس.
أفق الحل بنهاية الصراع وتثبيت بديل له أي عودة المدنيين إلى الحكم ما زال بعيدا، وليس هناك أوهام تغذيها القوى المتحركة، سواء أمريكا أو الإمارات
والسعودية..أولا، لا بد من تحالف ديبلوماسي كي تنجح مبادرات التهدئة، ثم لإثبات مصالحة الطرفين فيها، وليس العكس.. أما الخيار الثالث فلا ملامح له..
هناك تخوفات ذات صلة بالهجرة، والتي تتيح استعمال المهاجرين السودانيين استعمالا مركبا، بين الجريمة والحسابات الاستراتيجية في الصراعات البعيدة نظريا عن السودان، ونحن لنا تجربة عندما تم تسليح وتدريب المهاجرين، عبر نقلهم من ليبيا إلى الشمال ومحاولة أقتحام الأسلاك الحديدية في مليلية.. صورة مغايرة لما يمكن أن يكون مغامرة وظاهرة عميقة الأبعاد..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 28/04/2023

التعليقات مغلقة.