الليبيون …«إذا فُسِح لهم المجال»!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

هناك جملة اعتراضية، زرعها وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، أمس الأربعاء، خلال مؤتمر صحفي، قد تكون الأكثر قدرة على إضاءة المعضلة الليبية، وأيضا وضع النتيجة المحصل عليها، أول أمس، في سياقها الحقيقي . قال بوريطة “مرة أخرى يثبت الإخوة الليبيون إذا فسح لهم المجال أن بإمكانهم تغليب مصلحة ليبيا وبإمكانهم الوصول إلى توافقات مهمة” .الجملة يسهل اعتبارها جملة للتاريخ تلخص رهانات القوى الإقليمية (تركيا، مصر، الإمارات) حول نزاع الليبيين وما تريده القوى الدولية (روسيا، واشنطن، برلين وبروكسل) من مخرجات الحل المرتقب أو المعطل، وما تسعى إليه العواصم المكتفية بهدف واحد هو معاكسة المغرب (الجزائر). فقد قالت كل شيء ، في اعتراض اصطلاحي سياسي، يكشف بالمقابل إرادة المغرب في ترك الليبيين يحلون مشاكلهم بأنفسهم، وهي تسلط الضوء من جديد على ما يعتبره المغرب عقيدة ثابتة في هذا الملف: لا أجندة خاصة للمغرب فيه، وبالتالي ليست له مصلحة يسعى إليها ويحاول تطويع و«تجيير» مسارات الحل لحساباته.
من جهة ثانية، كان الاتفاق الذي حصل خطوة متقدمة في نقط من النقط التي تعرقل الذهاب إلى تسوية شاملة، بحيث أن لجنة 6+6 توصلت رسميا إلى توافقات حول قوانين الانتخابات وسيتم التوقيع على الوثيقة النهائية في الأيام المقبلة. أولا، تعد الانتخابات معضلة في ليبيا، كما في الكثير من الدول التي انتهى فيها الربيع العربى إلى خريف واسع بدد تراكمها المؤسساتي وأفرغ تدافع قواها السياسية نحو الديموقراطية من أي مضمون وطني ديموقراطي، وحولته الرهانات الخارجية إلى أمل مفقود وإلى سبب للصراع الدامي.
والانتخابات، هي كذلك الحل السياسي الوحيد القادر على إعطاء التمثيلية الحقيقية داخل المجتمع «بِنْيات دالة»، يمكنها أن تفرز القوة التي يمكنها الحديث باسم الليبيين والمشروعية الليبية، بفعل كونها معيارا دوليا متوافقا عليه اليوم بين كل الأمم.
ثالثا، وهو الأهم مرحليا، كانت نقطة إجراء الانتخابات من النقط العالقة، والتي غالبا ما يتم النزوع نحو حلها بنقيضها الذي هو السلاح.
رابعا، يفتح الاتفاق الطريق، سويا، إلى استحقاق تعطل منذ قرابة سنتين، فقد كان من المقرر أن تجرى أول انتخابات رئاسية في تاريخ ليبيا في 24 دجنبر 2021، لكن خلافات حول قانون الانتخابات حالت دون عقدها، وهوما يعتبر اليوم منجزا تم فوق التراب المغربي.
خامسا، الاتفاق كان شاملا، بحيث أن التأويل الذي كان يجعل المرور إلى تفعيل الاتفاقات السابقة يدور حول الحق في الترشيح، وفي هذا الباب يحسن بنا أن ننتبه إلى ما قاله رئيس وفد المجلس الأعلى للدولة إلى اجتماع لجنة 6+6 الليبية، عمر بوليفة: «انتهينا من الاتفاق على كل نقاط الخلاف وأصدرنا قانون الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بتوافق تام ويتسع لكل مرشح ولم يقص أحدا»…
وفي التصريح الذي أدلى به ناصر بوريطة إحالة على «أجندة قريبة جدا» مداها الأيام المقبلة، وتعني بالملموس وصول رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري إلى المغرب للتوقيع على الاتفاق النهائي بخصوص القانون…
وقد سبق لهما أن التقيا في أكتوبر 2022 بالرباط، وناقشا مخرجات اتفاق بوزنيقة المبرم في يناير 2021 المتعلق بالمناصب السيادية، والعمل من أجل أن تكون سلطة تنفيذية واحدة تبسط سيطرتها على كافة التراب الليبي، واتخاذ الإجراءات اللازمة لعقد انتخابات رئاسية وبرلمانية وفق تشريعات واضحة متفق عليها من المجلسيْن في أقرب وقت…
بالتوافق الحالي يكون الموضوع الخاص بالانتخابات قد تم حسمه، وتبقى نقط أخرى وردت في الفقرة 15 من اتفاقية الصخيرات 2015، والمتعلقة بالمناصب السيادية، وهي بالتتالي: محافظ مصرف ليبيا المركزي ونائبه، ورئيس هيئة الرقابة ووكيله، ورئيس ديوان المحاسبة ونائبه، علاوة على رئيس هيئة مكافحة الفساد ونائبه. بالنسبة للمغرب، من خلال بوريطة، فالاتفاق الحالي «محطة مهمة في مسار الأزمة الليبية لأن هذا الحوار مكن من الوصول إلى توافقات مهمة في ما يتعلق بتنظيم الانتخابات في شقها الرئاسي وشقها التشريعي»، باعتبار أن الانتخابات هي التي بإمكانها أن تفرز السلطة السياسية والسيادية الجديرة بالنظر في ما تبقى من نقط عالقة تتمثل في المناصب السيادية، وهو ما تم التعبير عنه بالقول إن المغرب يعتبر «أن حل مسألة الشرعية في ليبيا لا يمكن أن يتم إلا عن طريق انتخابات رئاسية وبرلمانية سيختار من خلالها الشعب الليبي لمن سيمنح سلطة التدبير السياسي في بلاده»، وهو المدخل الديموقراطي، المتعارف عليه دوليا، في الحل السلمي للخلافات السياسية مهما بلغت حدتها.
التدرج الذي طبع السلوك المغربي، الذي ينبني على تقدير الموقف بعد كل اتفاق (كما الصخيرات 2015، الرباط 2022 كنموذج)، هو المرافقة الذكية التي اختارها المغرب، كما هو محاولة الالتفاف على كل المبادرات المعاكسة التي تحركها رهانات خارج ـ ليبية.
ومن هنا نعود إلى تلك العبارة الاستطرادية الشرطية في الوقت ذاته: إذا فسح المجال لليبيين، ونسأل: هل ستترك الأطراف الفاعلة إقليميا ودوليا في الملف، لليبيين الفرصة كي يخدموا مصلحة بلادهم ووحدتها الترابية وتؤطر نظامها السياسي؟
نأمل ذلك..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 08/06/2023

التعليقات مغلقة.