برامج «الثقافية» في عالم متغير؟

بنشريف: على الدولة أن تحسم اختياراتها بشأن الإعلام
جماهري: الديبلوماسية الثقافية تعاني وَهنًا تساهم فيه الدولة والمجتمع
الرامي: مجتمعنا لايزال يعاني من «رهاب المثقف»

 

 

شكلت ندوة «القناة الثقافية: المضامين، الإكراهات، التحديات في عالم متغير»، التي نظمت أول أمس السبت 10 يونيو على هامش المعرض الدولي للكتاب في دورته28، فرصة للوقوف على تجربة متميزة أسست لأول قناة موضوعاتية في باقة الشركة الوطنية للاذاعة والتلفزة تهتم بالشأن الثقافي قناة «الثقافية» . كما وقفت على أهم التحولات التي صاحبت هذه التجربة وما راكمته في فترة زمنية لا تتعدى 17 سنة، وبإمكانات محدودة تعتمد على الانتاج الداخلي فقط، رافعة رهانات النهوض بالمسألة الثقافية وتقديم خدمة وعرض في مستوى انتظارات المشاهد، من حيث المضامين، والاشتغال على التنوع، ومراعاة الاختلافات المجالية والعمرية والتحولات المجتمعية.
الندوة التي شارك في كل من الكاتب والإعلامي ومدير نشر يومية «الاتحاد الاشتراكي» عبد الحميد جماهري والكاتب والأستاذ بالمعهد العالي للصحافة والاتصال عبد الوهاب الرامي، ومدير قناة «الثقافية» عبد الصمد بنشريف وسيرتها الإعلامية بالقناة مونية المنصور، ربط خلالها عبد الصمد بن شريف، واقع الإعلام الثقافي السمعي البصري بسياقه العام، أي بتوفر سياسة ثقافية ورؤية لدى صانع القرار الثقافي من جهة، وبتمثل المجتمع للثقافة والمثقف في الاستراتيجية الوطنية من جهة أخرى، سواء على مستوى الميزانية المرصودة للوزارة الوصية أو على مستوى السياسات القطاعية والإمكانات المتاحة للفعل الثقافي ليتحول إلى فاعل أساسي في التنمية، كما شدد على توفر القدرات والكفاءات التي تحتاج فقط إلى هذه الرؤية والاستراتيجية التي تنظم وتوجه، بالإضافة الى الإمكانيات المادية لإنتاج إعلام قوي قادر على المنافسة، «على الدولة أن تحسم اختياراتها بشأنه».
وحول الإكراهات التي تواجه هذا المسعى داخل القناة، أشار بن شريف إلى أنه طيلة 17 سنة من عمر القناة، استطاعت هذه الأخيرة بإمكانياتها المحدودة أن تصنع لها هوية بصرية وجمهورا، ولو ببرامج داخلية وبطاقم محدود، ما اعتبره نضالا مستميتا آمن به كل المشتغلين في هذا المشروع الذي استنبت في سياق مجتمعي، للفاعل السياسي فيه تمثل خاص عن المثقف والثقافة، وللمجتمع أيضا تمثلاته التي تنزع نحو اعتبار الثقافة شأنا نخبويا، وهو سياق يتطلب الاستماتة في هذا النضال بالحفاظ على حد أدنى من الخطاب الإعلامي المتوازن الذي ينأى عن الشعبوية بالقدر نفسه الذي ينأى عن النخبوية.
بدوره اعتبر الإعلامي والكاتب عبد الحميد جماهري أن سؤال الإعلام الثقافي وأدواره اليوم لا يمكن فصلها عن سؤال أكبر يتمثل في موقع الثقافة اليوم داخل السياسات العمومية، مع الاخذ بعين الاعتبار التحولات التي صاحبت تمثل الفاعل السياسي لها، مشيرا في هذا الصدد الى أنه» لدينا اليوم، ولأول مرة منذ دستور 1962، دستور ثقافي يحتفي بالثقافة»، أي دستور 2011 الذي ترد فيه الكلمة 23 مرة.وهو ما جعل جماهري يرى أن هذا الدور الذي تقوم به الدولة اليوم ،ثقافيا، أو جزء منه، أوكل، بقوة الأشياء وتطورها، إلى الدولة، حتى أصبحت هذه الدولة، في طور التحول اليوم الى «مثقف عضوي» لأنها اليوم أصبحت منتجة للمعنى ومدبرة للعديد من الإشكالات الثقافية، خاصة القضايا الأساسية والقضايا الخلافية أو التناحرية داخل المجتمع كالهوية، اللغة، الأسرة، المرأة، بعد فشل التوافق المجتمعي حولها أي أنها تحولت من خصم إلى فاعل يقود الثقافة من أجل إيجاد التوافقات والمشتركات الثقافية الكبرى.
وتساءل في هذا السياق عن إمكانية امتلاكنا لمشروع ثقافي مندمج واع بالأدوار المطلوبة في مجتمع دخوله الثقافي يبدأ خارج الحدود، وفي مجتمع يعاني إكراهات مؤسساتية ومادية تترك الكفاءات الداخلية أمام فوهة مخاطر العولمة، وفي سياق لاتزال الديبلوماسية الثقافية لحد الساعة، تعاني فيه وهنا تساهم فيه الدولة والمجتمع معا.
الإشكال الثقافي داخل الإعلام ، حسب جماهري، يمكن مقاربته على ثلاثة مستويات:
-الإعلام شكل ثقافي يمكن أن تتصارع فيه القوى الثقافية أيا كانت مرجعياتها: عولمية، حداثية، محافظة…
– هو حامل ثقافي يمكن أن يصنع الثقافة ومن ثم تعميمها ودمقرطتها.
– كيفية جعل هذا الإعلام جزءا من هذه الفورة الثقافية، وهذه الكيفية لا يجب أن تستحضر الجانب الاستثماري كهاجس إلا بعد ترصيد الإمكانات والإنتاجات.
ولفت جماهري إلى أن ما يمكن أن يسجل على حضور الثقافي هو أن الثقافة فاضت عن الدولة والمجتمع معا، وأن التمايز الثقافي لايزال قاعدة للتمايز السياسي، في وقت لم يعد للهامش الثقافي نفس القوة والتأثير داخل مجتمع «يحبل بإرهاصات ومد وجزر ويبحث عن شكله وبنيته».
من جهته، يرى عبد الوهاب الرامي أن شروط ازدهار الثقافة والإعلام الثقافي داخل المجتمع يمكن ضبطها من خلال:
– إبراز أهمية الثقافة لدى الفاعل السياسي، أي أن على الحكومات أن تضع الثقافة ضمن أولوياتها وتجيب عن سؤال جوهري: أي ثقافة نريد؟
– مشكل غياب المعنى داخل البرنامج الثقافي مقابل الالتزام فقط بشروط دفتر التحملات.
– حضور التنوع وعدم الاقتصار على الثقافة العالمة وتهميش ثقافة العيش ثم غياب الفكر النقدي على مستوى الاعلام،
– مسألة العنصر البشري ثم الإكراهات المادية داخل القناة.
وأثار الرامي بعض إشكالات تسويق المادة الثقافية إعلاميا ، ومن بينها كيفية التعامل مع المعطى الثقافي في سياق عولمي، يتجه إلى مركزة ثقافات هشة، على القناة العمومية أن تواجه مدها وترتبط في برمجتها بالهوية من خلال تمثل معطى التنوع.
تسويق المادة الثقافية يرتبط، حسب الرامي أيضا، بهامش الحرية الممنوح للقناة، متسائلا بهذا الصدد عن سقف تعبيراتها على مستوى التنوع ومساهمة الجمهور بدوره في صناعة المحتوى الثقافي عن طريق التفاعل، دون إغفال الاهتمام بالشأن السياسي بتمثلات ثقافية في مجتمع لايزال يعاني من «رهاب المثقف لكونه يخلخل الثابت ويستعمل الشك من أجل الوصول الى اليقين».


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 12/06/2023