كتائب الفساد في البلاد

اسماعيل فيلالي

يقول الله عز وجل في محكم كتابه الكريم: « ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ « صدق الله العظيم .
نعم، لقد تعمقت في بلادنا مظاهر الفساد، في البر والبحر والجو، بمختلف أصنافه وألوانه وعلى رأسها الفساد المالي والإداري والأخلاقي، حيث تكونت لوبيات خطيرة اغتنت بسرعة فائقة بنهب المال العام والاستحواذ على الموارد المالية المخصصة لتسيير القطاعات الإنتاجية بالبلاد، وفي هذا الصدد فقد أصبح للفساد وخيانة الأمانة وإهدار المال العام في المغرب كتائب قوية لها أبطال بكل ما في الكلمة من معنى، في الجماعات المحلية، في الرياضة، في التعليم، في الصحة، في الفلاحة، في التجارة و في ميدان العقار ووو … لقد أصبحت هذه الكتائب تعيث فسادا في البلاد بما تملكه من أموال وأراض عقارية وعمارات سكنية وضيعات فلاحية وأرصدة بنكية في الداخل والخارج، والحقيقة أنه ما كان لهذه الكتائب أن تكون على هذا المستوى من الثراء الفاحش لو أن الدوائر الحكومية اتخذت الإجراءات القانونية الزجرية للحد من هذا النهب والسطو على أموال الشعب.
لقد أصبحت هذه الكتائب الفاسدة تملك ثروة كبيرة جدا؛ فحسب التقرير الصادر عن مختبر « اللامساواة العالمي لسنة 2022 «، الذي يساهم فيه عدد من الشركاء الدوليين، يوجد في المغرب 10 في المائة من السكان يمتلكون أكثر من 63 في المائة من إجمالي الثروة الوطنية، عن طريق السلب والنهب، بينما يمتلك 50 في المائة أقل من 5 في المائة منها، مؤكدا أن التفاوت في الثروة في المغرب جد متطرف ..!! وأضاف التقرير أن « اللامساواة ظلت مرتفعة خلال الثلاثين عاما الماضية في المغرب، على الرغم من التحولات المجتمعية الطفيفة … «.
واليوم يتساءل المغاربة، بعد الدستور الجديد ( 2011 )، الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة، أي بعد مرور ما يزيد على 12 سنة، ماذا فعلت الحكومات المتعاقبة للحد من هذا الفساد وبطش المفسدين؟ وللإشارة فإن الفساد حسب التقديرات الاقتصادية، وفقا لتقارير موضوعية، يكلف الدولة أكثر من 50 مليار درهم، هذا الرقم من شأنه أن يغطي الزيادات في الأجور وتمويل صناديق التقاعد وبناء المدارس والمعاهد والجامعات والمستشفيات والمستوصفات والسدود والملاعب الرياضية وأشياء أخرى …
فالملاحظ أنه فيما يتوجه المغرب نحو دولة الحق والقانون والمساواة والعدالة الاجتماعية والنزاهة، حسب منطوق دستور المملكة، للرفع من مستوى عيش المغاربة، وخاصة المستضعفين منهم الذين لا حول لهم ولا قوة، يعاكس هؤلاء المفسدون الحلم الإصلاحي، ويعرقلون المشاريع التنموية بسلوكياتهم الانتهازية واللصوصية؛ وهنا يطرح السؤال حول ما إذا كان من الممكن تدشين التغيير وتحقيق الأهداف التي يطمح إليها النموذج التنموي الجديد الذي تم تقديمه لملك البلاد في شهر ماي 2021، وتحقيق الدولة الاجتماعية التي رفعتها الحكومة الجديدة كشعار بعد انتخابات شتنبر 2021 ؟
أعتقد أن المرحلة الجديدة التي يتبجح بها القائمون على الشأن العام في البلاد، ينبغي ألا يكون فيها مكان أو نفوذ لهؤلاء الأباطرة المفسدين الذين أساؤوا للبلاد والعباد، خاصة وأن أسماءهم معروفة لدى المغاربة، ومعروفة كذلك لدى «أصحاب الوقت»، وهم يأكلون أموال المغاربة بشكل سرّي وعلني، وموجودون في جميع القطاعات كما أشرنا إلى ذلك، فاعتقال برلمانيين وعزل رؤساء جماعات لا يشفي الغليل، نحن لا نزال ننتظر معاقبة كتيبة الفساد التي التهمت الملايير المخصصة للبرنامج الاستعجالي لإصلاح التعليم، ولانزال ننتظر معاقبة كتيبة الفساد الرياضي التي شوشت على انتصار كتبية الفرح التي أسعدت المغاربة في مونديال قطر، كما لا نزال ننتظر معاقبة كتائب الفساد التي التهمت أموال التعاضدية العامة وأموال القرض الفلاحي وصندوق الضمان الاجتماعي وأموال صندوق الإيداع والتدبير والقرض العقاري والسياحي ووو…
إن المغاربة يتطلعون في ظل مشروع النموذج التنموي الجديد والدولة الاجتماعية إلى تغييرات ملموسة في السياسة والاقتصاد، وإقرار العدالة الاجتماعية الحقيقية التي هي الحلم الأكبر لكل المغاربة، الذين يعانون من كثرة التهميش وارتفاع الأسعار وضنك العيش؛ لذلك فهم يحلمون برجال يتوفرون على المصداقية والنزاهة وعلى الثقة، أما رموز الفساد فلن يزيدوا البلد إلا فسادا، ولن ينجح معهم أي مشروع تنموي ولو صيغ بمداد من ذهب .. لذلك وجب إقامة العدل والقضاء على كل الفساد المستشري في المجتمع، وترسيخ مبادئ التخليق والشفافية والنزاهة القانونية والحقوقية لإشاعة الطمأنينة في نفوس المواطنين من جهة ، والارتقاء بالمجتمع إلى مصاف الدول الديمقراطية من جهة أخرى ، لأن الحرية والديمقراطية والعدالة هي أرقى أشكال الحضارة كممارسة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية على أرض الواقع. ومادام أن الحكومة تتحدث عن العدالة الاجتماعية في ظل الدولة الاجتماعية ، يجب التحقيق في الإثراء غير المشروع لهؤلاء الفاسدين المفسدين، وهذا ما سيفتح آفاقا جديدة لطموح المغاربة في العيش الكريم، وبالتالي تعزيز دولة الحق والقانون والإيمان حقا بقيم المواطنة .. هذا هو المدخل الأساسي للعدالة الاجتماعية وإنجاح النموذج التنموي الموعود والباب الحقيقي للاستقرار المجتمعي الذي يضمن الكرامة لجميع المغاربة …
إن محاربة الفساد هي مسؤولية الدولة من خلال تفعيل الآليات القانونية لمحاربة هؤلاء المفسدين، وعدم الإفلات من العقاب وإرجاع الأموال المنهوبة إلى خزينة المملكة، فالدولة الاجتماعية في الدول الديموقراطية لها أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وليست مجرد مفاهيم تقنية وسياسوية وانتخابوية، ولا يمكن أن تتحقق دون المواجهة الفعلية للفساد والريع والاحتكار. كما أنها تقتضي إقامة العدل في البلاد حتى نقطع فعلا مع زمن «السيبة» والفوضى، وأن لا يبقى شعار محاربة الفساد مجرد كلام وحبر على ورق …

الكاتب : اسماعيل فيلالي - بتاريخ : 17/06/2023

التعليقات مغلقة.