لا مناص من استحضار وثيقة 11 يناير في نصها وروحها

  عبد السلام المساوي

هناك تشويش شبه دائم حول هذه الوثيقة التاريخية الكبرى في حياة المغرب المعاصر.
هناك من اعتبرها توسلًا للاستعمار، في قراءة بعدية غير منصفة، في أقل تقدير، ومغرضة متى تم إمعان النظر في دلالات تلك القراءة.
والواقع أن الوثيقة من الوثائق التأسيسية التي لا مناص من استحضارها في نصها وروحها، ليس لجهة كونها إطارًا منظمًا للعمل الوطني المغربي لما بعدها وخاصة في فترة الحماية فحسب، وإنما أيضًا لما حددته من أهداف للعمل الوطني في مواجهة الاستعمار ووضع ملامح أولى لمغرب الغد المتحرر والسيادي لمصلحة جميع أبنائه دون تمييز أو استثناء.
إن أي قراءة للوثيقة انطلاقاً من تقديرات الواقع الراهن دون غيرها قراءة غير قادرة على فهم ذلك العمل الوطني الذي أثار حفيظة السلطات الاستعمارية فنكلت برموز الحركة الوطنية وأودعتهم المعتقلات والسجون والمنافي.
يبدو لي أن النظر إلى الوثيقة باعتبارها مطلقة لديناميكية فصل هام من فصول النضال من أجل الاستقلال الوطني هو الكفيل بوضعها في سياقها التاريخي المحدد. إذ بهذه الطريقة وحدها يمكن الوقوف عند استحالاتها وإمكاناتها الموضوعية والذاتية على حد سواء.
فهي ليست، في كل الأحوال، إلا محطة من محطات تاريخ المغرب النضالي المعاصر، سبقتها محطات، وتلتها أخرى، ليس ممكنًا إدراك دلالاتها إلا في سياقها الخصوصي.
وفي يوم ذكرى الوثيقة، كل التحية والتقدير للمساهمين في بلورتها ومن سهروا على العمل على تنفيذ بنودها من الأجيال المتواصلة للحركة الوطنية التي ضحت في سبيل ذلك في مختلف المجالات بما في ذلك التضحية بالنفس.
إن جيل « الحركة الوطنية» رسم ولا يزال يرسم، إلى اليوم، علامات وضاءة ليس من السهل أن يأتي الزمان بها، فهو جيل القيمة والقوة الفاعلة الذي حقق معه المغرب الشيء الكثير، بل إن المغرب قد ضيع فرصة الاستفادة من قوة ذلك الفريق،على اعتبار أن حصيلة ما تحقق اليوم، هي دون التي كانت تعده بها إمكانات وقدرات تلك النخبة المناضلة…
« مدرسة الحركة الوطنية «، تركت للتاريخ واحدة من أجمل وأحسن التجارب النضالية، هي تجربة « ثورة الملك والشعب «، الثورة التي خط بها أحرار المغرب بزعامة الراحل محمد الخامس، معنى لنضال الدولة والشعب، من أجل مطلبين فقط هما الحرية والاستقلال، ثم الديموقراطية والحداثة، وهما المطلبان اللذان تم تضمينهما في وثيقة 11 يناير 1944، التي تعتبر ميثاقا وطنيا بين الحركة الوطنية ومحمد الخامس، وبرنامج عمل وطني وسياسي مغربي محض، مما أثار حنق الإمبريالية التي كانت ممثلة في كل من فرنسا وإسبانيا ومهد للمواجهة التي قادت إلى شن اعتقالات وإعدامات ونفي في حق الوطنيين، ثم عزل الملك محمد الخامس عن السلطة ونفيه إلى جزيرة مدغشقر….
الحاجة اليوم ماسة لأحزاب مواطنة، جادة وجدية تؤمن بالوطن وبالمصالح العليا للوطن، أحزاب تواكب هذا الإبداع الملكي لجلالة الملك محمد السادس ، وهذا الإبداع المغربي في مجال مقاومة الخيانة والانفصال والفساد واللصوصية بوطنية وبتقدير حقيقيين، تقفل الباب على المتسللين سهوا إلى ميدان السياسة ( أشرار السياسة ) وهم كثر …
نؤمن أن الزمن القادم سيحمل معه إلى زواله كثيرا من الأدعياء والمتسللين والخونة والمنافقين والفاسدين ومنتحلي الصفات عنا، وسيعيد إلى ميدان السياسة قليلا من الاحترام الذي كان عليه، وسيجعل من المتعففين من أبنائه المناضلين الوطنيين وجوهه اللامعة، وسيلقي بمن تطفلوا عليه كل هاته السنوات إلى حيث يجب أن يكونوا .

الكاتب :   عبد السلام المساوي - بتاريخ : 11/01/2024

التعليقات مغلقة.