لم يتم الإفصاح عن «حقيقتها» إلى غاية اليوم : الدارالبيضاء .. مدينة يعاني سكانها وزوارها من رائحة «مجهولة النسب»

 

لا تزال العديد من أحياء الدارالبيضاء تعيش على إيقاع رائحة كريهة تنفذ إلى أنوف الساكنة ومن خلالها إلى الجهاز التنفسي لكل شخص، ضدا عنه، وذلك بعد اقتحامها للمنازل وفضاءات العمل ومختلف المرافق، حتى أنها أصبحت عنوانا على وضع مجهول، مثير للغضب والسخط، يفرض نفسه في المجالس الخاصة والعامة.
رائحة أولى معروفة تأتي من تراب النواصر عبر بوسكورة، صوب النسيم، وليساسفة، والألفة، وتمر عبر منطقة سيدي معروف بتراب مقاطعة عين الشق، والتي يمكن للجميع استنشاقها وشمّها عنوة كل ليلا وصباحا، سواء من يقطنون هناك أو الذين فرضت عليهم ظروف التمدرس أو العمل العبور من هذه الرقعة الجغرافية، والتي يربطها الكثير من المواطنين بالوضعية المتردية للصرف الصحي التي تعرفها النواصر عموما وبوسكورة خصوصا، هاته المنطقة المفتقدة لقنوات تصريف المياه العادمة حتى تقي الساكنة من هذا الأذى المستمر، وهو ما فرض في الأشهر الأخيرة مباشرة عدد من الأشغال على مستوى في محاولة جد متأخرة لتصحيح هذا الوضع.
أما الرائحة الثانية القادمة من مديونة، فهي وإن تم القول بأنها «معلومة المصدر»، بناء على تقرير «للتبريء» تم إعداده مؤخرا من طرف شركة للتنمية المحلية بتكليف من جماعة الدارالبيضاء، فإنها وبالنسبة للكثيرين لا تزال «مجهولة النسب»، إذ يتم ربطها تارة بالمطرح وبنفاياته التي تجاوزت كل حدّ، وما تسرّب إلى باطن الأرض وما يطال الفرشة المائية وينتقل إلى أنحاء متفرقة من المنطقة، وتارة أخرى بممارسات جانبية تعددت واختلفت الفرضيات بشأنها، والتي لم تحل دون استمرار حضور هذه الرائحة النتنة بكل قوة، بل أنها قبل أيام قررت استقبال وتوديع المسافرين القادمين للبلاد أو المغادرين لها من خلال بوابة المطار الدولي محمد الخامس بالنواصر.
رائحة تقطع الكيلومترات وتعبر المسافات في مدينة المال والأعمال، قادمة من تراب مديونة لـ «تقتحم» تراب سباتة وبن امسيك وعين الشق والحي المحمدي وعين السبع والصخور السوداء و «بلفدير» وعين البرجة ودرب السلطان وغيرها من الأحياء، التي يحس سكانها بالقهر اليومي، بفعل «قوة» هذه الرائحة العابرة لكل أحياء العاصمة الاقتصادية، التي عجزت المدينة الذكية، بمسؤوليها ومنتخبيها وما هو متوفر من تقنيات وموارد في القطع معها والقضاء عليها، وفي توفير مطرح للنفايات بمواصفات ومعايير تحترم البيئة والإنسان على حدّ سواء.
رائحة تتمدد ومطرح وضعيته تتردى يوما عن يوم، في مدينة يُفترض أنها ستكون مستقبلة لعدد أكبر من الزوار، في كان إفريقيا 2025 وفي مونديال العالم 2030، وهو ما يجعل المسؤولين الجهويين والمركزيين أمام تحدّي إنقاذ ما فشل غيرهم في إنقاذه، وعلاج ما تركه مدبرو الشأن العام في مدينة الدارالبيضاء معتلاّ وعجزوا عن توفير وصفة ناجعة لشفائه، من خلال وضع حدّ لهذه الرائحة النتنة بتبعاتها الصحية المتعددة، خاصة من يعانون من أمراض الحساسية ومن صعوبات في التنفس، وفي توفير المطرح، الذي قيل بأن والي الجهة محمد مهيدية، قد توصّل إلى رأب الصدع بين جماعة الدارالبيضاء ومديونة بخصوصه، وهو ما أفضى إلى الإعلان عن طلب العروض المتعلق بهذا الموضوع، في انتظار ما ستأتي به الأيام المقبلة، للتأكد فعلا من مدى طيّ صفحة هذا الملف من عدمه، خاصة وأن للجماعة «سوابق» في الإعلان عن حلّ مشاكل معينة تبين بعد مرور الأيام بأنها لم تعرف طريقها للحل، ومنها ما يتعلق بملف المطرح نفسه وبمقبرة «ما بعد الغفران» وملفات أخرى …؟


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 05/02/2024