هذه القاذورات التي تستوطن أرصفتنا

ارتبطت القطط في مخيلتنا بتلك الكائنات المتسخة التي تستوطن مكبات الأزبال باحثة عما يسد الرمق، متصارعة في معارك ضارية مع بعضها البعض من أجل البقاء، أصوات زمجرتها المزعجة ترافق ليالينا الطويلة في حوارات مبهمة قد لا يعرف معانيها إلا العجوز “ناكاتا” أحد أبطال رواية “كافكا على الشاطئ”، ومواء صغارها قد يبعث في نفس بعضنا بعض الألم وقد يدفعنا إلى البحث عنها ومدها ببعض حليب يسد رمقها أوقطعة كرتون تحميها من برد وصقيع يفتت عظامها الصغيرة، كائنات تتصارع وحدها في شوارع الدار البيضاء الخلفية وأزقتها، غير أننا أصبحنا نحن ساكنة البيضاء نلاحظ ما أصبحت تتمتع به من مكانة خاصة، إذ لم نعد نراها تبحث عن طعامها إلا نادرا، لقد أصبح يأتيها سهلا يسيرا، فعلى جنبات الأرصفة وفي مدخل العمارات وفي الحدائق العامة أو الخاصة، وتحت عواميد الكهرباء تمد “الصحون” و”الموائد” وتفرد الجرائد القديمة والكرتون أو على الأرض مباشرة، لتوضع فوقها بقايا طعام أو سمك نيء أو قطع “كروكيت” لم يحلم بالتهامها حتى القط الشهير “طوم”، بقايا طعام تخلف وراءها أوساخا وتتحول إلى أزبال وقاذورات تزيد المنظر العام للمدينة قتامة وبؤسا، لتتحالف مع ما تخلفه الكائنات الأخرى المستوطنة لهذه المدينة من فضلات ومخلفات، بدءا بفضلات الطيور والنوارس التي تسقط في أحيان كثيرة على رؤوس المارين التعساء أو تتجمع في منظر مقزز على جنبات العمارات والحيطان والنوافذ مرورا بفضلات الكلاب الضالة أو المملوكة لأصحابها الذين لا يجدون غير الشارع لتلبية حاجات كلابهم الطبيعية بعيدا عن أي مراقبة، وانتهاء بما يفرغه السكارى على قارعة الطريق بعد ليلة صاخبة مليئة بالكؤوس والعربدة ..
لقد دخلت أرصفة شوارع الدار البيضاء خصوصا في ما نسميه، centre ville بشارع محمد الخامس أو الشوارع المحاذية لمحطات القطار كمحطة الدار البيضاء الميناء أو محطة الدار البيضاء المسافرين خصوصا بزنقة الأمير عبد القادر أو قرب باب مراكش وعلى طول الجدار الأثري الذي يضم المدينة القديمة للدار البيضاء، في خصومة تامة مع النظافة، وأصبحت مرتعا للأوساخ والفضلات الآدمية والحيوانية، دون أي تفكير من السلطات في إيجاد حل لهذه المعاناة اليومية للمواطنين والزائرين الذين عليهم إن هم أرادوا المرور من تلك الأمكنة، الحرص ثم الحرص وفتح الأعين واسعة مع سد الأنف، كي لا تقع أرجلهم وسط بركة بول أو كومة قاذورات..
لقد كانت الأمطار تساعد قليلا في تنظيف تلك الأماكن وتغسل مياهها ما يخلفه الإنسان والحيوان معا، لكن وبلادنا تعرف جفافا استمر منذ سنوات، سيكتب على البيضاويين وزائريهم ومنهم الأجانب، المتسلحين بكاميراتهم وآلات تصويرهم، أن يتحملوا مناظر بشعة ومقززة، فهل سيفكر من يمسكون بالشأن المحلي البيضاوي في إيجاد الحلول ولم لا وضع قوانين رادعة وذعائر في حق من يساهم في تشويه المنظر العام لمدينة ترزح تحت وابل من المشاكل والمصاعب، ولكنها رغم ذلك تستعد كغيرها من المدن المغربية لاستقبال تظاهرات رياضية عالمية وقارية، كما أنها تستقبل وفودا من جهات العالم الأربع باعتبارها العاصمة الاقتصادية لبلادنا؟


الكاتب : خديجة مشتري

  

بتاريخ : 07/02/2024