المناضل محمد بنسعيد… يشيعه الوطن إلى ذاكرة الوفاء

طالع السعود الأطلسي

 

في سجلات الحالة المدنية اسمه محمد بنسعيد أيت ايدر، في تنظيمات المقاومة وجيش التحرير، ضد الاستعمار الفرنسي، كان معروفا باسم «الشتوكي»… وفي التنظيم السري، الماركسي اللينيني، 23 مارس، في منفاه الباريسي كان اسمه الحركي «خالد»… تعددت أسماؤه وألقابه وبقي دائما هو نفسه المناضل الوطني والديمقراطي، على مدى حوالي ثمانين سنة من حياته العملية، منذ أن لبى نداء الوطن، لتحريره أولا، ولوحدته ثانيا، ولدمقرطته دائما وأبدا، من عمر شارف القرن، إلى أن غادر أمس إلى أعالي ذاكرة المجد في وطنه… مات سي محمد… وهو الاسم الذي كنا نعرفه به في تنظيمات وفضاءات الكفاح الديمقراطي والوطني التي كان فيها بيننا قائدا مميزا، مات السيد محمد، عزاؤنا واحد… ترددت في أمطار التعازي والحسرة التي هطلت أمس على «المجتمع» السياسي عامة وعلى رفاقه في حركات اليسار وعائلته الديمقراطية الواسعة خاصة… كان ذلك نعيا لوطني عالي القامة في مسار الكفاح الوطني الديمقراطي المغربي، ولكنه نعي بوقع الولادة، بوقع غرسه في تربة التاريخ «شجرة أركان»، صبورة، ولادة، مغذية وصلبة… وكتلك الشجرة المباركة كان في مجرى حياته يكتفي بالقليل من حاجات الحياة، ليخترقها بالطول… والعرض، يعطي الكثير لمجايليه وللأجيال التي رافقها، وهي تنمو حواليه وبحدبه، وبقي «خامة» نضالية، صافية نحتتها قيم الأصالة المغربية، كما تربى عليها في نشأته البسيطة والثرية في العمق المغربي… وكتلك الشجرة ما هزته أعاصير وأهوال تاريخ الاستماتة من أجل المغرب المكتمل المغربية بوحدته الوطنية وبدمقرطة المواطنة في أرجائه…
الملك الحسن الثاني، كان تلمس فيه ذلك الصفاء وتلك الوطنية التلقائية، حين خاطبه، في إحدى اجتماعاته مع الكتلة الديمقراطية، بأنه «يحبذ أن يسمع الشتوكي المقاوم يتحدث»… وقد صان روح المقاومة فيه، في ممارسة الفعل السياسي بوضوح وبساطة ما يتصدى له، لم يكن يستسيغ إقبار الأفكار والمواقف في تلفيف مفاهيمي أو لغوي ملغز… وبذلك وجد له إيقاعه الفريد في موقع القائد الوطني والديمقراطي الجريء، الصارم، الواضح والمحترم في عموم الحياة السياسية الوطنية وخاصة بين رفاقه في حركات اليسار والذين أحاطوه بما يليق به من اعتبار…
محمد بنسعيد أيت ايدر هو اليوم متحرر من تفاصيل الممارسة الحياتية، المتموجة، والنسبية، وقد عبرها مغالبا تجاذباتها وتدافعاتها بقوة المبدأ الذي قد به، هو اليوم يشيع إلى مطلق الذاكرة الوطنية المفروشة بالوفاء المخصب للتاريخ، هناك مثواه الأبدي رمزا مشعا في مستقبل الطموح المغربي نحو الوطن الجميل أبدا، هناك سيحيا كشجرة خصبة مباركة… وضاءة دائما…

الكاتب : طالع السعود الأطلسي - بتاريخ : 07/02/2024

التعليقات مغلقة.