بنسعيد أيت يدر … سلاحك ياوطني

 عبد السلام المساوي

لقد حدث ما كان حتما سيحدث، وما كان مأمولا أن يتأخر حدوثه… حدث  أن جسد  محمد بنسعيد أيت يدر أفرغ آخر ما استطاع من نفس، ليسلم أنفاس الإنسان العزيز لفضاءات التاريخ الرحبة والعطرة بأريج انبعاث النيات المخصبة لمشاتل ، تولد الشمس في مستقبل التاريخ…
اليوم وأنت ترحل، لا ننسى أنك مواطن وطني، مجاهد مقاوم، مناضل يساري، وتعلمنا معنى أن تكون إنسانا، تعلمنا أن تكون مغربيا، وتعلمنا أن مبدأ الانتماء إلى الوطن يبدأ من الانتماء إلى المقاومة، لما بكاك المغاربة، تعلمنا معنى الحب والصدق والوفاء…
أنت اليوم لم تفعل إلا أن حلقت إلى مثواك في البراري المزهرة لذاكرة الوطن، وهي التي تصون، برفق وفرح، حيوات أمثالك من مولدي التدفق في المجرى العظيم للأمل في أوصال وطن يقاوم الارتداد ويراوغ المطبات، ويمضي بهدوء وثبات وبعزم نحو الامتلاء بالكرامة لمواطنيه…
محمد بنسعيد أيت يدر ممتد في المشترك المديد والعميق بيننا…
محمد بنسعيد أيت يدر، سيحفظ لك الوطن أنك كنت من أبنائه الأوفياء له، وقد بذلت من أجل تقدمه الكثير من الجهد بكفاءة وطنية ومواطنة، لذلك لن تذهب بعيدا تحت التراب، لأنك ستذهب بعيدا فوق التراب…
محمد بنسعيد أيت يدر…ذكراك ستزهر وتولد أبدا نفحات الأمل في التقدم نحو حلمك بالوطن الزاخر بالكرامة لمواطنيه…
محمد بنسعيد أيت يدر، كنت معنا دوما وستظل معنا دائما….
كنت معنا دومًا وستظل معنا دائمًا.
لن نتركك تغادر، فأنت في بؤرة وجودنا…
لا أريد أن أتذكر..
لأنني لا أريد أن أنسى
ولا أريد أن أنسى
لأن الوجود أبقى
حتى في الغياب…
محمد بنسعيد أيت يدر  صنو وجود متعدد
وجود في الأعماق
وجود في الأماكن
وجود في الساحات
الضيقة والفسيحة
محمد بنسعيد أيت يدر المبادرات التي كثيرًا ما أثارت فضول تساؤلات عميقة
هو وحده يملك كيمياء الربط بين التاريخ والمستقبل
كما يراه
كما يتمناه
كما يعمل من أجله
بكل قواه
وبين جراح رفاقك الوطنيين واليساريين، ودموع وطنك
الكثيرة في لحظات
الفراق والرحيل
لن أقول وداعا أيها المجاهد
لأنك لا تودع
المقاوم لا يودع
المجاهد لا يودع
أنت ترحب دومًا
أنت لا تودع أبدًا
أنت باق هنا بنسعيد
أنت في بؤرة وجودنا جميعًا

في قلب كل وطني
في قلب كل مقاوم
وفي قلب كل يساري
في قلب المغرب
في قلب المغاربة
في قلب التاريخ
أنت باق بنسعيد…وداعا أيها الأسد
وداعا أيها الأسد، وداعا أيها المجاهد،
وداعا أيها الأسد، وداعا أيها النظيف، نظيف بمكارم أخلاقك، وبشهامتك وشجاعتك ومروءتك …
أعلم أنك قد اختفيت لكنك لم تمت…
أسد في صمتك، الحكماء لا يثرثرون
في البرلمان كنت وحدك فريق..
يهابك الجميع
يخشاك الجميع
فقط لأنك وطني، أصيل، نظيف
مرعب الخونة والفاسدين
المناضل الشرس….المروءة هي هي العنوان والشموخ سيد الميدان…
الآن ترحل، فجأة ترحل، هل تعبت ؟! أنت طلقت التعب يوم ولدت، أنت لم تشك التعب أبدا، ترحل وتترك أهلك، إخوانك، رفاقك، أصدقاءك، تائهين حائرين، الصدمة كبيرة والفاجعة أكبر…
الرجال لا يموتون، العظماء لا يموتون…
نعم لم تمت ولكن ساهمت في اقتلاع الموت من وطننا، ساهمت في إسماع صوت الجماهير الكادحة، في الحرية والبناء، ساهمت في شق الطريق، توضيح الرؤية وبناء المسار…
لما نطقت ..لما بدأت الكلام ؛ قلت « لا «، لا للاستعمار ، لا  للاستغلال والمهانة…لا للذل والهوان، لا للقمع والاستبداد…لا للعار والخذلان، لا للنفاق والكتمان،لا للخيانة والنسيان…
قلت لا للموت، أمثالك لا يموتون، أحياء في التاريخ بل التاريخ حي بهم …
ترحل بيولوجيا لتفرض حضورا أقوى، فأنت الحضور ، بالأمس واليوم وغدا…
وجودك كان له معنى، لم تأت إلى هذا العالم زائرا، لم تكن مؤقتا، بل أتيت فاعلا وخالدا، إنك زعيم…إنك مناضل… وطني أصيل…
أعلم انك اختفيت ولكنك لم تمت
هل نبكيك ؟! وهل البكاء قادر على إطفاء النار التي اشتعل لهيبها في كياننا لحظة علمنا خبر رحيلك عنا،لا، لن نبكي لأنك لم تنته بل بدأت، كنت البداية دائما، ستستمر، ستخلد…ستستمر في كل من يؤمن بالمغرب بلدا حرا وناميا…ديموقراطيا وحداثيا…في كل من عرف أنك كنت تزرع البطولة…
اليوم يتعطل البكاء، لا نودعك ونبكيك، بل نقدر ونعتبر الخسارة الكبرى التي لحقت الوطن…
أعرف أنك قد اختفيت ولكنك لم تمت …
نعم لم ولن تموت، تغنيت بالحياة، تغنيت بالحرية وعلمتها لنا أغنية حلوة وجميلة، سنحلم ونحلم ..وطني وطن الجميع، وطن الكرامة والعدالة…
أعلم أنك اختفيت لكنك لم تمت
مسار مكتوب بالعذاب والألم، لكنه موشوم بالعزيمة القوية، موشوم بالصمود والصلابة…
أعلم أنك قد اختفيت لكنك لم تمت
تاريخ غني وحي، مسار شاق وعسير، وطني ومواطن…مناضل ديموقراطي…يساري حقيقي…كلمة واحدة في حقك أيها المجاهد وأصير ملقحا ضد كل نزلات الخيانة والانحراف…فالرجل أنت والصدق فيك، والنبل ولد معك…إنك وطني مخلص، إنك أمازيغي أصيل…
أعلم أنك قد اختفيت لكنك لم تمت
«ما هموني غير رجال إلا ضاعوا،.» لا ثم مليون لا، الرجال لا يضيعون، الرجال لا يموتون…
وأخيرا ترحل، ترحل عنا، ترحل فجأة، لن نبكيك، فأنت علمتنا الأمل والتفاؤل…علمتنا كيف نحيا، علمتنا الصمود والكبرياء لنعيش « منتصبي القامة مرفوعي الهامة… «
نم مطمئنا يا بنسعيد، المغرب ينمو ويتقدم مستلهما قيم الوطنيين والمقاومين، المغرب بخير بفضل نضالاتكم وتضحياتكم…
أعلم أنك قد اختفيت لكنك لم تمت…
الوطن يبكي،
اليسار يبكي…
المغاربة يبكون عزيزهم، يبكون ضميرهم، يبكون رجلا رضع المروءة والكرامة في معبد الشجعان…
كان كريما ومات كريما…
كان وطنيا، أصيلا متأصلا…
السلام عليك يوم ولدت، والسلام عليك يوم رحلت، والسلام عليك يوم تبعث حيا نظييفا…
ومات بنسعيد، وتيتم اليسار، وتيتم الوطن !

الكاتب :  عبد السلام المساوي - بتاريخ : 08/02/2024

التعليقات مغلقة.