أولويات القمة الإفريقية الحالية من زاوية مغربية!

عبد الحميد جماهري

أمام القمة الإفريقية المنعقدة يومه 17 وغدا 18 فبراير الجاري، جدول أعمال حاسم بالنسبة للقارة، فيه العديد من النقط الساخنة وذات الأولوية ترقى إلى الضرورات الاستعجالية… ولعل مواد هذه اللائحة الإلزامية للقضايا التي تقتضي رفع التحديات، تتطلب بلورة برنامج عمل يمنحه الاتحاد الإفريقي وسيلة الإنجاز بما يعنيه ذلك من موارد مالية وبشرية، وقوة سياسية لذلك..
رئاسة المغرب لمجلس الأمن والسلم يضعنا أمام مسؤولية مباشرة، في ترتيب هاته الأولويات والبحث عن القوة السياسية والموارد الضرورية لرفعها.
والقمة على أبوابها، هناك 8 نقط ساخنة، على الأقل، ذات صلة بمهام الأمن والسلم، التي تعتبر بندا رئيسيا حاضرا منذ التأسيس في أهداف مؤسسات الاتحاد الإفريقي، وهي نقط تشمل تسريع وتسهيل الاندماج السياسي والاجتماعي والاقتصادي للقارة، لتعزيز مواقف إفريقيا المشتركة بشأن القضايا التي تهم القارة وشعوبها، تحقيقاً للسلم والأمن؛ ومساندةً للديمقراطية وحقوق الإنسان«.
ويعنينا هنا كمغاربة، باستحضار التزامات المغرب، ثم النقط التي أثارها الوفد في اجتماع المجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي،( باعتبار أن دوره يتمثل في إعداد مواد وقرارات للجمعية العامة لمناقشتها والموافقة عليها) أن نتابع ما يستجد في هذا الباب وما يملكه المغرب لمقاربته لأوضاع القارة.
في المهمة الأولى، يدرك المغرب أن »دور المجموعات الاقتصادية الإقليمية في هذا المسعى يظل حيويا ويكتسي أهمية استراتيجية، كما ورد في كلمة الوفد، وهي إشارة إلى استحضار ثوابت العمل الإفريقي ومهام الاتحاد التأسيسية وله في ذلك مبادرات مهمة، في قلب إفريقيا، وفي الساحل وعلى الواجهة الأفرو أطلسية، إضافة إلى مبادرات أخرى ثلاثية وثنائية ومناطقية..
بخصوص السلم والأمن في القارة، وضع الوفد المغربي الشروط الإجبارية لتحقيقها، وذلك من خلال» الالتزام التام باحترام سيادة الدول ووحدتها الترابية، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، واحترام مبدأ حسن الجوار«..
وهو منطلق ضروري لمقاربة النقط الساخنة التي تواجه القمة، ويجدر بنا أن نشير إلى أنه تحضر في المشهد الإفريقي العام سبعة عناصر ذات صبغة استعجالية، منها : تصاعد النزعات الأهلية، وتزايد حدتها في العديد من المناطق، مما يستوجب التحرك لأجل الدول التي تعاني منها، مثل إنقاذ السودان، التي تعد أكبر مظهر من مظاهر النقط الساخنة أهليا حاليا.
ـ التهديد الجهادي، الذي يتنامى ويضع القارة برمتها في قوس المخاطر الجيوستراتيجية وموضع تقديرات دولية تبيح التدخل والتلاعب والتحريك المشبوه للملف، أو الارتباط الذي بات يظهر جليا بين الانفصال والارهاب، بما هو ترابط عضوي في إفريقيا في العديد من المناطق، كما شدد على ذلك الوفد المغربي من خلال تمظهرات العلاقة بين الإرهاب والانفصال والميليشيات المسلحة ووجود جماعات مسلحة من غير الدول ، والتي تحولت إلى مقاولات عابرة للأوطان،( ترانسناسيونال) و هذا من شأنه أيضا أن يرفع من درجة التوتر بين الدول، في حال تعقدت المعادلة، كما هو حال بين الجزائر ومالي في الآونة الأخيرة بخصوص التهديد الإرهابي، أو كما هو الحال في القرن الإفريقي، وفي البحيرات الكبرى، وكما هو مطلوب، في اللقاء ذاته، العمل على تجنب التصعيد العسكري بين الكونغو الديموقراطية ورواندا ..كما يتضمن جدول الأعمال نقطا ساخنة أخرى تتنوع فيها الردود المطلوبة حسب القضايا المطروحة، سواء في علاقة بالحكامة أو في غيرها ( السودان ـ إثيوبيا، الكونغو الديموقراطية، الكاميرون، وعلاقة شراكة الاتحاد الإفريقي مع الصومال… والانتخابات في جنوب السودان… إلخ .
وسواء تعلق الأمر بحروب أهلية أو بغياب وضعف الدول الإفريقية أو الإرهاب أو التصعيد بين الدول، فإن ذلك يضع حياة ملايين الأفارقة موضع تهديد، ويرفع من منسوب الهجرة داخل القارة وخارجها …
وفي خضم هذا الوضع هناك ملاحظات ضرورية لا بد منها:
أولها: ملاحظة عامة قد تصدق على الاتحاد الإفريقي، ومفادها أن الدول، في اللحظات الصعبة من العيش المشترك في المنظمات الدولية، تتميز سلوكاتها بنزوع نحو التقوقع على الذات، ومحاولة الحفاظ على »الدفء السياسي«، وتمنيع صلاحياتها الوطنية عوض الانخراط في أفق جماعي ممثلا هنا في الأمن الجماعي، لاسيما إذا كانت معادلاته متشابكة ومعالجته ليست دوما نزيهة..
وقلما نتابع نماذج في الدول التي تعاكس هذا التوجه الرامي إلى تصعيد التوترات الجيوسياسية، التي تنسف مجهودات السلام، أو تنخرط من زاوية الالتزام الأخلاقي »الأُسَري« إفريقيًا..
ولعل الحرص المغربي على تقوية الاتحاد الإفريقي وتطوير حكامته نابع من تحليله لطريقة اشتغاله ولأوراق الربح والخسارة التي يملكها، ولعل ذلك يظهر بجلاء الصعوبة في بلورة أجوبة قارية، سواء في التدبير المحلي أو على المستوى الدولي، ما يسميه المغرب »إسماع صوت إفريقيا بشكل أكبر على الساحة الدولية، وبالرغم من العجز في هذا الباب يمكن أن يسجل الملاحظون حضور وجهة النظر الإفريقية في النقاشات الدولية… علاوة على امتلاك الاتحاد الإفريقي للوسائل المؤسساتية بخصوص الأمن ووسائل الوساطة والحفاظ على السلم، ولعل ما ينقصها، حسب مراكز الدراسات والتحليل المسؤولة، هو »القوة السياسية« والموارد المالية الضرورية، وهو ما يعكس الانخراط الضعيف للدول الأعضاء في الاتحاد، كما أن المورد المالي الإفريقي، نقطة صعبة، لأنه رهينة بالتمويلات الدولية ولا سيما الاتحاد الأوروبي، وهو أمر قد يرى فيه الأفارقة عنوان ضعف الاستقلالية.. وهذا لا يمنع من وجود نقص قوة دولية، منها اجتماع الدول العشرين الكبار في شتنبر 2023، والذي منح الاتحاد عضوا دائم العضوية، وهو ما يؤهله لكي يحضر في كل المناقشات العالية ذات العلاقة بقضايا القارة.. إضافة إلى مجلس الأمن، المساهمات الإلزامية لكي تمول عمليات حفظ السلام التي يقودها الاتحاد الإفريقي..بما يصل إلى 75 % من الميزانية المخصصة لهذه المهمة. ويبقى على المنظمة القارية أن تضمن الباقي.
كل هذا حاضر في التوجه المغربي، عسكريا وأمنيا، أو من خلال شراكات إقليمية ذات أبعاد استراتيجية من شأنها أن تقوي من مناعة مؤسسات الاتحاد الإفريقي في الرد على ما حدث في دول الساحل مثلا، والعجز أمام انهيار الدولة في السودان. كما قد تقوي من مقاربته لقضايا الهجرة وحضور القرار الإفريقي في المحافل الدولية…
هناك نقطة تتعلق بسير المؤسسات وتخص رئاسة الاتحاد، ومن سيخلف الرئيس المنتهية ولايته القمري غزالي عثماني، وبالرغم من الدور البروتوكولي للرئاسة فإنه عادة ما يكون موضوع رهانات، منطقية ـ حسب المناطق الخمس للقارة ) ومن المنتظر أن يكون هناك؛ مرشح من شمال إفريقيا، ينتظر أن تكون التحركات الجزائرية محمومة، بحثا عن معركة ما في الاتحاد، كما قد تكون مناسبة لجنوب إفريقيا كي تتحرك معها. والتفكير في موريتانيا كحد أدنى مشترك وارد … وللقضية بقية!

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 17/02/2024

التعليقات مغلقة.