«رالي» باريس، مدريد، أديس أبابا، الديبلوماسي المغربي

عبد الحميد جماهري

يحق للمغرب أن يضع لائحة ما عاد به من القمة الإفريقية التي انعقدت نهاية الأسبوع الماضي في أديس أبابا بإثيوبيا، ولعل الأولوية، في المناخ الإفريقي للمغرب، تتجلى في ما تكرس فيها بخصوص الصحراء المغربية، حيث تأكد أن القضية لم تعد تدرج على جدول أعمال الاتحاد الإفريقي، وبذلك يتم وضع نقطة نهاية لمحاولة طويلة النفس قامت به الجزائر وجنوب إفريقيا لكي تكون القضية ضمن «المشاكل الإفريقية التي تحلها إفريقيا««.
ولطالما اعتمدت الدولتان ومن يسير في ركبهما على هذا المبدأ النبيل، للزج بالمنظمة الإفريقية في صراع مفتعل، مطروح على مجلس الأمن. والنتيجة أن المغرب حافظ على الطابع الحصري للمعالجة الأممية، كما أن هذا التشديد الإفريقي سد الباب على جنوب إفريقيا وأوقف محاولاتها لإعطاء شرعية لتدخلها في قضية صحراء، عبر المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي ستافان دي ميستورا.
للنقطة بعد آخر: إن عضوية الدولة الوهمية صارت »»افتراضية»« أكثر من الدولة نفسها، ولعل تفسير ذلك هو السؤال التالي: أي عضوية يمكن الاعتداد بها في منظمة أسقطت مناقشة «قضية» هذه «الدولة» ضمن انشغالاتها! الدولة الوهمية، بهذا صارت «موجودة بعدم وجودها» !! ..
نقطتان اثنتان ترفعان رصيد المغرب، من القمة الإفريقية، تتعلق الأولى بوصول الدول التي فتحت تمثيليتها في العيون والداخلة ( %50من الأعضاء 10 الجدد)، على مجلس الأمن الذي يرأسه المغرب، علاوة على كون المغرب، الذي يرأس المجلس قدم، باسم أعضائه، تقرير حالة القارة من زاوية السلم والأمان.
وفي موضوع ذي صلة، سيكون المغرب بوابة التوافق بين الاتحاد الإفريقي والدول الست التي لم تحضر القمة، بقرار الاتحاد، وهي الدول التي وضع لها المغرب عرض استراتيجيات خلال مشروع ربطها- دول الساحل- بالواجهة المتوسطية…
أما المكسب الجديد فيتمثل في انتخاب المغربية أمال العياشي في مجلس وكالة الفضاء الإفريقية، باستحقاق «ساحق» كما وصفته الديبلوماسية المغربية.
المحطة الثانية في هذا الرالي الديبلوماسي كانت هي باريس، التي احتضنت «المأدبة الديبلوماسية» بحضور سمو الأميرات رفقة زوجة الرئيس ماكرون.
ولن نبالغ إذا رأينا في هذه الديبلوماسية العائلية، أنها تريد أن تظهر بكونها ضمانة حميمية على انطلاق المياه من مصبها قبل العودة إلى مجاريها. وهي إلى ذلك زيارة تعيد إلى الأذهان ما قاله جلالة الملك في خطاب الذكرى68 لثورة الملك والشعب(20غشت 2021 )، عندما تحدث جلالته عن «علاقة الشراكة والتضامن بين المغرب وفرنسا، الذي تجمعني برئيسها فخامة السيد إيمانويل ماكرون روابط متينة من الصداقة والتقدير» !
ولعل من الأسباب التي تدعونا إلى الرفع من منسوب التفاؤل، بعد هذه الزيارة، هو حديث الرئاسة عن «المكالمة الهاتفية»، مع جلالة الملك، علما أن المكالمة كانت في مرحلة الجفاء عنوانا للأزمة. أضف إلى ذلك الخروج الديبلوماسي لوزير الخارجية الفرنسي الجديد، حول «المضي قدما إلى الأمام»، والتفسير العملي الذي أعطاه السفير الفرنسي «لوكورتي» لهذه العبارة، التي تكررها الديبلوماسية منذ لقاء الرئيس ماكرون مع الديبلوماسيين في بلاده، بقصر الإليزيه، ثم الممثل الدائم لباريس في مجلس الأمن، في تفسير التصويت على القرار 2703.
ومن عناصر الإيجاب هو حديث السفير عن «العمل المشترك بين البلدين، في إفريقيا». وهو ما يعتبر مقاربة مخالفة لما سبق، عندما كانت باريس تميل إلى اعتبار المغرب)حليفا قديما تحول إلى منافس كبير في القارة)، يعمل ضد مصالحها !
ولعل القراءة الايجابية تدعو إلى اعتبار تصريح السفير تجاوبا مع طرح الرباط الداعي إلى «مثلث ديبلوماسي» يجمع المغرب وفرنسا والقارة الإفريقية ! وكان حديث الملك عن ماكرون، قد ورد في الحديث عن تطلعات قائد البلاد من العمل مع حكومة..… بيدرو سانشيز. وكان الوقت وقت أزمة وتوتر، (يبدو أنه غير معسكره !)، وجاءت كلمات الملك محمد السادس لفتح بوابة أمل «للتطلع، بكل صدق وتفاؤل لمواصلة العمل مع الحكومة الإسبانية ومع رئيسها معالي السيد بيدرو سانشيز، من أجل تدشين مرحلة جديدة وغير مسبوقة في العلاقات بين البلدين على أساس الثقة والشفافية والاحترام المتبادل والوفاء بالالتزامات».
هو نفس الالتزام مطروح على فرنسا اليوم ! بالنسبة لإسبانيا تأتي الزيارة إلي بلادنا من طرف بيدرو سانشيز محكومة بسياقين، الأول سياق تراكمي، يتمثل في تشاور البلدين حول الإعلان المشترك، ومستجدات الوضع في منطقة المتوسط والساحل (بيدرو سانشيز كان في موريتانيا)، ولعل لجنة العمل المشترك ستنظر إلى الحصيلة وكيفية استكمال ما تم الاتفاق عليه في تصريح أبريل 2022.
أما الثاني، فهو سياق راهن، تتمثل دلالاته في حضور وزير خارجية الجارة الشمالية «ألباريس»« بعد أسبوع تقريبا على «تعثر» زيارته إلى.. الجزائر. ومعلوم أنه ألغى هذه الزيارة بعد أن تبين أن رئاسة الجزائر تريد أن تغير من المواضعات المتفق عليها بين البلدين بخصوص الزيارة، والمحتمل أن الرئيس الجزائري كان يريد التقليل من قيمة ضيفه من خلال رفض استقباله كما جرت العادة منذ عقود !
العنصر الثاني في دلالة الحدث يتمثل في اختيار يوم 12 فبراير (يوم الزيارة) في تقديم «ألباريس» لجواب الحكومة على سؤال من انفصالي إسباني في الكونغريس الإسباني حول الموقف من الصحراء. وقد بنى رده على المواقف المعلنة في رسالة بيدرو سانشيز إلى ملك البلاد في مارس 2022 (النقطة الأولى)، ثم في الإعلان المشترك (النقطة 8) في تصريح أبريل 2022 !

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 22/02/2024

التعليقات مغلقة.