السنة الرابعة بعد … المستقبل! 1ـ2

عبد الحميد جماهري

أتيحت لي الفرصة، مجددا، للحديث عن كتابي »»ذهبنا إلى الصين وعدنا من المستقبل»«، بمناسبة المنتدى الأكاديمي الجامعي السابع، بين جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، وجامعة شنغهاي للدراسات، يوم الثلاثاء الماضي.. بعد اربع سنوات من المستقبل ، كما رأيته في الصين وصدر في كتاب.
كانت مناسبة ليعود الشعر، أو الحديث عنه على الأقل، إلى الجمهورية ( وهي هنا جمهورية الصين الشعبية) بعد أن طرد أفلاطون منها الشعراء. وكانت الفرصة سانحة أيضا لأمثل بين نخبة من الصينيين الزوار وبين الأساتذة والقامات الأكاديمية الجامعية يتقدمهم رئيس الجامعة الحسين زادوك والأخ الصديق مصطفى الخادر ، وحضور محمد خليل، رئيس جمعية الصداقة المغربية الصينية، وحشد من الطلبة والأساتذة. وكان علي أن أكون وفيا مع حرية في .. الخيال. ومناسبة لأقول عمق الكتاب: هذه تجربة شخصية، في الدهشة والتعلم.. في الحبر والحبور، وليست محاولة في التأصيل لحلم ماوي سابق عند جيلي. وهي تجربة أربع رحلات وثلاثة دفاتر… في مجاورة الصين.
قلت لمن شرفني بالإنصات : لقد ذهبنا، والوفود معي، إلى المكان، لكن وجدنا أنفسنا، في كل مرة، في الزمن، الزمان الحاضر، ثم المستقبل، هي كتابة تجولت بها، في ربوع محدودة من الزمان من 2010 إلى 2020 من حسن الحظ أن هاته المرحلة كانت تعني في الصين مرحلة* الفرصة الاستراتيجية، وفي المكان، وما هو إلا جهات محدودة من التضاريس والسهوب، وهي خلاصة زيارات، كانت تبدو عادية، بقبعات مختلفة، أغلبها سياسي وإعلامي. ضمن وفود مؤسساتية، ونخب إعلامية.
في البدء، كان الفضول العادي، وبعدها صرت أكتشف أن زيارة الصين لن تكون فقط، فضولا سياسيا أو إعلاميا أو سياحيا.. إنها أكثر من ذلك… واجب ديني، بمقتضى الأمر النبوي »اطلبوا العلم ولو في الصين«!
رأيتُ، وكان من الممكن أن اختار عنوانا: »رأيت الصين، ثم لم أر بعد ذلك شيئا«، وكان من الممكن أن أكتب:»كنتَ على حق ياجدي ابن بطوطة، إذ أورثني دهشتك وأنا الآن مندوب دهشة لا تحَدُّ.«. كان من الممكن:»من رأى منكم الصين يتعلم أو ليسكت«.. لكن الحقيقة البسيطة في نثرياتها العادية، لغة ونقلا وتحليلا. كانت أننى أعيش تجربة، تحول أمة كبيرة إلى الأمة الكبيرة في القرن الحالي.
ليست دهشتي مقنعة، وقد صارت الصين مركز اهتمام العالم،. وقلبه الذي ينبض بسرعة غير مسبوقة، يصعب تقليدها بل تعد تجربة حضارية صرنا نرتبط بها.
كان علي أن أقول إنني من جيل كان مفتونا بقراءة كل أخبار الصين، و»اشتراكيتها ذات الخصائص المحلية« وتجربة المسيرة الطويلة، التي دعا إليها ماوتسي تونغ.. وكانت أدبياته موضوع خلاف ونقاش في أوساطنا الطلابية، وغير الطلابية. كنا نحفظ أسماء آبائها المؤسسين وطبيعة صراعاتهم.نعرف سان يلتسن وغريمه شانغ كاي تشيك ونعرف ماوتسي تونغ، وصراعاته ضد السوفيات وتشو انلاي وتدبير الدولة في جوار إكراهات الإيديولوجية، والقفزة الكبرى والثورة الثقافية والكتيب الأحمر. وكان علي أن أرى كل ذلك في زياراتي…«
الكتاب هو هذه السردية بعد أن رأيت المستقبل، حيا، وهو يعيش كحاضر في الصين، ونحن في العالم ننتظر وصوله: بيولايك، مؤسسات الاحتضان الصناعي، المدرسة والتعليم. القيم والمبادئ المتأصلة في إمبراطورية الوسط، التي جمعت بين منبعها الشرقي، واستشراف شامل مستوحى من الماركسية ونجاعة تحديثية كما في عهد المينغ باليابان. الصين التي عبرت قرونا عديدة جزء كبير منها بعيدة عن العالم. آمنت بإجبارية التحول ،وبالرغم من أن عناصر الوحدة المكتفية بذاتها، كانت موجودة مثل خارطة مترامية الأطراف، شعب متجانس في هوية صينية موحدة ومرجعية ثقافية مهيمنة. بالرغم من فشل محاولات عديدة في فترة القرن 15 عندما بدأت النهضة الأوروبية ، وإجهاض عمل الإمبراطور زهو دي ZHU DI الذي تحمل الإيمان بروية مستقبلية جريئة فبنى أسطولا بحريا كبيرا لضمان الحضور القوي في كل المحيطات……

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 07/03/2024

التعليقات مغلقة.