بعد مقتل طفل على يد والدته وضبط تعنيف أم لصغيرتها في ابن مسيك وأخرى بدرب السلطان : مختصون يحذرون من تبعات الضغوط النفسية والاجتماعية التي يعانيها الآباء والأمهات على الأطفال

 

شهد شهر مارس الفارط ومعه أبريل الجاري تسجيل اعتداءات جسدية من طرف أمهات على أطفالهن، في وضعيات وسياقات مختلفة، وبأسباب ودوافع متعددة، التي تباينت حدّتها وخطورتها، إذ وصل الأمر إلى حدّ تسبب أمّ في مدينة الدارالبيضاء في وفاة صغيرها الذي يوجد في سنواته الأولى، بعد أن ضربته بواسطة «مغرفة» استقر جزء منها في رأسه، مما تطلّب نقله على وجه الاستعجال إلى مستشفى المنصور بالبرنوصي، لكن وأمام خطورة الإصابة تم توجيهه صوب المستشفى الجامعي ابن رشد، وهناك خضع لعملية جراحية، لكنه وبكل أسف فارق الحياة.
وفي مدينة الدارالبيضاء دائما، أوقفت مصالح أمن منطقة ابن مسيك سيدة في الثلاثينات من عمرها للاشتباه في تعريض طفلتها التي تبلغ من العمر سبع سنوات للإيذاء العمدي، وذلك أثناء تعنيفها إياها في الشارع العام، حيث تبين من خلال المعاينات الأولية، وفقا لبلاغ أمني في الموضوع، أن الضحية كانت تحمل آثار حروف وكدمات بمختلف مناطق جسمها، كما تم وعلاقة بنفس النازلة إيقاف شخص ثانٍ من معارف الأم للاشتباه في تورطه في التحرش بالطفلة والمشاركة في تعنيفها. واقعة لم تكن الوحيدة خلال شهر أبريل إذ شهدت منطقة درب السلطان كذلك، وعلى بعد ثلاثة أيام تفاصيل مماثلة لها، إذ حاصر مواطنون سيدة كانت تؤذي صغيرتها للحيلولة دون تعنيفها لها، وعلى إثر ذلك تدخلت عناصر أمنية فقامت بإيقاف المعنية بالأمر واقتادتها صوب مقر الدائرة للبحث في تفاصيل النازلة.
حوادث أضحت حاضرة بقوة، ولم تعد تتخذ أشكالا «مستترة» بل باتت ظاهرة ويمارس العنف خلالها ضد الأطفال أمام العلن، بعضه يكون عرضيا وعابرا والبعض الآخر يكون متكررا وساديا، تنتقل تفاصيله من داخل جدران البيوت إلى الشارع العام في وضعيات معينة، وهو ما يجعل مجموعة من المتتبعين ينبهون للوضع ويحذرون من خطورته وتبعاته، في حين يرى عدد من الفاعلين بأن تنامي حالات العنف ضد الأبناء، وضد الذات والغير بشكل عام، هي نتاج لحالات مرضية ولأزمات اجتماعية واقتصادية أدت إلى اتساع رقعة الضغط والتوتر وإلى الرفع من منسوب الغضب، الذي قد يؤدي ثمنه غاليا فلذات الأكباد والأقارب من العائلة الصغيرة.
وتعليقا على هذا الموضوع، أكدت الدكتورة سريا الدغمي، الطبيبة والمعالجة النفسانية للطفل والمراهق في تصريح لـ «الاتحاد الاشتراكي»، أن هناك أباء وأمهات قد يعانون من الفصام أو أمراض نفسية أخرى مختلفة تجعلهم يفقدون التمييز والتحكم في سلوكاتهم فيصرّفون «غضبهم» بعنف ضد المقرّبين منهم، وضمنهم الأطفال، مشددة على أن مثل هذه السلوكات لا يمكن السكوت عنها، منبهة في نفس الوقت إلى أن بعض المعتدين تكون لديهم علاقات مثالية مع محيطهم الخارجي، الجيران، العمل، الأقارب، لكنهم بمجرد دخولهم إلى البيت يتغير سلوكهم فيصبحون عدوانيين بشكل يبعث على القلق.
وشددت الاختصاصية في الطب النفسي عند الأطفال في تصريحها للجريدة على أن الحالات التي تعرض أكثر على الأطباء المختصين تهمّ الاعتداءات ذات الطابع الجنسي، خاصة تلك التي لا تترك أُثرا أو دليلا، من خلال تحرشات المعتدين التي يصعب تأكيدها، والتي لا تظهر بشكل جليّ إلا بعد مرور سنوات من ممارستها، مشيرة إلى أن خطورتها تكون أكثر عندما تقع داخل الوسط الأسري الصغير، داعية إلى توفير كل الآليات الضرورية لتوفير حماية أكبر للأطفال والمراهقين من هذه الاعتداءات. وأوضحت الدكتورة سريا لـ «الاتحاد الاشتراكي»، بأن أكثر الحالات الواردة على العيادات هي التي تتعلق بالاعتداء والإهمال النفسيين، الذي تكون عدد من الأمهات معنيات به، اللواتي يحرمن أطفالهن من الحنان ومن عنصر الأمان، مبرزة أن هناك أمهات وآباء عاشوا في وسط أسري في طفولتهم محرومين من الحب الأبوي وكانوا يفتقدون لمشاعر الأمومة، مقابل ما هو مادي صرف، وبالتالي فإن ما عاشوه يسقطونه على أبنائهم، وهو ما يجب الانتباه إليه والتعامل مع مؤشراته ومظاهره بكثير من الجدية، ويتطلب بالمقابل الرفع من أشكال التحسيس والتوعية، مشددة على أن الأعطاب النفسية أًصبحت كثيرة بسبب عوامل متعددة، ويتم «التطبيع» مع عدد منها داخل الأسر، الأمر الذي يشكل خطرا كبيرا على الأسرة وعلى أفرادها، ويحتّم علاجها قبل أن تتطور الأمور إلى ما لاتحمد عقباه.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 15/04/2024