آيت بوكماز: المغرب الذي لا يسير! 2/2

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
جلالة الملك : رسم مستقبل العلاقات المغربية الفرنسية وفق منظور استراتيجي بعيد المدى
في المدينة تجد المستشفيات صعوبة في الوجود بسبب منافسة القطاع الخاص، فما بالك،هناك، في أعالي الجبال، وفي فجاج الشرق الحارة وفي براري الشمال الشاق!
المسيرة لا شك أنها أحرجت كذلك الكثير من الوزراء، وقد كانت وزيرة الانتقال الرقمي منشرحة وتعدد أمام العالم ما صرنا عليه في الزمن الإلكتروني والزمن القادم، مرتاحة وهي تضع، أمام القادمين من دلوك العالم إلى غروب الخريطة، سعة بيتنا في عالم الذكاء الاصطناعي.
وكان الوزير المكلف بالشباب والثقافة والتواصل سعيدا بن سعيد !، وهو يبشر الشبيبة المغربية بمتعة الفيديو وخراجه من الأرباح، ويبشرها بموقع رفيع في الترفيه الدولي الذي يجلب الحـظ!
كل هؤلاء لا شك أنهم تبرموا عندما جاء من أقصى المدينة حشد يسعى نحو قليل من كل ما قيل في الرباط على لسان الوزير والوزيرة ورئيس الوزراء، كلهم !
حشد أغبر، أشعث، من المغرب البعيد، عليه مظاهر وعثاء السفر..! جاء حاجا إلى أطراف الطريق، يسير جماعات وفرادى ليوصل صوته: صوته الذي لم يصل منذ … عهد الموحدين…
ومنذ عهد ما قبل الأنترنيت، وما قبل شق الطرق وما قبل الوندال..
جاؤوا مجهدين ومُجهدُ ترابهم..
ـــ
كنا نتابع بانتشاء دخولنا عصر الغذاء الاصطناعي لعقولنا، وغارقين في إعلاء الانتقال الرقمي إلى رتبة النيرفانا، ترددها على مسامعنا وزيرة الحكومة المكلفة بالمستقبل !
كنا خارجين من مناظرة جمعنا إليها 35 دولة و200 شخص و2000 مشارك جاؤوا لتقريب الذكاء الاصطناعي من المغاربة…
عندما أيقظنا سكان آيت بوكماز، من الأطلس في تراب أزيلال، من سباتنا السبرينيتيقي اللذيذ.
كانوا بالعشرات خرجوا كي يصرخوا: لسنا على ارتباط بهذا العالم.
نحن من خارطة ما قبل اكتشاف الهاتف والأحجار الإلكترونية المباركة…
فجوة كاسرة بين دوار يبحث لنفسه عن بوابة للعيش البسيط، لا الذكاء الخارق، ومغرب في الأنترنيت بأحلام العواصم، السياسية والإدارية والاقتصادية والروحية، في البحث عن مكان في كوكب المستقبل.
الذين جاؤوا إلى الطريق، نحو بني ملال، يعيشون في زمن ما قبل اكتشاف الصبيب الإلكتروني وقبل الصبيب الصحي…
لا ليسوا قادمين من مكان… بوكماز فقط
بل إنهم قادمون من زمان ما قبل العصر الموحدي!
منذ ما قبل بداية التاريخ الصحي في المغرب
العودة إلى ما قبل المولى يعقوب المنصور
إلى ما قبل زمن «دار الفرج» الصحية ..
ليس ما قبل الحماية وأول مستشفى عسكري في 1911 ..
لا.. التقويم الموحدي يليق بنا..
ذلك لأن أول نظام صحي في المغرب ظهر خلال الدولة الموحدية – القرن الـ12 الميلادي-، عندما أمر السلطان الموحدي يعقوب المنصور ببناء أول مستشفى متكامل متطور وأطلق عليه اسم «دار الفرج»، وسُجل في كتب المؤرخين باسم «بيمارستان» بمدينة مراكش.
ويذكر المؤرخون بأن «دار الفرج» كان بها كل أنواع «الفرش النفيس كالصوف والكتان والحرير وغير ذلك، حتى زاد على الوصف، وأتى فوق النَّعْت» وأجرى له ثلاثين دينارا في كل يوم «وجلب إليه الأدوية، وأقام فيه الصيادلة لصناعة الأشربة والأدهان والأكحال، وأعدّ فيه للمرضى ثياب ليل ونهار للنوم»….
كنا قد سلمنا، بغير قليل من القدرية، بأن بلادنا تسير بسرعتين: سرعة «التي جي في» وسرعة قطارات الفحم الحجري..
كنا ننتظر أن تزول قطارات البطء الكئيبة ونلتحق جميعا بمغرب السرعة الكبرى.
المغرب الذاهب إلى «التي جي في»
الذاهب إلى أدغال إفريقيا..فإن هناك مغرب لا يسير
إلا إذا خرج مشيا على الأقدام في مسيرة احتجاجية!
كنا نحلم عن حق، والريح تلعب بخصلات شعرنا وتلعب براياتنا الجميلة تشق عباب الصحراء …
ولم ننس، لكننا كنا غارقين في حلم جميل، كما لو أننا في بطاقة بريدية لأحلامنا الوردية الملونة حتى أيقظتنا قرية اسمها آيت بوكماز…
كنا غارقين في أحلام المستشفيات الكبرى وأرقام رئاسة الحكومة، لكن شوشت على رئيس حكومتنا قرية تريد مركزا صحيا فقط، طبيبا واحدا فقط…
من كل تلك الأرقام وتلك المنتجات، كان الناس يريدون فقط طبيبا ومركزا يتمددون فوق سريره عندما يصابون بالحمى أو بوحمرون أو تخونهم الصحة في مناسبة ما..
آيت بوكماز: ليست حالة معزولة!
دواوير وقرى وبوادي كثيرة لا تتمتع بأي وجود صحي.. وجولة صغيرة في المغرب الشرقي والشمال الشرقي والجنوب الشرقي ستفزع من له قلب وله عين!
والحل الذي أبدعه العقل الراجح للدولة من خلال الجهوية قتلته الحسابات السياسية: كان من الممكن أن يخرج الكثير من رؤساء الجماعات في جهة الدارالبيضاء- سطات في مسيرات، بعد أن حرمتهم سطوة التغول من حقهم في الطرق والمسالك الطرقية التي تم توزيعها بين ثلاثية القرار !
وكان ممكنا أن تخرج ساكنة تاوريرت وجماعاتها لنفس الغرض، كما كان من الممكن أن تعود قرى أخرى إلى الشارع لتعري عن وضع يزداد ضيقا مع كل صيف، وهي حالة تبقي غضب ساكنة أخرى من المغرب حيا، في الريف وفي الشرق وفي الجنوب !
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 16/07/2025