هل سيحمي الإسبان دستورهم؟

n مشيج القرقري

تستفيق إسبانيا كل صباح على وقع عناوين مثيرة وبطعم عنصري مقيت تهيمن على نشرات الأخبار ومحطات الراديو والصحف، خصوصا القريبة من اليمين، والتي تستثمر حادثة الاعتداء المدان على رجل مسن، والذي من المحتمل أنه ضحية لاعتداء من طرف مهاجر أجنبي (رغم أن القضاء لم يؤكد بعد هذه الرواية)، لتغذية خطاب التخويف من الآخر وزرع الكراهية وبتعبيرات عنصرية فجة.
هذا الحدث المؤسف يتزامن مع مرحلة سياسية حساسة تعيشها الحكومة الإسبانية، التي تواجه أزمة ثقة بسبب شبهات فساد تطال بعض قيادات الحزب الاشتراكي، وسط أغلبية برلمانية هشة، وبصمود كبير من طرف رئيسها بيدرو سانشيز.
لكن الحقيقة هي أن شراسة حملة حزب فوكس اليميني المتطرف تجاه المهاجرين عموما ومغاربة إسبانيا على وجه التحديد، هي تعبير جارف عن الحاجة إلى الاستفادة من الوضع السياسي الصعب والاستحواذ على أصوات لن يستطيع الحزب الشعبي استيعابها.
لكن خلف ضجيج الإعلام، والسياسيين والشارع، وجب أن يطرح سؤال جوهري هو:
هل سيحمي الإسبان دستورهم؟
هذا الدستور، الذي أُقر في استفتاء عام 1978، شكل القطيعة التاريخية مع مرحلة الديكتاتورية الفرنكاوية، ووضع الأسس لدولة القانون، الديمقراطية، والتعددية.
حيث جاءت في ديباجته أن الأمة الإسبانية، راغبة في إقامة العدل والحرية والأمن وتشجيع ما هو في صالح شعبها، وتعلن إرادتها في ضمان التعايش الديمقراطي، وسيادة القانون، والتأسيس لنظام اقتصادي واجتماعي عادل. وقد نص كذلك نص الدستور في مادته 13 على أن الأجانب في إسبانيا يتمتعون بنفس الحريات العامة التي يضمنها هذا الباب طبقا لما تنص عليه المعاهدات والقانون، وفي مادته 16 أكد على حرية العقيدة والديانة وممارسة الشعائر الدينية دون قيد، إلا إذا تعلق الأمر بالنظام العام.
إن هذا الدستور لا يشكل فقط إطارا قانونيا، بل هو مشروع مجتمعي لحماية التنوع وصيانة التعايش، وقد أجمع عليه الشعب الإسباني حينها لتجاوز مراحل صعبة من تاريخه، امتدت من الحرب الأهلية التي خلفت ملايين القتلى والمهجرين والنازحين، إلى الحكم الفرنكاوي السالب للحقوق والحريات.
وما يثير القلق اليوم هو تنامي الخطاب المتطرف الذي يتغذى من توترات اجتماعية وسياسية، في ظل صراع بين اليمين المحافظ واليمين المتطرف، الذي يسعى إلى توسيع نفوذه الانتخابي على حساب قيم الدستور وباستغلال الأحداث الفردية لتأجيج الكراهية والعنصرية.
ومن المفارقات أن يشيطن المهاجرون، في وقت تشهد فيه إسبانيا نقصا ديموغرافيا حاداً وحاجة ماسة إلى من يغذي صناديق التقاعد والحماية الاجتماعية، وقد وصل عدد الأجانب المسجلين بصناديق الحماية الاجتماعية والمساهمين إلى 15 في المائة.
تعد إسبانيا من أكثر الشعوب هجرة في التاريخ المعاصر، فقد هاجر ملايين الإسبان إلى أمريكا اللاتينية وأوروبا منذ القرن التاسع عشر، كما فر الآلاف بعد الحرب الأهلية إلى فرنسا والمكسيك والأرجنتين ودول أخرى، وعمل أكثر من مليون عامل إسباني في الستينيات بفرنسا وألمانيا وسويسرا وبلجيكا… ولا تزال الهجرة مستمرة، إذ يعيش اليوم أكثر من 2.6 مليون إسباني في الخارج.
إن اعتبار الإسبان شعباً نقياً أو مهدداً بالذوبان هو تبن صريح لخطاب عنصري يتنكر للتاريخ، ويهدد أسس تعايشهم، ويناقض حقيقة الدولة المتعددة الهويات من الباسك ومن كطالونيا…
إن تفعيل منطوق الفصل 30 من الدستور المغربي لسنة2011، الذي ينص على أنه يمكن للأجانب المقيمين في المغرب المشاركة في الانتخابات المحلية بمقتضى القانون أو تطبيقا لاتفاقيات دولية أو ممارسات المعاملة بالمثل، من شأنه أن يفضي حتما إلى فتح المجال أمام مشاركة الجالية المغربية المقيمة بإسبانيا، والتي يتجاوز عددها المليون شخص مقيمين بشكل قانوني وأكثر من 250 ألف حاصلين على الجنسية الإسبانية، ويجعل منهم قوة انتخابية، اقتصادية وثقافية حقيقية تحظى باهتمام كافة الفاعلين السياسيين.
وفي هذا السياق، تبرز منطقة مورسيا كمثال حي، حيث تعتبر أصوات المغاربة هناك أداة فعالة لمواجهة خطابات التطرف، كما تشكل رهاناً ديمقراطيا لا يمكن تجاهله في معادلات الحاضر والمستقبل.
كما يُعد تجديد وتوسيع صلاحيات مجلس الجالية المغربية بالخارج، وتقوية شبكة القنصليات المغربية، وتعزيز التربية والثقافة، جدارا منيعا لحماية أفراد الجالية من التطرف والكراهية.
والسؤال الذي يظل مفتوحاً: هل سيحمي الإسبان دستورهم ويحتضنون تنوعهم كقوة أوروبية، أم سيتركون شبح الفرانكوية والعنصرية يهدد حاضرهم ومستقبلهم؟

الكاتب : n مشيج القرقري - بتاريخ : 17/07/2025