‮ «‬تهريج‮»،‮ ‬و«بلطجة‮» ‬و‮… ‬حكامة بلا سياسة‮!‬

الاتحاد الاشتراكي

تحولت‭ ‬الجلسة‭ ‬الشهرية‭ ‬المخصصة‭ ‬للأسئلة‭ ‬الشفوية‭ ‬بمجلس‭ ‬النواب،‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬إلى‭ ‬مناسبة‭ ‬تكشف‭ ‬عمق‭ ‬الأزمة‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬الممارسة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬بالمغرب،‭ ‬أزمة‭ ‬لا‭ ‬تتعلق‭ ‬فقط‭ ‬بنوعية‭ ‬الأجوبة‭ ‬الحكومية‭ ‬أو‭ ‬بتدني‭ ‬جودة‭ ‬النقاش‭ ‬السياسي،‭ ‬بل‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬أخطر،‭ ‬الانسحاب‭ ‬المنهجي‭ ‬للسلطة‭ ‬التنفيذية‭ ‬من‭ ‬التزاماتها‭ ‬الدستورية‭ ‬أمام‭ ‬البرلمان،‭ ‬واحتقارها‭ ‬المتواصل‭ ‬لدور‭ ‬المؤسسة‭ ‬التشريعية‮.‬
في‭ ‬هذه‭ ‬الجلسة،‭ ‬غاب‭ ‬من‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حاضرا،‭ ‬غابت‭ ‬الحكومة،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬وزراؤها‭ ‬المعنيون‭ ‬بأسئلة‭ ‬ملحة‭ ‬واستعجالية،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬يعيش‭ ‬فيه‭ ‬المغاربة‭ ‬على‭ ‬وقع‭ ‬أزمات‭ ‬متراكمة،‭ ‬اجتماعية‭ ‬ومائية‭ ‬واقتصادية،‭ ‬وبدل‭ ‬أن‭ ‬يفتح‭ ‬النقاش‭ ‬حول‭ ‬أسباب‭ ‬هذا‭ ‬التغيب‭ ‬وتداعياته‭ ‬على‭ ‬علاقة‭ ‬المواطن‭ ‬بالمؤسسات،‭ ‬جرى‭ ‬الصراخ‭ ‬والتهجم‭ ‬اللفظي‭ ‬على‭ ‬البرلمانية‭ ‬التي‭ ‬تجرأت،‭ ‬باسم‭ ‬الفريق‭ ‬الاشتراكي‭ ‬المعارضة‭ ‬الاتحادية،‭ ‬على‭ ‬مساءلة‭ ‬الحكومة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الغياب‭ ‬الممنهج،‭ ‬والتنبيه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬استمرار‭ ‬هذا‭ ‬السلوك‭ ‬يمثل‭ ‬استخفافا‭ ‬بالبرلمان‭ ‬وبالانتظارات‭ ‬الشعبية‮.‬
لقد‭ ‬نبهت‭ ‬النائبة،‭ ‬بوضوح‭ ‬وقوة،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬غياب‭ ‬وزير‭ ‬التجهيز‭ ‬والماء،‭ ‬في‭ ‬ظرفية‭ ‬حرجة‭ ‬تعرف‭ ‬فيها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬جهات‭ ‬المملكة‭ ‬عطشا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬غير‭ ‬مقبول‭ ‬سياسيا‭ ‬وأخلاقيا،‭ ‬فهل‭ ‬يليق‭ ‬بدولة‭ ‬تحترم‭ ‬نفسها‭ ‬أن‭ ‬يتغيب‭ ‬وزير‭ ‬مسؤول‭ ‬عن‭ ‬حق‭ ‬الحياة‭ ‬‮(‬الماء‮)‬‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬يخرج‭ ‬فيه‭ ‬المواطنون‭ ‬للاحتجاج‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬شربة‭ ‬ماء؟‭ ‬هل‭ ‬تتحمل‭ ‬حكومة‭ ‬مسؤولة‭ ‬أن‭ ‬تتقاعس‭ ‬عن‭ ‬توضيح‭ ‬استراتيجياتها‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الاعتراف‭ ‬بعجزها‭ ‬أمام‭ ‬ممثلي‭ ‬الشعب؟
لكن‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬الجواب،‭ ‬انطلقت‭ ‬آلة‭ ‬‮»‬التهريج‭ ‬السياسي‮»‬،‭ ‬و‭»‬البلطجة‭» ‬الصوتية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬نواب‭ ‬الأغلبية،‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬يائسة‭ ‬لإسكات‭ ‬الصوت‭ ‬المعارض‭ ‬وطمس‭ ‬النقاش‭ ‬العمومي‭ ‬الجاد،‭ ‬إذ‭ ‬اختارت‭ ‬بعض‭ ‬مكونات‭ ‬الأغلبية‭ ‬التشويش‭ ‬والصراخ‭ ‬وتجييش‭ ‬الأجواء،‭ ‬في‭ ‬سلوك‭ ‬وصفه‭ ‬رئيس‭ ‬الفريق‭ ‬الاشتراكي‭ ‬بـ»الإرهاب‭ ‬الفكري‮»‬،‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يعكس‭ ‬فقط‭ ‬تهجما‭ ‬على‭ ‬نائبة‭ ‬برلمانية،‭ ‬بل‭ ‬تهجما‭ ‬على‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الكلام،‭ ‬وعلى‭ ‬فكرة‭ ‬المعارضة‭ ‬ذاتها،‭ ‬وعلى‭ ‬مبدأ‭ ‬الرقابة‭ ‬البرلمانية‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬صميم‭ ‬البناء‭ ‬الديمقراطي‮.‬
الجوهر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬الجلسة‭ ‬وحدها،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬المنزلق‭ ‬الخطير‭ ‬الذي‭ ‬نسير‭ ‬نحوه‭ ‬بصمت،‭ ‬تآكل‭ ‬الحياة‭ ‬البرلمانية‭ ‬وتراجع‭ ‬دور‭ ‬المؤسسة‭ ‬التشريعية‭ ‬لفائدة‭ ‬حكامة‭ ‬تقنية‭ ‬مسكونة‭ ‬بالهروب‭ ‬من‭ ‬المحاسبة‮.‬‭ ‬فالحكومة‭ ‬الحالية‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬سوى‭ ‬محطة‭ ‬شكلية،‭ ‬لا‭ ‬تقدم‭ ‬فيها‭ ‬الأجوبة،‭ ‬ولا‭ ‬تحترم‭ ‬فيها‭ ‬الزمن‭ ‬الدستوري‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تختبئ‭ ‬وراء‭ ‬الأغلبية‭ ‬العددية‭ ‬الصماء‮.‬
لقد‭ ‬جاء‭ ‬دستور‭ ‬2011‭ ‬ليؤسس‭ ‬لمنظومة‭ ‬توازن‭ ‬بين‭ ‬السلط،‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬مسؤولية‭ ‬الحكومة‭ ‬أمام‭ ‬البرلمان،‭ ‬وعلى‭ ‬حضور‭ ‬دوري‭ ‬ومنتظم‭ ‬لأعضائها‭ ‬في‭ ‬الجلسات،‭ ‬وعلى‭ ‬الحق‭ ‬الكامل‭ ‬للنواب‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬الرقابة‭ ‬والتتبع‭ ‬والتقييم،‭ ‬لكن‭ ‬الممارسة‭ ‬الحكومية‭ ‬الحالية‭ ‬تقوض‭ ‬هذا‭ ‬التعاقد‭ ‬الدستوري،‭ ‬وتؤشر‭ ‬على‭ ‬انزلاق‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تسميته‭ ‬‮»‬حكامة‭ ‬بلا‭ ‬سياسة‮»‬،‭ ‬و»سلطة‭ ‬تنفيذية‭ ‬بلا‭ ‬مساءلة‮»‬،‭ ‬متناسية‭ ‬أن‭ ‬حضور‭ ‬الوزراء‭ ‬أمام‭ ‬البرلمان‭ ‬هو‭ ‬التزام‭ ‬سياسي‭ ‬وأخلاقي‭ ‬وأحد‭ ‬مظاهر‭ ‬احترام‭ ‬فصل‭ ‬السلط،‭ ‬وليس‭ ‬ترفا‭ ‬أو‭ ‬مزاجا،‭ ‬وكأن‭ ‬الوزراء‭ ‬يختارون‭ ‬بين‭ ‬‮»‬الإجابة‭ ‬أو‭ ‬الغياب‮»‬‭ ‬حسب‭ ‬درجة‭ ‬رضاهم‭ ‬عن‭ ‬الأسئلة،‭ ‬أو‭ ‬حسب‭ ‬مدى‭ ‬‮»‬تطويع‮»‬‭ ‬الفرق‭ ‬البرلمانية‮!‬
نحن‭ ‬أمام‭ ‬حكومة‭ ‬تمعن‭ ‬في‭ ‬تكريس‭ ‬منطق‭ ‬التغول،‭ ‬حيث‭ ‬تتقلص‭ ‬المساحات‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬ويجفف‭ ‬الفضاء‭ ‬البرلماني‭ ‬من‭ ‬جوهره‭ ‬الرقابي‮.‬‭ ‬لقد‭ ‬سبق‭ ‬للفريق‭ ‬الاشتراكي‭ ‬أن‭ ‬نبه‭ ‬مرارا‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الانزياح،‭ ‬وإلى‭ ‬خطورة‭ ‬تحول‭ ‬البرلمان‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬غرفة‭ ‬تسجيل،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬حياة‭ ‬لمن‭ ‬تنادي‮.‬‭ ‬فالأغلبية‭ ‬الحكومية،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬من‭ ‬الأغلبية‭ ‬سوى‭ ‬العدد،‭ ‬لا‭ ‬تؤمن‭ ‬بالحوار‭ ‬المؤسساتي،‭ ‬ولا‭ ‬تقيم‭ ‬وزنا‭ ‬لأدوار‭ ‬المعارضة،‭ ‬وتفرغ‭ ‬التعددية‭ ‬من‭ ‬مضمونها‮.‬
لم‭ ‬يكن‭ ‬إذن‭ ‬ممكنا‭ ‬أن‭ ‬يمر‭ ‬الفريق‭ ‬الاشتراكي‭ ‬مرور‭ ‬الكرام‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الوضع،‭ ‬فالمسألة‭ ‬لا‭ ‬تتعلق‭ ‬بمزاج‭ ‬وزير‭ ‬أو‭ ‬ظرفية‭ ‬تقنية،‭ ‬بل‭ ‬بتوجه‭ ‬خطير‭ ‬نحو‭ ‬تحجيم‭ ‬دور‭ ‬المعارضة‭ ‬وتفريغ‭ ‬المؤسسات‭ ‬من‭ ‬مضمونها‮.‬‭ ‬
نحن‭ ‬أمام‭ ‬حكومة‭ ‬تمعن‭ ‬في‭ ‬تسليع‭ ‬الشأن‭ ‬العام،‭ ‬وتحول‭ ‬النقاشات‭ ‬الكبرى‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬أرقام‭ ‬وجداول‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬عمق‭ ‬اجتماعي‭ ‬أو‭ ‬إنساني،‭ ‬حكومة‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬المواطن‭ ‬باستهتار‭ ‬وتعال‮.‬
إن‭ ‬المعارضة،‭ ‬من‭ ‬موقعها‭ ‬الأخلاقي‭ ‬والسياسي،‭ ‬مدعوة‭ ‬اليوم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى،‭ ‬إلى‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬هيبة‭ ‬البرلمان،‭ ‬واستقلاليته،‭ ‬وحقه‭ ‬في‭ ‬مساءلة‭ ‬الحكومة‭ ‬باستمرار،‭ ‬فغياب‭ ‬الوزراء،‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬القطاعات‭ ‬الحيوية،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مجرد‭ ‬حادث‭ ‬عابر،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬توجه‭ ‬منهجي‭ ‬يراد‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬عاديا،‭ ‬وأن‭ ‬يمرر‭ ‬وسط‭ ‬لامبالاة‭ ‬مدروسة‮.‬
من‭ ‬هنا،‭ ‬نعتبر‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬أمام‭ ‬اختبار‭ ‬سياسي‭ ‬حقيقي‮:‬‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬تستعيد‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬الاحترام‭ ‬للمؤسسات‭ ‬وللرأي‭ ‬العام،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تواصل‭ ‬الغرق‭ ‬في‭ ‬منطق‭ ‬التعالي‭ ‬واللامساءلة،‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬لذلك‭ ‬من‭ ‬انعكاسات‭ ‬خطيرة‭ ‬على‭ ‬صورة‭ ‬الدولة‭ ‬وثقة‭ ‬المواطن‮.‬
وإذا‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الحكومة‭ ‬قد‭ ‬اختارت‭ ‬الغياب،‭ ‬فالفريق‭ ‬الاشتراكي‮/‬المعارضة‭ ‬الاتحادية‭ ‬سيختار‭ ‬الحضور،‭ ‬وسيواصل‭ ‬النضال‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬البرلمان‭ ‬وخارجه،‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬مغرب‭ ‬العدالة‭ ‬والكرامة‭ ‬والمؤسسات‮.‬

 

الكاتب : الاتحاد الاشتراكي - بتاريخ : 23/07/2025