بالصدى .. قوافل لـ «تكريس» العوز و«الهشاشة»

وحيد مبارك

تشهد عدد من المناطق القروية والجبلية بين الفينة والأخرى، خاصة خلال فترات الشتاء، تنظيم قوافل طبية، تبرمجها إما مؤسسات للدولة بتنسيق مع مندوبيات الصحة، أو بعض الفعاليات المدنية الصحية التي تكون مرتبطة هوياتيا ووجدانيا بهاته المناطق النائية التي تعاني من خصاص في أكثر من مجال، في مقدمته ما يتعلق بالخدمات الصحية، بسبب نقص التجهيزات أو وعورة المسالك ونقص الموارد البشرية الطبية المختصة أساسا، وغيرها من الإشكالات التي تحول دون الولوج السلس والعادل للعلاج.
فاعلون منهم المرتبطون بمسقط رأسهم، المتشبثون بجذورهم سكنا وتواجدا، وبالتالي يبحثون عن أطباء وفاعلين صحيين وداعمين للقيام بهذا النوع من المبادرات المدنية الإنسانية، كلما سنحت الفرصة بذلك، ومنهم الذين انتقلوا للمدن الكبرى خلال مرحلة عمرية معينة من أجل مواصلة الدراسة أو العمل أو للاستقرار فيها كما هو الحال بالنسبة للدارالبيضاء، لكنهم يظلون مرتبطين ببيئتهم التي رأوا فيها النور ويعملون على القيام بمبادرات اجتماعية لفائدة أهاليهم هناك في عدد من المناسبات، ومن بينها ما يتعلق بتنظيم قوافل طبية.
هذا النوع من القوافل الطبية المفهومة دوافعه وغاياته، يقابله نوع آخر لا يجد الكثير من المتتبعين لتفاصيله أي جواب للأسئلة المرتبطة به، كما هو الحال بالنسبة لتنظيم قوافل في تراب مدينة الدارالبيضاء، في بن امسيك ودرب السلطان وغيرهما نموذجا، ويبقى السؤال المثير للحيرة أكثر هو المتعلق بخروج بعض المنظمين للحديث عن استفادة مئات أو ربما ما فوق الألف من المواطنين من خدمات هاته القافلة أو تلك. تصريح يعني الشيء الكثير، ويسائل الجميع، لأنه يفيد للوهلة الأولى بأن الإدارات المختصة والمؤسسات الاجتماعية وكل المتدخلين لا يقومون بدورهم الكامل اتجاه المواطن، بالرغم من وجود مراكز صحية للقرب في تراب كل حي على مستوى كل عمالة مقاطعات، وتوفر مستشفيات إقليمية، ومؤسسة صحية جهوية، ومستشفى جامعي بمختلف المصالح التابعة له.
مئات المواطنين أو أكثر من ألف معوز يعيشون حالة هشاشة اجتماعية وصحية، مما يحول دون ولوجهم إلى الخدمات الطبية، وينتظرون إلى أن يأتي هذا النوع من القوافل الطبية، المحدودة الأثر، التي يقودها منتخبون ومسؤولون يسخّرون تأثيرهم السياسي و»مكاسب» كرسي المسؤولية التي يتحملونها، لكي يرسلوا «الطواقم الصحية» إلى هاته العمالة «العزيزة على القلب» دونا عن أخرى، لكي «يعالجوا» المرضى، الذين عجزت المستشفيات عن أن تقدّم لهم الخدمة الطبية التي يحتاجونها والتي حق أساسي من حقوقهم؟
هاته الرسالة، التي يكرّس مضمونها السلبي عدد من المنتخبين خلال الأسابيع الأخيرة، في مدنية بحجم الدارالبيضاء، وليس في قرية نائية يحتاج بالفعل سكانها إلى زيارة طبيب مختص من أجل فحص من يمكن فحصهم وتقديم العلاج المناسب لهم؛ علما بأن عدد القرى في هذا الباب كبير وليس بالهيّن؛ ( الرسالة ) تتطلب وقفة مسؤولة من طرف كل الجهات المختصة، لأنها تأتي في فترة زمنية يعرف الجميع ما سيتلوها بعد مدة قصيرة، ولأنها تُبرمج في سياق يعاكس بشكل كلي ما يتم تحقيقه من إيجابيات مرتبطة بتعميم التغطية الصحية، بالرغم من كل الصعوبات والتحديات، ولأن الغاية منها تقرّب مناسباتي ولو بتقديم صورة مشوّهة وبشعة لواقع تقوم كل المؤسسات ومن مختلف المواقع بجهد كبير للارتقاء به وتطويره، بالشكل الذي يضمن كرامة المواطن المغربي. إن أي مبادرة يمكن تنظيمها في ارتباط بهذا الموضوع يجب أن تندرج في صلب العمل المؤسساتي، وفي إطار توزيع مجالي، وفي سياق برنامج منتظم طيلة السنة، وبكيفية تضمن حيادية المبادرة بعيدا عن كل توظيف عنوانه «الاتجار في آلام وآهات المواطنين»، وغير ذلك لن يكون إلا خطوة «مشبوهة» يتطلب التعامل معها بنفس الكيفية التي يتم التعامل بها مع مبادرات أخرى.

الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 29/07/2025