المال والسياسة: زواج المصلحة أو طلاق القيم

عبد الله رضوان

في كل زمن كان للسلطة سلاحها، وفي العصر الحديث أصبح المال هو السلاح الأقوى في المعركة السياسية. فالمال لا يكتفي اليوم بأن يكون دائما للقرار السياسي، بل صار يصوره ويشكله ويدفع به في الاتجاه الذي يخدم مصلحة من يمتلكونه. نحن إذن أمام علاقة جدلية، قد تكون منطقية في ظاهرها، لكنها مشوهة في عمقها: علاقة المال بالسياسة.
السياسة -كما يفترض- فن إدارة الشأن العام، وممارسة السلطة من أجل الصالح العام. لكن هذا التعريف الكلاسيكي بات محل تساؤل، عندما بدأ المال يلعب دورا أكبر من كونه مجرد أداة تمويل. فحين تتحول الحملات الانتخابية إلى مشاريع تجارية، يتم فيها استثمار الملايين مقابل نفوذ سياسي مستقبلي، تصبح النوايا غامضة، وتطرح علامات استفهام كثيرة: هل لا يزال السياسي يخدم الوطن أم بات يخدم مموليه؟
في الأنظمة الديمقراطية الكبرى، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، أو الاتحاد الأوروبي، لا تخفى قوة جماعات الضغط (اللوبيات )، التي تمثل مصالح الشركات العملاقة، وصناديق الاستثمار، والاحتكارات المالية. هذه الجماعات لا تعمل فقط على التأثير في القوانين، بل تشارك أحيانا في كتابتها حرفيا؛ وهكذا يختزل دور المشرع في تمرير ما يملى عليه، بينما يقصى المواطن العادي عن دوائر التأثير.
في واقعنا، يتخذ المال السياسي طابعا أكثر التباسا، إذ تختلط الثروة بالنفوذ العائلي والتبليغ أيضا، وتستعمل الأموال، كيف ما كان مصدرها، أداة للولاءات وتثبيت السلطات. تمول حملات انتخابية بغير شفافية، وتشترى الأصوات بطرق مباشرة أو غير مباشرة، وتستعمل المشاريع الاقتصادية الكبرى واجهة لتمكين أشخاص مقربين من السلطة، والنتيجة هيمنة طبقة سياسية – مالية ضيقة على مقاليد القرار، مما يؤدي إلى اهتزاز ثقة المواطن في العملية السياسية برمتها. آنذاك يرى المواطن أن من يملك المال هو من يقرر، ويفقد الإيمان بجدوى صوته الانتخابي، وبنزاهة الانتخابات، وبمصداقية السياسة العمومية. وهذا سيفتح الباب على مصراعيه أمام الشعبوية والفوضى والتطرف.
ليس من السهل فصل المال عن السياسة بشكل كامل، ولكن يمكن تقنين العلاقة بينهما بشكل عادل وشفاف من خلال:
– فرض قوانين صارمة على تمويل الحملات الانتخابية.
– تأسيس هيئات مستقلة لمراقبة المال السياسي.
– منع تضارب المصالح بين رجال الأعمال والسياسيين.
– تحفيز الإعلام لكشف شبكات الفساد المالي.
إن أخطر ما في المال السياسي أنه لا يشتري فقط السياسيين، بل قد يشتري المستقبل كله. وعندما تختزل السياسة في بورصة المصالح المالية، يصبح الوطن نفسه عرضة للبيع. لذلك فإن المعركة الحقيقية اليوم ليست فقط من أجل الديمقراطية، بل من أجل استعادة المعنى الأخلاقي للسياسة، وفرض الرقابة الشعبية على من يملكون المال، ومن يمارسون السلطة على حد سواء.

الكاتب : عبد الله رضوان - بتاريخ : 29/07/2025