كل الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الصحة والاجتماعية خلال السنوات الأخيرة أكدوا في كل المناسبات، بما في ذلك تصريحاتهم في البرلمان وغيره، على الخصاص الكبير في أعداد مهني الصحة، سواء تعلق الأمر بالطب أو التمريض، وقدموا أرقاما تعكس هذا الواقع مقارنة بالمعدلات التي توصي بها منظمة الصحة العالمية، بل أن قرار تقليص سنوات التكوين في الطب نموذجا، جاء من أجل الرفع من أعداد الخريجين للاستفادة من خدماتهم لتجويد المنظومة الصحية وللمساهمة في التنزيل السليم والكامل لورش الحماية الاجتماعية في الشق الصحي.
هذه المعادلة تختّل أحد أضلاعها الرئيسية في الجانب التمريضي، إذ في الوقت الذي تفتح المعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحية تخصصات تكوينية جديدة، كما هو الحال بالنسبة لتخصص أمراض الشيخوخة، التي تخرّجت أول دفعاتها هاته السنة، فإن المناصب المالية المتعلقة بالتوظيف التي جاءت لاحقا كشفت عدم تخصيص ولو منصب واحد لهاته الفئة التي ستعزز جيوش العاطلين عن العمل، مما يطرح أكثر من علامة استفهام عن سرّ هذا التدبير الارتجالي المفتقد لكل أشكال الحكامة والنجاعة.
واقع لا تقف تفاصيله عند هذا التخصص بل يشمل تخصصات أخرى كما هو الحال بالنسبة لتخصص ممرض في تصفية الكلي، وتقني في الصحة والبئية، والمساعدة الاجتماعية، وفي الترويض والتأهيل الوظيفي وغير ذلك. هاته التخصصات التي من المفترض أن يأتي إحداثها نتيجة لرصد الخصاص فيها وبالتالي، ضرورة فتح مباريات بعد مدة التكوين مباشرة، لكن الواقع أكد عكس ذلك، كما هو الشأن بالنسبة لتخصيص صفر مقعد في جهة الدارالبيضاء سطات للممر ضين المتخصصين في أمراض الشيخوخة، هذا المجال الصحي الذي يعتبر مهما جدا بالنسبة لهاته الفئة العمرية من المواطنين، التي تعاني من مجموعة أمراض والتي تحتاج لعناية خاصة.
هذا الوضع بتشعّباته وتداعياته المختلفة، دفع الخريجين إلى تنظيم وقفات احتجاجية، كما هو الحال بالنسبة للوقفة التي تم تنظيمها أمام مقر المديرية الجهوية لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية في جهة الدارالبيضاء سطات، تنفيذا لدعوة التنسيقية الوطنية لطلبة – خريجي وممرضي المعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة، التي أكدت في بلاغ لها على رفضها لما وصفته بالإقصاء والتهميش في حقّ آلاف الممرضين والممرضات وتقنيي الصحة، الذين وجدوا أنفسهم في طابور البطالة في الوقت الذي تعاني المستشفيات والمراكز الصحية من الخصاص في الكفاءات والأطر المؤهلة. ونبّهت التنسيقية إلى أن الوزارة أعلنت عن تخصيص 3868 منصب مالي لهاته الفئة من أصل 6500 منصب، لكن تبين بعد ذلك أن أكثر من نصف الخريجين سيواجهون شبح البطالة، علما بأن نسبة التأطير الصحي في بلادنا لا تتجاوز 18 مهنيا صحيا لكل 10 آلاف نسمة.
هذا وقد علمت «الاتحاد الاشتراكي» أن اجتماعا انعقد في مقر الوزارة الوصية تحت رئاسة مدير الموارد البشرية مع عدد من الشركاء الاجتماعيين وممثلي الخريجين من أجل تدارس هاته الوضعية والبحث عن حلول لها، حيث تم التعهد بإحداث مناصب مالية جديدة، وهو الأمر الذي تترقب هاته الفئة المعنية والمتضررة، صيغ تنزيله قانونيا، ومدى تنفيذ الالتزام حتى لاتضيع أعداد الخريجين وسط دوامة البطالة.