تنتشر أوراش البناء طولا وعرضا في مختلف الأحياء بعدد من المدن، كما هو الحال بالنسبة لمدينة الدارالبيضاء، برشيد، المحمدية، بوزنيقة، وبنسليمان وغير ذلك، خاصة على مستوى الأحياء الحديثة، التي كانت إلى وقت قريب عبارة عن أراضِ فلاحية أو خلاء، تكسوها الأشجار والأعشاب وغير ذلك، فإذا بها تتحول بعد سنين طويلة إلى تجزئات سكنية في إطار مخطط عمراني جديد.
هاته الأحياء تعرف تنافسا كبيرا بين مجموعة من المنعشين العقاريين، سواء الذين لهم رصيدهم المعروف في هذا المجال أو أولئك الجديد الذين التحقوا بالركب، الذين يقتنون بقعة أرضية واحدة يشيدون عليها منزلا من طوابق مختلفة فيبيعون شققه، ثم يعملون على اقتناء بقع أخرى لتتّسع دائرة نشاطهم في مجال العقار، ويصبح شغلهم الشاغل، بعد أن أغراهم المجال بهامش الربح المحقق، وفقا لتصريحات عدد من المهتمين بالشأن العقاري للجريدة، بتسريع وتيرة التشييد والبيع، خاصة خلال فترة الصيف التي تعرف توافد المغاربة المقيمين بالخارج.
هذا التنافس يدفع بعدد من المنعشين والمقاولين إلى الاشتغال في أجواء فوضوية لا تعير اهتماما للساكنة المجاورة، إذ تشرع عمليات الحفر وحمل ونقل مواد البناء والضرب، وكل ما يرافق الأشغال من تفاصيل في ساعات مبكرة من الصباح، وأحيانا تنطلق فصولها من الساعة السادسة والنصف أو السابعة، ولا تتوقف إلا حين تصبح الشمس في كبد السماء لفترة معينة، ثم يعود العمال لاستئناف عملهم لاحقا، والأكثر من ذلك هو أن عددا مهما من المقاولين يفرض على العمال مواصلة الأشغال ليلا إلى ما بعد منتصف الليل، دون أدنى مبالاة بحجم الضرر الذي يطال السكان المجاورين، صغارا وكبارا، مرضى أو أصحاء، ولايهمّ إن كان منهم من يدرس أو يعمل؟
وإلى جانب هذا المظهر من مظاهر الفوضى التي ترافق أوراش البناء، هناك مشكل آخر يتمثل في التطاول على الشارع العام بترك أطنان الرمال والحجارة والآجور والقضبان الحديدية وغير ذلك هنا وهناك، في تجاوز صارخ للمسافة التي من المفترض احترامها، ودون إحداث حواجز وقائية، فضلا عن غياب شروط الوقاية في عدد من الأوراش من قبيل وضع الخوذة والقفازات وغيرها، وكذا التطاول على الماء والكهرباء مما يتسبب في اندلاع حرائق تفرض حضور عناصر الوقاية المدنية لإخمادها، بل أن أوراشا صارت وكرا لبعض «الحرفيين المنحرفيين» الذين يعاقرون فيها الخمر و»يصدّرون» الأذى اللفظي والمعنوي لمن هم حولهم!
حالات وشهادات وقفت على تفاصيلها «الاتحاد الاشتراكي» في أكثر من رقعة جغرافية، وما يشجع على استمرارها هو صمت الجهات المكلفة بالمراقبة والتدقيق، التي من المفروض أن تقف على كل صغيرة وكبيرة في كل ورش، سواء تعلق بالدفتر الخاص به أو الرخصة مع إشهارها رفقة كافة التفاصيل المرافقة لها، أو بشروط الوقاية وضمان عدم التطاول على الشارع العام، وغيرها من الأمور الأخرى، التي تحث المقاول على الاشتغال في ظروف قانونية وتحفظ للمواطنين المجاورين للورش حقوقهم في الراحة والسكينة والأمن وعدم التعرض للإزعاج.
أوراش البناء .. من يحمي الفوضى؟

الكاتب : وحيد مبارك
بتاريخ : 09/09/2025