حسب تقرير جامعة فودان في شنغهاي .. المغرب في المرتبة 110 من بين 184 دولة في مجال التعليم

مرة أخرى، تستمر التقارير الدولية في تكريس المكانة المتأخرة للتعليم المغربي على الصعيد العالمي، حيث أبرز تقرير سنوي جديد حول مؤشر العدالة العالمية 2024 صادر عن معهد الدراسات المتقدمة في العلوم الاجتماعية بجامعة فودان في شنغهاي، احتلال المغرب المرتبة 110 عالميا من أصل 184 دولة شملها التقرير، ما يعكس استمرار التحديات التي تواجه المنظومة التربوية ببلادنا رغم الإصلاحات المتوالية، والتي تتجدد كل سنة لكن دون نتيجة تذكر، حيث التعثرات المرتبطة بجودة التعلمات ونسب الهدر المدرسي وضعف الاستثمار في البنيات التحتية المدرسية خصوصا في العالم القروي وشبه القروي مقارنة بدول مشابهة في المنطقة، تؤكد أن التعليم المغربي أمام باب مسدود لم تستطع الإصلاحات المتوالية فتحه أو إيجاد شيفرته المناسبة القادرة على سحبه من المراتب المتدنية التي تؤكدها جميع التقارير، سواء الوطنية أو الدولية.
التقرير الذي يقدم مساهمات الدول في عشرة مجالات رئيسية مرتبطة بالعدالة العالمية، مثل التعليم، الصحة، المناخ، حفظ السلام، المساعدات الإنسانية، مكافحة الفقر، حماية النساء والأطفال، مكافحة الإرهاب، ودعم اللاجئين، أكد أن المغرب سجل تراجعا واضحا مقارنة ببعض الدول العربية والإفريقية الأخرى التي نجحت في تحسين مؤشرات تعليمها، ما يطرح أكثر من سؤال حول فعالية السياسات التعليمية المتبعة وآليات تنفيذ الإصلاحات المتكررة.
واقع التعليم المغربي سبق وأن دقت بشأنه نواقيس الخطر من قبل عدة تقارير أبرزها تقريرInsider Monkey لعام 2024، إذ كشف أن المغرب احتل المرتبة 154 من أصل 218 دولة، مع الإشارة إلى مؤشرات تشمل عدد الجامعات المصنفة عالميا ومتوسط ترتيبها والإنفاق الحكومي على التعليم كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.
كما أظهر تقرير مؤشر المعرفة العالمي 2024 أن المغرب حل في المرتبة 98 عالميا، بمعدل أقل من المتوسط العالمي، بينما صنف موقع World Population Review المغرب في المرتبة 55 عالميا من حيث جودة التعليم.
أما على صعيد الاختبارات الدولية، كشفت دراسة PISA 2022 عن تراجع ملحوظ في أداء التلاميذ المغاربة، حيث سجلوا 327 نقطة في العلوم، وهو أسوأ أداء لهم منذ 25 عاما، مما يضع المغرب في مرتبة متدنية بين الدول المشاركة ويبرز التحديات الكبيرة في مال العلوم والرياضيات.
كل هذه المؤشرات تشير إلى عدة عوامل هيكلية تؤثر سلبا على جودة التعليم في المغرب، أبرزها التفاوت الكبير بين المناطق الحضرية والقروية، ضعف التأهيل المستمر للكوادر التعليمية، ونقص الاستثمار في البنية التحتية المدرسية. كما تؤكد التقارير أن الهدر المدرسي يظل مرتفعا، خاصة في المناطق الأقل تجهيزا.
وبينما تتجدد الإصلاحات التعليمية في المغرب كل سنة، فإن النتائج العملية لا تزال دون المستوى المطلوب، مما يجعل النظام التعليمي المغربي أمام تحديات عميقة تحتاج إلى مراجعة شاملة للسياسات، واستراتيجيات واضحة لتطوير البنيات التحتية، تحسين جودة التعلمات، وتقليص الفوارق بين المناطق لضمان تحقيق العدالة التعليمية المنشودة. الإصلاحات المتوالية الكبرى التي عرفها التعليم المغربي خلال العقدين الأخيرين، والتي بدأت بتشكيل اللجنة الملكية الاستشارية للتربية والتكوين سنة 1999، التي أفضت إلى إصدار الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ثم مشروع الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030، ثم القانون الإطار 17-51، وصولا إلى خارطة الطريق 2022-2026، استهدفت مختلف أطراف المنظومة التربوية والفاعلين فيها، إلا أن كثيرا من المشتغلين في قطاع التعليم يقرون بعدم نجاعة هذه الإجراءات الإصلاحية.
وتشير المعطيات، حسب الخبراء في المجال التربوي، إلى أن العديد من الاختلالات حالت دون تحقيق إصلاح تربوي شامل يقوي المدرسة العمومية ويؤهلها للقيام بدورها على أكمل وجه. من أبرز هذه الاختلالات
الشيوع المفرط للمنظور التقني في معالجة أزمة التعليم، إذ يختزل المسؤولون المشاكل التربوية في الجانب المادي واللوجيستي، متجاهلين الأبعاد الاجتماعية والثقافية والتربوية.
ضعف المردودية الداخلية والخارجية للمنظومة، إضافة إلى تخلف المناهج والكتب المدرسية عن روح العصر، وغياب الفضاء الحقيقي للمؤسسات التعليمية، وتزايد نسب الهدر المدرسي والتكرار، وضعف تعبئة شركاء المنظومة.
ذات الخبراء أكدوا أن توالي مشاريع الإصلاح دون تقييم حقيقي للنتائج أو مراجعة الأخطاء، أدى إلى تراكم الترقيعات الجزئية، بحيث يأتي كل مشروع إصلاحي جديد إما للقطع مع سابقه أو لإخفاء عيوبه، كما حدث بين البرنامج الاستعجالي والميثاق الوطني، أو بين القانون الإطار والرؤية الاستراتيجية.
مع الدخول المدرسي الجديد لموسم 2025-2026، تبقى المدرسة العمومية المغربية ورشة مفتوحة أمام كل الإصلاحات، في انتظار ما إذا كانت الحكومة ووزارة التربية ستتمكنان من حسم الملفات العالقة، أو ما إذا كانت ستفتح مرحلة جديدة من التصعيد والمواجهة مع الشغيلة التعليمية، بما يهدد استمرار الجهود الإصلاحية ويزيد من تكريس واقع تعليمي مغربي لا يرقى إلى مستوى تطلعات المغاربة.


الكاتب : خديجة مشتري

  

بتاريخ : 09/09/2025