اعتبر مهينا للمدرسة المغربية.. تصريح لمديرة الأكاديمية الجهوية لجهة طنجة تطوان الحسيمة يضرب مبدأ تكافؤ الفرص بين التلاميذ

 

أثار تصريح مديرة الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة طنجة تطوان الحسيمة، على قناة ميدي1 تيفي، موجة غضب عارمة واستنكارا واسعا بين الآباء والأمهات والأطر التربوية والمتابعين للشأن التعليمي، فقد اعتبرت المسؤولة أن “تلميذا واحدا في المدارس الرائدة يعادل 80 تلميذا في باقي المدارس غير الرائدة”، في مقارنة لا يمكن وصفها إلا بالمهينة والخطيرة، لأنها تضرب في العمق مبدأ تكافؤ الفرص الذي نصّ عليه الدستور المغربي، وتتغنى به الشعارات الرسمية صباح مساء.
إن ما صرحت به مديرة أكاديمية جهة طنجة تطوان الحسيمة، لا يمكن أن يعتبر مجرد زلة لسان أو سوء تعبير ، بل انزلاق خطير يكشف عن ذهنية نخبوية تقسم أبناء الوطن إلى مراتب وفئات، فخطاب من هذا النوع يهدم كل ما بنته الدولة من محاولات لإعادة الثقة في المدرسة العمومية، ويحول شعار (تكافؤ الفرص) إلى مجرد واجهة تجميلية لا تصمد أمام أول تصريح غير مسؤول، إذ كيف نطلب من التلميذ أن يثق في مدرسته إذا كان مسؤول كبير في قطاع التربية يعلن صراحة أن قيمته لا تساوي إلا جزءا ضئيلا من قيمة زميله في مدرسة أخرى .
الخطير في الأمر ليس فقط في العبارة نفسها، بل في ما تحمله من رسائل نفسية واجتماعية مدمرة، وكيف لأطفال في عمر الزهور أن يسمعوا بأن وجودهم في (مدرسة غير رائدة ) يعني أنهم أقل شأنا، أقل قيمة، وربما أقل استحقاقا للمستقبل. هذا ليس مجرد تصريح عابر، بل حكم بالإعدام على الأمل، وتغذية لإحساس بالدونية يمكن أن يرافق التلاميذ طيلة مسارهم الدراسي، فمثل هذا التصريح لا يعكس سوى رؤية إقصائية تُقسم أبناء الوطن إلى درجات وفئات، وتزرع في نفوس آلاف التلاميذ إحساسا بالنقص، فقط لأنهم يدرسون في مؤسسات لم تُصنف “رائدة”. فأي رسالة نبعثها لهؤلاء الأطفال عندما نقول لهم إن قيمتهم لا تتجاوز جزءا ضئيلا من زملائهم؟ وهل المطلوب من الأسر أن تقتنع بأن مصير أبنائها مرهون بملصق إداري على باب المدرسة؟
الأدهى من ذلك أن هذا الكلام يُسقط في الماء مجهودات الأطر التربوية التي تشتغل في ظروف بالغة الصعوبة داخل المدارس غير المصنفة، حيث الاكتظاظ ونقص الموارد، لكنها رغم ذلك تبدع وتبذل التضحيات لإنجاح العملية التعليمية. أن يأتي خطاب رسمي ليختزل كل هذه التضحيات في أرقام مهينة هو إهانة للأساتذة والإداريين قبل أن يكون إهانة للتلاميذ وأسرهم.
إن المديرة، وهي مسؤولة جهوية، كان يفترض أن تدافع عن كل تلميذ وكل مؤسسة في جهتها، لا أن تزرع بذور التفرقة بين أبناء المدرسة الواحدة. فالرهان الحقيقي اليوم ليس في مقارنات عبثية وشعارات جوفاء، بل في مواجهة الأعطاب بجرأة: تقليص الاكتظاظ، تحسين البنية التحتية، توفير الموارد البشرية، وتحفيز الأطر. أما أن يُختزل الإصلاح في جمل تسويقية فارغة، فهذا ليس إصلاحا بل تدميرا ممنهجا للثقة في المدرسة العمومية. لقد أثبت التاريخ أن المدرسة المغربية، بكل بساطتها وصعوباتها، أنجبت كفاءات لامعة من أقسام مكتظة ومؤسسات متواضعة. كم من طبيب ومهندس وقاض وأستاذ ووزير تخرج من مدارس في قرى نائية، دون أن يحمل على كتفه بطاقة (رائد) أو (غير رائد) . معيار الجودة لم يكن يوما لافتة على باب مدرسة، بل روح نضال داخل القسم، وإرادة أسر، وضمير أساتذة آمنوا برسالتهم. إن المدرسة المغربية ملك لجميع المغاربة، والرائد الحقيقي ليس تصنيفا إداريا، بل كل قسم يفتح أبوابه لطفل يمنحه فرصة في الحياة. أما التصريحات التي تحط من قيمة التلاميذ وتُقسمهم إلى مراتب، فهي خارج الزمن التربوي، لا واجهة النقاش العمومي. وإذا كان القائمون على الإصلاح يؤمنون بمنطق (تلميذ واحد يعادل ثمانين)، فإن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه: من “يعادل” هذا الخطاب غير المسؤول؟


الكاتب : محمد تامر

  

بتاريخ : 09/09/2025