‭ ‬محاولات‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬z‭ ‬‮..‬ زورو‭ ‬يقود‭ ‬الربيع‭ ‬الدائم‮!‬

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

لن يسهل علينا مقاومة إغراء مقارنة توقيع جيل Z على احتجاجه ورمزيته بالقصة الخيالية الرومانسية للبطل زورو في الحكي الروائي، كما خرج من مخيلة جونستون ماككوللي (Johnston McCulley) عام 1919، ثورة عرابي في الثورية العربية، والسرد السينمائي الحالم منذ 1920، وما زال، يحظى بانتباه سينمائي وتلفزيوني خاص. شخصيًا أعجبني فيلم “أسطورة زورو” من أداء العظيم أنطونيو بانديراس والجميلة كاترين جيا جونز، وإخراج مارتين كامبل.
وفي التقاطع أيضا السلسلة الأمريكية التلفزيونية «زورو: جيل z» مثل زورو، الذي يوقع بضربة سيف بحرف z ، يوقع الجيل الجديد بالحرف ذاته مستبدلا الحصان بركوب موجة الرقميات والخوارزميات، وهو أيضا يحرص على أن يظل مقنعا وغير معروف من قبل الآخرين.
إن الانتماء، في حد ذاته، هو توقيع على هوية جماعية تحمل الحيلة ( كما في الثعلب الإسباني في اسم زورو) يحارب ضد الظلم والقوة والقهر ويهدف إلى حماية الضعفاء..
هذا الجيل يمكن اعتباره حفيد المتمردين الأوائل كما هو دون دييغو دي لافيغا.إنه جيل جديد!
يمكن القول بأن البحث عن مصدر الغضب في الخارج محاولة لإثبات أن فصل الصيف يفسر سقوط الثلج: الأسباب في الداخل، في العمق الاجتماعي.
ولعلي أغامر لأقول بأن في هذا الجيل بذور الغليان التي تتوافق مع موجة غضب صامت. سقف المرحلة لديه ومظلتها هو المطلب الاجتماعي..
ـ البحث عن مصادر خارجية في تفسير الدعوة هو إنكار. ثلاثة حقائق مؤطرة لأي مراهنة من هذا النوع:
ـ أولا هي ليست حركة عابرة للأوطان كما كان الربيع العربي، ليسهل اختراقها وتوظيفها من طرف اللاعبين الدوليين. على عكس الربيع العربي، الذي كان الخيط السياسي الناظم فيه، الحركات الإسلامية، والتي كانت موضوع رهان أمريكي وغربي واضح (أورو أطلسي)، فهذه الحركة محكومة بمنطقها الداخلي. وحتى المناوئين الإقليميين لا يملكون أي قدرة على التأثير فيها.. وعليه فإن الحسابات الجيوسياسية مثلا التي حركت الحضور السياسي للإسلاميين في موجة الربيع العربي (علما أنها ما كان لها أن تكون لولا هشاشة الأوضاع والاستبداد والفساد والاختناق الديموقراطي والعجز البين للقوى الوسيطة إلخ إلخ)، لا تحضر هنا كما لو أنها معطى ..

ـ ثانيا،‭ ‬نعرف‭ ‬بأن‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الحساب الجيوسياسي‮ ‬كان‭ ‬يسوق‭ ‬أن‭ ‬وصول‭ ‬الإسلاميين‭ ‬‮«‬المعتدلين‮»‬‭ ‬سيضعف‭ ‬من‭ ‬القوة‭ ‬الإرهابية‮ ‬للتنظيمات‭ ‬الجهادية،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الرهان‭ ‬لم‭ ‬ينجح‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬أيضا‭ ‬كان‭ ‬حاضرا‭ ‬في‭ ‬الأجندة‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬للدول‭ ‬والقوى‭ ‬العظمى‮.‬،وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نفكر‭ ‬فيه‭ ‬في‭ ‬هاته‭ ‬الحالة‮..‬
ثالثا‮:‬‭ ‬إن‭ ‬القول بأن‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬تحرك‭ ‬الشباب‭ ‬الغاضب‭ ‬وغيره‭ ‬غير‭ ‬مغربية،‭ ‬هو‭ ‬محاولة‭ ‬للهروب،‭ ‬لأن‭ ‬العتبات‭ ‬الداخلية‭ ‬كثيرة،‭ ‬منها‭ ‬مثلا‭ ‬أن‭ ‬المؤسسات‭ ‬الجدية‭ ‬مثل‭ ‬المجلس‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والمندوبية‭ ‬السامية‭ ‬للتخطيط‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬قدمت‭ ‬تنبيهات‭ ‬شديدة‭ ‬اللهجة‭ ‬إلى‭ ‬المغرب‭ ‬ككل،‭ ‬حول‭ ‬وجود‭ ‬جيل‭ ‬جديد‭ ‬خارج‭ ‬التأطير‭ ‬المعتاد‭ ‬والتهيئة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬أي‭ ‬قرابة‭ ‬3‭ ‬ملايين‭ ‬شاب‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬المدرسة،‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬التكوين،‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬الشغل،‭ ‬والمعروف‭ ‬بـجيل‭ ‬NEET‭ ‬أو‭ ‬جيل‭ ‬النيتيون،‮ ‬وهذا لا‮ ‬يعني‮ ‬أنها خارج دورة الغضب‮! ‬
ومنها‭ ‬كذلك‭ ‬أن‭ ‬أرقام‭ ‬البطالة‭ ‬والهشاشة‭ ‬وصلت‭ ‬حدا‭ ‬كبيرا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬القفز‭ ‬عليه،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الشعور‭ ‬بأن‭ ‬المطالب‭ ‬والأحلام‭ ‬والحرية‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬آذانا‭ ‬صاغية‮..‬
ومنها‭ ‬كذلك‭ ‬العجرفة‭ ‬التي‭ ‬طبعت‭ ‬السلوك‭ ‬العام‭ ‬للمسؤول‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬والجهات‭ ‬والأقاليم‮.‬‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ترك‭ ‬شعورا‭ ‬بالاحتقان‭ ‬و‭”‬الحكرة‭” ‬يمس‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬الجميع‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬شباب‭ ‬جيل‭ ‬الزيد‮!‬
رابعا‮:‬‭ ‬هناك‭ ‬شعور‭ ‬عام‭ ‬بلا‭ ‬جدوى‭ ‬المؤسسات‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬وضعها‭ ‬تحت‭ ‬اليد‭ ‬وتحت‭ ‬السلطوية‭ ‬السياسية‭ ‬لحزب‭ ‬واحد‭ ‬بثلاثة‭ ‬رؤوس،‭ ‬لقد‭ ‬تم‭ ‬خنق‭ ‬المؤسسات‭ ‬وهوامش‭ ‬الفعل،‭ ‬وتبين‭ ‬أن‭ ‬الامتداد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬للهياكل‭ ‬السياسية‭ ‬المدبرة‭ ‬للشأن‭ ‬السياسي‭ ‬غائب،‮ ‬مع‭ ‬صعوبة‭ ‬تمرير‭ ‬أي‭ ‬خطاب‭ ‬باللغة‭ ‬الرسمية الجافة،‭ ‬ودون‭ ‬مناضلين‭ ‬حاملين‭ ‬لقناعة التواصل‭ ‬مع‭ ‬القطاعات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬منهاالغضب‭ ‬وبالتالي‭ ‬التأطير‭ ‬‮(‬النقابة‭ ‬مثلا‮)..‬
من‭ ‬منا‭ ‬لم‭ ‬يغضب‭ ‬للمبالغة‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬الرضى‭ ‬الذاتي،‭ ‬والطمأنينة‭ ‬الحزبية‭ ‬عند‭ ‬الحكومة‭ ‬ومكوناتها،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬تبادل‭ ‬الهجومات‭ ‬‮(‬‭ ‬مما‭ ‬يعطي‭ ‬الانطباع‭ ‬بأن‭ ‬خلافا‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬متواطئين‭ ‬اختلفوا‭ ‬على‭ ‬الغنيمة‮)‬‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬لا‭ ‬جدية‭ ‬الفعل‭ ‬السياسي‭ ‬والوازع‭ ‬الأخلاقي‭ ‬فيه‭ ‬ويزيد‭ ‬من‭ ‬شعورنا‭ ‬الجماعي‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬كبرياء‭ ‬وانتفاخا‭ ‬سلوكيا‭ ‬لا‭ ‬يقيم‭ ‬للناس‭ ‬وزنا‮..‬
‭ ‬جيل‭ ‬المغرب‭ ‬الجديد‮.‬‭ ‬لم‭ ‬ينبع‭ ‬من‭ ‬فراغ‭ ‬في‭ ‬بلاده‭ ‬حتى‭ ‬نقول‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬أياد‭ ‬تشتغل‭ ‬علي‭ ‬غضبه،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬صميم‭ ‬حرية‭ ‬العهد‭ ‬الجديد‮:‬‭ ‬الشارع‭ ‬أصبح‭ ‬في‭ ‬ربيع‭ ‬دائم‮!‬‭ ‬والشارع‭ ‬نفسه،‭ ‬الذي‭ ‬تابعنا‭ ‬كيف‭ ‬أنه‭ ‬أصبح‭ ‬يتحرك‭ ‬على‭ ‬إيقاعين‭ ‬اثنين‮:‬‭ ‬إيقاع‭ ‬الانتماء‭ ‬إلى‭ ‬أفق‭ ‬التحرير‭ ‬الإنساني‮ ‬من‭ ‬بوابة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬أو‭ ‬إيقاع القضايا‭ ‬الاجتماعية‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬مظاهرات‭ ‬في‭ ‬مغرب‭ ‬يسير‭ ‬بسرعتين‮(‬‭ ‬بِلسْعتين‮.‬‭.!): ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬ربما‭ ‬ترجم‭ ‬نداء‭ ‬الملك،‭ ‬بأنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مسموحا‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نعيش‭ ‬مغربا‭ ‬بسرعتين‮.. ‬وهو‮ ‬يريد أن‮ ‬يفعل حقيقة سوسيو ثقافية:وبحسب النموذج التنموي‮ ‬الجديد‮. ‬فإن المرحلة الأولى‮ ‬2020‮ ‬إلى‮ ‬2025‮. ‬هي‮ ‬مرحلة الانطلاق‮.. ‬في‮ ‬حين تنطلق مع السنة الحالية‮ ‬2025‮ ‬مرحلة السرعة القصوى‮: ‬10٪‮ ‬من الناتج الداخلي‮ ‬الخام سنويا‮)‬
وهي‮ ‬المرحلة التي‮ ‬تمتد إلى أفق‮ ‬2030‮. ‬
بعيدا عن المونديال‮..‬
يمكن أن نقول،ودون خوف من الخطأ أن مرحلة الانطلاقة أعطت دينامية جديدة‮. ‬وهذا جيلها في‮ ‬إرهاصاته الأولية‮…‬
قبل‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬خرجت‭ ‬أعماق‭ ‬المغرب‭ ‬القصي‭ ‬في‭ ‬تاونات‭ ‬وفي‭ ‬‮”‬آيت‭ ‬بوكماز‮”‬‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬احتجاجية‭ ‬حاشدة‭ ‬نحو‭ ‬مقرات‭ ‬السلطة‮..‬وهو‭ ‬نموذج‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يتكاثر‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يُشاهد‭ ‬من‭ ‬غياب‭ ‬أبسط‭ ‬الظروف‭ ‬أمام‭ ‬تضخم‭ ‬الذاتيات‭ ‬الحزبية‭ ‬القابضة‭ ‬على‭ ‬زمام‭ ‬الأمور‭ ‬والتحكم‭ ‬فيها‭ ‬بدون‭ ‬نتيجة‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‮!‬
والقطاعان‭ ‬المعنيان‭ ‬بالذات(الصحة والتعليم‮) ‬يعرفان‭ ‬حالات‭ ‬توتر‭ ‬منذ‭ ‬قرابة‭ ‬خمس‭ ‬سنوات،‭ ‬من‭ ‬الألف‭ ‬إلى‭ ‬الياء،‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬الدراسة‭ ‬والتكوين‭ ‬إلى‭ ‬التخرج‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬وأداء‭ ‬الوظيفة‮..‬
‮-‬‭ ‬في‭ ‬الوقع‭ ‬ليست‭ ‬هناك‭ ‬مقاربة‭ ‬أمنية‭ ‬في‭ ‬الموضوع،‭ ‬بالشكل‭ ‬المتعارف‭ ‬عليه،‭ ‬لعل‭ ‬الأجهزة‭ ‬بدورها‭ ‬فوجئت‭ ‬بالدعوة،‭ ‬وليس‭ ‬أمامها‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬تستنفر‭ ‬أذرعها،‭ ‬لأن‭ ‬القادم‭ ‬مجهول‭ ‬وتحرص‭ ‬على‭ ‬التصرف‭ ‬بحساب‭ ‬الحذر‭ ‬والحيطة‮.‬‭ ‬ولعل‭ ‬تصرف‭ ‬الأمن‭ ‬كانت‭ ‬فيه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬ضبط‭ ‬الجيل‭ ‬المعني‭ ‬أكثر‭ ‬منه‭ ‬قمعه‮:‬‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬فاجأنا‭….. ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬نستشعر،‭ ‬نقابات‭ ‬وأحزابا‭ ‬ونخبا‭ ‬وأفرادا‭ ‬وأسرا‭ ‬ومؤسسات‭ ‬رسمية‭ ‬ومدنية،‭ ‬نفس‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬معرفة‭ ‬الجيش‭ ‬الذي‭ ‬يتحرك‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬الواقع،‭ ‬وهو‭ ‬منقبض‭ ‬وعابس‭ ‬وغاضب‮…‬ونحن‭ ‬نعتقد‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬الدونيا‭ ‬هانية‮»‬‭ ‬والمغاربة فرحانيييين‮.!‬
‮« ‬ماشي‮ ‬مللي‮ ‬تكون القضية زوينة تتبجح بها الحكومة وعندما تصعاب الأمور نحسبوها على الملك‮ .. ‬والأمن‮!‬
لا‭ ‬أعتقد‭ ‬شخصيا‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬‮«‬جدارا‭ ‬للخوف‭ ‬قد‭ ‬كسره‭ ‬الشباب‮.‬‭ ‬بل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أنهم‭ ‬اختاروا‭ ‬الطريق‭ ‬التي‭ ‬تناسبهم‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬حاجة‭ ‬وقناعة‭ ‬توفرت‭ ‬لديهم،‭ ‬والأمم‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنصت‭ ‬لشبابها ولا تقلد حرارته‮ … ‬يقتلها‭ ‬البرد‮!‬

 

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 29/09/2025