من العاصمة .. حكومة بلا رؤية ولا كفاءات
محمد الطالبي talbipress@gmail.com
المغرب اليوم يغلي غضبًا عامًا يفيض من شوارع المدن إلى أروقة المؤسسات، غضب لم يأتِ من فراغ، بل نتيجة تراكم أخطاء الحكومة وسياساتها المرتجلة، التي تعتبر المواطنين مجرد أرقام على ورق وتجارب للارتجال. تراجع الحكومة عن قرار تسقيف سن الولوج إلى الوظيفة العمومية لم يكن تعبيرًا عن إصلاح أو مسؤولية، بل نتيجة ضغط الشارع وغضب الشباب الذين خرجوا مطالبين بحقهم في التعليم والصحة والكرامة.
القرار ذاته لم يكن مجرد خطأ تقني؛ بل كان إهانة متعمدة للكفاءات وللعدالة الاجتماعية. الحكومة صرّحت به، صفقّت لنفسها، وواجهت كل الأصوات النقابية والحزبية والمدنية بالإنكار والتجاهل، قبل أن يثبت الرأي العام أنه الأقدر على التقدير والتمييز.
الحقيقة الصادمة أن الحكومة لم تتراجع بدافع الإصلاح، بل لأنها أُجبرت على ذلك تحت ضغط المواطنين. كل سياساتها تكشف هشاشة بنيتها، وضعف رؤيتها، واعتمادها على التجريب والارتجال بدلاً من التخطيط والقيادة الحكيمة. الارتجال صار السياسة الرسمية للحكومة التنفيذية.
كل القطاعات التي أُسندت إلى أشخاص مغمورين، بلا خبرة أو إشعاع فكري أو مهني، فقدت جاذبيتها وتوازُنها. مشاريع التعليم والصحة شبه مشلولة، والمواطن يراقب السلطة وهي تدير شؤونه بمزاجية، لا بمنهج إصلاحي. هكذا لا تُورد الإبل، ولا تُبنى الحكومات. لا للحكرة، ولا للعب بمصير الوطن.
التراجع عن القرار خطوة ضرورية، نعم، لكنها مجرد ردة فعل على غضب الشارع، لا تعبير عن أي رؤية أو محاسبة. ما قيمة التصحيح إذا تكرر الخطأ نفسه؟ وما جدوى الإصلاح إذا لم تُفعّل آليات المحاسبة؟
غياب الكفاءة أخطر من غياب الرؤية، والحكومة التي تكرر أخطاءها دون محاسبة، لن تكون يومًا قادرة على بناء أي مشروع اجتماعي حقيقي.
الغضب العام اليوم يفضح ازدواجية الحكومة في التعاطي مع القوانين والحقوق: فرض قرارات صارمة على الضعفاء، والتغاضي عن خروقات واضحة في مؤسساتها، مما يزيد شعور المواطنين بالظلم والإحباط، ويزرع حقدًا اجتماعيًا متناميًا.
والأخطر أن الحكومة ما زالت تتصرف بمنطق المراوحة والارتجال: تعلن قرارات من جانب واحد، تواجه الاعتراضات بالصمت أو التجاهل، ثم تتراجع تحت ضغط الشارع. هذا النمط يكرّس فقدان الثقة، ويجعل أي إصلاح حقيقي مستحيلاً، ويؤكد أن الكفاءة والمحاسبة هما أول ما يُغيب عند كل تجربة حكومية جديدة.
اليوم، المغرب لا يحتاج إلى وعود وبلاغات، بل إلى حكومة تعرف مسؤوليتها، تحترم حقوق المواطنين، وتعيد الثقة المفقودة، قبل أن يتحول غضب الشارع الى صرخة خارج السيطرة لا ينفع معها تغول الأغلبية .
الكاتب : محمد الطالبي talbipress@gmail.com - بتاريخ : 25/10/2025

