رسالة من مناضل اتحادي: نقد ذاتي ومسؤولية الموقف من «لا للعهدة الرابعة» إلى نعم لمسار النضج والوضوح

إعداد: الحسين غوات

بعد سنوات من الانخراط النضالي داخل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ومن موقع الحرص على استمرارية المشروع الاتحادي في صفائه الفكري ونبله التاريخي، أجدني اليوم أكتب هذه الرسالة بصوتٍ هادئ وضميرٍ مرتاح.
كنت من بين الذين رفعوا، بكل قناعة، حرية ومسؤولية، شعار «لا للعهدة الرابعة»، انطلاقًا من إيمانٍ بضرورة تجديد النخب وإتاحة الفرصة لضخ دماء جديدة في القيادة الحزبية.
ورغم موقفي المعلن والرافض للعهدة الرابعة – بل وحتى الثالثة من قبلها – فإن حضوري لأشغال المؤتمر الوطني الثاني عشر لم يكن تناقضًا، بل تجسيدًا لروح الاتحاد التي تعلّمناها منذ البدايات: أن نختلف دون أن نفترق، وأن نعارض من داخل البيت لا من خارجه، لأنها تُظهر روح الديمقراطية الداخلية في الاتحاد الاشتراكي، وتؤكد أن الاختلاف لا يُقصي، بل يُغني التجربة.
حضرت المؤتمر بصفتي مناضلًا اتحاديًا لا يحمل الحقد، بل الأمل؛ لا يسعى إلى الاصطفاف، بل إلى الإقناع.
وهنا يكمن جوهر التجربة الاتحادية التي تميّزت دائمًا بفسح المجال للرأي والرأي الآخر، دون إقصاء ولا تكميم، لأن الاتحاد لم يكن يومًا حزبًا يُعاقب من يخالف، بل مدرسة تُنصت لمن يُفكر.
وهذا وحده كافٍ لتفنيد كل الادعاءات التي تُروَّج بأن الحزب أصبح يرفض النقد أو يُحاصر الاختلاف.
لكن، وبعد حضوري لأشغال المؤتمر الوطني الثاني عشر ، وما رافقه من نقاشات جادة وتحليلات موضوعية للوضعين العام والداخلي، ومن استماعٍ صادق لتطلعات المناضلين في مختلف الجهات، تولدت لدي قناعة جديدة ومغايرة لما كنت أتبناه سابقًا.
لقد أدركت أن المرحلة الحالية، بما تحمله من رهانات وطنية دقيقة وتحديات تنظيمية داخلية، تفرض على الحزب وضوحًا يشبه وضوح الشمس، واستمراريةً في القيادة تضمن الاستقرار وتؤطر التحول.
من هنا، أصبحتُ أرى أن تمديد ولاية الكاتب الأول إدريس لشكر لم يكن مجرد خيار تنظيمي، بل ضرورة مرحلية تمليها اعتبارات واقعية وسياسية عميقة، تتصل بقدرة الحزب على التموقع، وتحصين المكتسبات، ومواصلة البناء على أسس صلبة.
وهذا، في جوهره، هو المناضل الاتحادي الحقيقي، الذي لا يتجمد في موقفٍ واحد، ولا يخشى مراجعة قناعاته متى تبين له وجه الصواب.
مناضل يطرح الأسئلة بجرأة، ويبحث عن الأجوبة بعقلٍ مفتوح، دون حرج، ودون أن يصغي إلى ضجيج «فراقشية» السياسة ولا إلى المزايدات الفارغة التي تستهلك الطاقات وتزرع الشكوك.
لقد تعلمنا من مدرسة الاتحاد أن الاختلاف لا يُفسد الانتماء، بل يغذيه، وأن النقد الذاتي ليس ضعفًا ولا تراجعًا، بل نضج وارتفاع في الوعي والمسؤولية. أن نراجع أنفسنا لا يعني أننا خسرنا المعركة، بل أننا نحاول أن نربح الوطن والحزب معًا.
الاتحاد لم يكن يومًا حزب شعارات أو ولاءات عابرة، بل كان فكرًا ونَفَسًا إصلاحيًا عميقًا، حملته أجيال من المناضلين الذين آمنوا أن السياسة أخلاق قبل أن تكون سلطة، وأن الوطن يُبنى بالصدق لا بالمزايدات.
واليوم، ونحن نعيش مرحلة دقيقة من تاريخنا الحزبي والوطني، لا بد أن نوجّه كلمة صادقة إلى الشباب الاتحاديين والأجيال الجديدة:
لا تتركوا السياسة للمحبطين، ولا الحزب للمترددين.
تعلموا من تاريخ الاتحاد شجاعة الموقف، وجرأة الكلمة، ودفء الانتماء.
لا تخافوا من النقد، فالاتحاد لا يعيش إلا بالنقد، ولا ينهض إلا بالحوار.
لا تبحثوا عن المجد في الصور، بل في المواقف التي تبقى حين يزول الضجيج.
جيل الأمس قدّم التضحيات، وجيل اليوم يتحمّل المسؤوليات، أما جيل الغد فعليه أن يحمل الشعلة بوعيٍ جديد، وإيمانٍ متجدد بأن الاتحاد ليس حزبًا عاديًا، بل ضمير وطن وذاكرة نضال.
إن الاتحاد الاشتراكي لا يحتاج لمن يصفق من بعيد، بل لمن يقترب ليعمل، ليبادر، ليفكر، وليحلم بمغربٍ أعدل، أرقى، وأكثر إنصافًا.
ولعل هذا هو المعنى الأعمق للانتماء الاتحادي: أن تبقى واقفًا في زمن الانكسار، مؤمنًا في زمن الشك، ومتفائلًا في زمن الصعاب.
الزعماء زائلون والحزب باق.
الاتحاد الاشتراكي ليس اسماً عابراً ولا ظلاً لرجل
إنه تاريخ نضال ومرجعية وطنية أصيلة، لا تُستعار ولا تُصبغ.
قد يُنتقد، لكنه لا يساوم، ولا يتقن التلون.
هو حزب لكل المغاربة، بتعدّدهم، وبتاريخهم، وبحقهم في وطن حرّ، ديمقراطي، عادل.
والأسماء مهما كبرت، تظل جزءاً من مسار لا فوقه.
نحن هنا باقون لا نحمل شعارات، بل نحمل قناعات،
ولا نلهث وراء المواقع، بل نُمسك بجمر المبادئ.
لعلّ ما نزرعه اليوم من مواقف صادقة، ينبت غدًا حزبًا يستحق أن نحمله إلى الناس دون خجل.
الاتحاد ليس ملك أحد، الاتحاد ملك لفكرته.
من مناضل اتحادي يؤمن بأن النقد هو بداية الإصلاح، وبأن الوفاء للفكرة أقوى من الولاء للأشخاص.

الكاتب : إعداد: الحسين غوات - بتاريخ : 25/10/2025