من وادي السيليكون إلى وادي أبي رقراق
فيصل العراقي (*)
من داخل الوادي الذي يصنع المستقبل… إلى ضفة تبحث عن نمط تفكير جديد
أكتب هذه الكلمات من وادي السيليكون،
حيث تتحول الفكرة الصغيرة إلى شركة عالمية،
وحيث الفشل ليس عيبًا، بل وقودًا للتجربة التالية.
هنا، لا أحد ينتظر التعليمات من الأعلى،
ولا أحد يعتقد أن الذكاء امتيازٌ شخصي،
بل هو منظومة تتغذى من الاختلاف والتجريب والمخاطرة.
أولاً: العقلية قبل التكنولوجيا
يخطئ من يظن أن سرّ وادي السيليكون في التكنولوجيا.
السر الحقيقي في العقلية التي تُدير الفكرة:
عقلية تسمح للخطأ، تشجع على النقد،
وتؤمن أن القيادة ليست سلطة بل بيئة تمكّن الجميع من النجاح.
هنا، الفكرة تُختبر قبل أن تُحتفى بها، والفريق أهم من المؤسس،
والنظام أهم من الشعار.
ثانيًا: وادي أبي رقراق… حين تتكلم الجغرافيا
عن الوعي
وعند ضفة أبي رقراق،
حيث يلتقي التاريخ بالراهن،
يمتد وادٍ آخر ليس من الماء، بل من الإمكانيات.
لكنّ الإمكانيات وحدها لا تكفي.
ما ينقصنا ليس العقول، بل النظام الذي يجمعها.
لدينا المواهب، لدينا الطموح،
لكننا ما زلنا أسرى التنظيم، لا المنظومة.
نشتغل بردّ الفعل، لا بالتصميم.
نغيّر الوجوه، ولا نغيّر النماذج الذهنية.
ثالثًا: من التنظيم
إلى المنظومة
الفرق بين التنظيم والمنظومة هو الفرق بين “من يقود” و“كيف يعمل”.
في التنظيم، نسأل دائمًا: من المسؤول؟
في المنظومة، نسأل: كيف نضمن أن النظام لا يتوقف؟
هنا في وادي السيليكون، لا أحد أكبر من النظام.
الفكرة هي الرئيس، والنظام هو الضامن للاستمرار.
أما عندنا، ما زالت الثقافة السياسية والاجتماعية تميل إلى الشخصنة.
نربط النجاح بالأسماء لا بالبُنى،
ونبني الولاء على الانتماء لا على الكفاءة.
رابعًا: الدرس الذي يجب أن نعيده إلى الضفة الأخرى
من داخل وادي السيليكون، أرى بوضوح أن ما نحتاجه في ضفة أبي رقراق
ليس “تكنولوجيا” بل تحول ذهني. أن نعيد تعريف النجاح بأنه قدرة النظام على العمل من دوننا،
وأن نفهم أن الإصلاح الحقيقي لا يبدأ من القمة،
بل من تصميمٍ ذكي يجعل كل فاعلٍ جزءًا من المنظومة لا من الزخرف.
نحن بحاجة إلى أن ننتقل من منطق “الزعيم” إلى منطق “النسيج”،
من التنظيم إلى المنظومة،
من الحماس إلى الهندسة.
خامسًا: الجسر الممكن
لا شيء يمنع أن يكون بين وادي السيليكون ووادي أبي رقراق جسرٌ من الوعي.
جسرٌ تُبنى عليه أفكار مغربية جديدة،
تجمع بين روحنا الجماعية وذكاء الأنظمة الحديثة.
فالمستقبل لا يُصدَّر ولا يُستورد،
بل يُصمَّم، ويُدار، ويُحافظ عليه بعقلٍ يؤمن أن الكرامة في الفكرة،
والقوة في النظام،
والاستدامة في المنظومة.
من وادي السيليكون، حيث تُدار الأفكار بالمنهج لا بالعاطفة،
أوجّه نظري إلى وادي أبي رقراق وأقول:
لدينا كل شيء لنبدأ،
لكن البداية الحقيقية ليست في المشاريع،
بل في العقلية التي تصنع المشاريع.
حين نفهم ذلك،
لن نحتاج أن نهاجر لنبتكر،
بل سنجعل من كل وادٍ مغربي…
وادي سيليكون بطريقته الخاصة.
(*)باحث في الأثر والابتكار الاجتماعي
الكاتب : فيصل العراقي (*) - بتاريخ : 25/10/2025

