الكاتب الأول بالعيون: إصغاء وطني من قلب التحولات الجيوسياسية والاقتصادية الكبرى

عبد السلام المساوي

انعقد اجتماع العيون في لحظة وطنية استثنائية تتقاطع فيها المكاسب الدبلوماسية مع التعبئة الشعبية والتطورات المؤسساتية. فقد شكّل صدور القرار الأممي 2779 محطة مفصلية أكدت مجددًا واقعية ووجاهة المقترح المغربي للحكم الذاتي، وعززت الموقع الدولي للمغرب، ورسخت الانتقال من مرحلة الدفاع السياسي إلى مرحلة البناء المؤسساتي. كما تزامن ذلك مع احتفالات وطنية واسعة، من اليوم الوطني للوحدة الوطنية إلى الذكرى الخمسينية للمسيرة الخضراء.
وقد تميز هذا الاجتماع بطابع تشاركي واضح، إذ سعى الحزب إلى الإصغاء لتصورات القيادات المحلية والمنتخبين والفعاليات الجهوية، وإلى فهم مكامن القوة والاختلالات في التجربة الجهوية الحالية. وكان النقاش منصبًا على كيفية رؤية الساكنة لمفهوم الحكم الذاتي اليوم، وعلى طبيعة الانتظارات المرتبطة بالتنمية، والشغل، والتعليم، والتدبير المجالي، وعلى الأدوار الجديدة التي يجب أن تضطلع بها المؤسسات الجهوية في انسجام مع رؤية الدولة الاجتماعية.
وقد أظهر النقاش أن الأقاليم الجنوبية قد انتقلت من موقع الدفاع عن مشروع الحكم الذاتي إلى موقع المبادرة في صياغته. كما أكدت أن الساقية الحمراء ووادي الذهب أصبحتا اليوم مركزًا وطنيًا لإعادة تعريف الجهوية المتقدمة. فالمشاريع المينائية الكبرى، ومناطق التسريع الصناعي، والطاقات المتجددة، والبنى التحتية الجديدة، جعلت من الأقاليم الجنوبية نموذجًا للتنمية المتوازنة، ومنصة سياسية واقتصادية يمكن أن تقود المرحلة المقبلة من تنزيل الحكم الذاتي.
في غضون ذلك، تزامنت هذه الدينامية الوطنية مع الاحتفال بالذكرى الخمسين لتأسيس الشبيبة الاتحادية، وهي مناسبة لم تكن طقسًا احتفاليًا فحسب، بل لحظة سياسية لإعادة ربط التاريخ بالواقع، وخاصة في الأقاليم الجنوبية حيث تتموقع الشبيبة اليوم كفاعل أساسي في إنجاح تجربة الجهوية المتقدمة وتنزيل مشروع الحكم الذاتي.
فمع الدينامية التنموية التي تعرفها الساقية الحمراء ووادي الذهب، أصبح للشباب دور محوري في مواكبة التحولات المؤسساتية، سواء عبر حضورهم في المجالس المنتخبة، أو عبر مساهمتهم في المبادرات الاقتصادية والاجتماعية، أو من خلال انخراطهم في الدفاع عن المقترح المغربي للحكم الذاتي باعتباره أفقًا واقعيًا للتنمية والاستقرار. وهكذا برزت الشبيبة الاتحادية بالأقاليم الجنوبية كحلقة وصل أساسية بين الفكرة الاتحادية ورهانات الجهوية، وكقوة مبادرة قادرة على تحويل قيم الحزب إلى مشاريع ملموسة على الأرض.
لقد أعطى الاحتفال بالخمسينية بُعدا جديدا للعمل الشبابي في هذه الأقاليم، خاصة في ظل انفتاح جيل جديد على السياسة عبر الفعل الميداني والمبادرات المواطِنة، لا عبر الخطاب الكلاسيكي. إذ أصبح واضحًا أن تعزيز موقع الشباب الاتحادي في العيون والداخلة والسمارة وبوجدور أصبح شرطا لنجاح أي تصور مستقبلي للحكم الذاتي، ولتوطيد النموذج الجهوي الذي تتبناه الدولة ضمن رؤيتها الاجتماعية والتنموية.
ومن هنا، فإن تجديد الشبيبة الاتحادية يكتسب اليوم معنى خاصًا في الأقاليم الجنوبية؛ فهي ليست فقط امتدادًا لمسار تاريخي، بل شريكًا مباشرًا في صناعة التحول، ومختبرًا لقيادات جديدة قادرة على جعل الحكم الذاتي مشروعًا يوميًا يلامس حياة الناس، وينقل روح الاتحاد الاشتراكي إلى الجيل الذي سيقود الغد.
إن اجتماع المكتب السياسي بالعيون يكشف أن المغرب يعيش لحظة انتقالية عميقة تنتقل فيها الجهوية المتقدمة من فكرة إلى ممارسة. ولذلك، أعلن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، من العيون، أنه حاضر في الميدان حيث تتشكل السياسات، وأنه شريك مسؤول في بناء المستقبل، وأنه جزء من الإجماع الوطني الذي يعيد كتابة فصول جديدة من قصة الوحدة الترابية والدولة الاجتماعية.

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 18/11/2025