الدواء .. هو السبب الأول لصداع الدولة والمواطن ؟

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.com

الواضح الذي لا غبار عليه هو أن الدواء في المغرب، صار أول سبب من أسباب.. الصداع!
سياسيا كان أو بشريا أو اقتصاديا. كما يتضح من تفاعلات كل ما له علاقة بالصحة وبملف الأدوية والمنافسة والتعويضات والتعريفة المرجعية إلخ إلخ.
السؤال الذي يطرح نفسه:لماذا هذا الزكام الاقتصادي والسياسي المتواصل، ونزلة برد مؤسساتية قوية تصيب البلاد من أقصاها إلى أقصاها..
لبدأ من حيث البداية:
1 -الدواء سلعة إجبارية:
يمكن للمواطن أن يختار بين قطعة الخبز حسب الوزن وحسب الجودة وحسب المحل، لكن بالنسبة للدواء، فهو إجباري، ولا خيار فيه.فهو إجباري !
2 -الدواء ثمنه إجباري: يمكن للمواطن أن يختار أي بضاعة حسب الثمن ويبحث عن الطماطم بدرهم أقل، أو السردين بين السوق النموذجي وسوق الدرب والمارشي.. أما في الدواء فالثمن أيضا إجباري، وليس اختياريا!
وهو بذلك لا يخضع لأية منافسة، إن وجد قانونها إلى حد الساعة ..
3ـ هامش الربح في الدواء.. باهظ وكبير ، ويمكن أن يصل الهامش فيه إلى ما يتجاوز 800 % كما جاء في البرلمان على لسان فوزي لقجع، الذي يعرف الأرقام جيدا ويعرف مساراتها.
ويمكن أن نجازف، تحت مراقبة مجلس المنافسة، بالقول بأن هوامش الربح، تبقى في حدود المستساغ في الأغلبية الغالبة من البضائع والاستهلاكات في المغرب، إلا في الدواء فإنها تفوق أي تصور ممكن!
وإذا لقجع قد اعترف ب 800 % فإن الشك الشعبي والريبة المواطنية يمكن أن ترفعه إلى ألف في المائة بدون خوف كبير من الخطأ!!!
ولعل الأكثر إثارة في التغير الذي طرأ في ملف الأدوية، في علاقتها مع المواطن والدولة، هو أن الدولة ضخت في سوق الاستهلاك والاستفادة والأرباح 51 مليار سنويا .. ( تتوزعها المصحات، الخاصة جدا، والقطاع الخاص والمستشفيات العمومية. اتضح بأن نسبة العلاج تنال لوحدها 80 % من الغلاف المالي المخصص للأمو .)!
وبدون تفاصيل فإن لعنة أخرى تهم علاقة الخاص والعمومي واللوبيات بينهما، ونجد أن الدولة تسمِّن القطاع الخاص لينافسها
أو ليهزمها في منافسة غير متعادلة تخلت فيها عن حقها في تطوير قطاعها… بقرار سياسي..
وإذا كنا نؤمن بأنه لولا دفاع لله اللوبيات بعضها ببعض لفسدت الديمقراطية، فإن اللوبيات الأكثر خطورة ليست تلك التي توفر ربحا مناسبا في هاته المادة العلاجية أو تلك، بل تلك التي تدفع الدولة دفعا إلى الخروج من مجال الصحة إلى .. مرض المصالح المفسدة !
من عناصر الحيرة والتساؤل والشك، أن العديد من تجار الدواء، وشركاته كانوا في بداية الجيل من قدماء الإدارة نفسها .. الوزارة المكلفة بالقطاع وورثتها من بعد، (ولا ضرر في ذلك) لأبنائها فتم خلق »مخزن بيو إداري«( يجمع البيولوجيا بالإدارة ) في قطاع يهم المغاربة، وكانوا من صناع القوانين في أصلها.. ووجدنا أنفسنا أمام بورجوازية إدارية في عز سطوتها في عز القرن الواحد والعشرين،وكما تابعنا ذلك في قطاعات سابقة..
وحسب المعطيات التي توفرت لدينا، فإن الموضوع كان قد طرح في لقاءات تهم رئيس الحكومة والوزيرين المعنيين، إما بالمسؤولية في القطاع كما هو حال التهراوي، أو بالاستثمار فيه حتى لا أقول شيئا آخر كما حال برادة )، . ونتصور أنه كان موضوع نقاش حاد وصاخب، كما كان موضوع مطارحة مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي cnss
وقد وجدت رئاسة الحكومة، ربما، وأقول ربما للخروج من الإحراج بين وزيرين من الحكومة وهما قياديان في نفس الوقت، إضافة الى مستثمرين آخرين من أهل القرابة .. الحل المناسب والذكي باللجوء إلى مجلس المنافسة!
وحسب علمنا، فإن المجلس فتح مشاورات، منها الاجتماع الذي عقده مع المجلس الوطني للصيادلة يوم 4 نونبر الجاري، ويتضح بأنهم يشاطرون الدعوة إلى التخفيض من أثمنة الأدوية التي تكلف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي نسبة باهظة يمكنها أن تهدد مسلسل التغطية الاجتماعية والحق في العلاج. لاسيما وأن النسبة المكلفة عند الصندوق تتجاوز ثلاث مرات النسبة المتعامل بها دوليا!!
وحسب المعطيات نفسها، فإن المقترحات، المقدمة من طرف الصندوق التقت مع مقترحات !الصيادلة، ومن خلال مجلسهم الوطني، والتي تناولت الشفافية المطلوبة بخصوص ثمن الأدوية في المصحات الخاصة، مع تعزيز الوضوح في الفوترة، وتوحيدها، وإجراءات أخرى تخص مستقبل الصيادلة ودعم المرضى والمؤمَّنين في الضمان الاجتماعي..
على كل لا تخفى الحروب الدائرة حول المرض.. والاستثمار في العلل، من طرف قطاعات من أرباب الإنتاج الصيدلي ومن أرباب الاستيراد، وستستمر في غياب المراقبة والمنافسة..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.com - بتاريخ : 26/11/2025