لماذا يجتهد الوزراء في تتفيه المدرسة العمومية؟

قال وزير التربية الوطنية سعد برادة: للي بغا يقري ولادو يرسلهم لمدرسة بعيدة..
أنا الوالد ديالي ارسلني بعيييد.
وتابعته وهو يوضح المدرسة الرائدة:خاصكوم تقربوا دواويركم للمدرسة وليس العكس..!
وسمعته يقول: اختاروا المدرسين المزْيانين وخليوْ عليكم المدرسين الخايبين!
الوزير كان يعيد على مسامعنا وصايا لقمان الجديدة من أجل مدرسة الريادة..
وكنا نحن عائلات 8 ملايين و271 ألف تلميذة وتلميذ يلتحقون بالمؤسسات التعليمية في الموسم الحالي 25ـ26!
عندما سمعت وزير التربية الوطنية يخاطبنا: احملوا دواويركم إلى المدارس الجميلة تراءى لي المشهد كاملا: والدي يرحمه لله يجر منزلنا القروي من دوار اولاد اعمارة إلى مدرسة «البيرو» على طول أربعة كيلومترات ..
وبما أنه لا يمكن أن يغادر البيت هناك، كان عليه أن يعود ليجره ليلا إلى مكانه قرب شجرة الزيتون الوحيدة والمسجد العتيق.
وفي الغد، نفس الشيء.
وأعمامي وعمتي الوحيدة يقومون بنفس الشيء..
ونحن لا ندري: هل نركب البيت، ونصعد إلى السطح أم نجر مع والدينا بيوتنا ومنازلنا إلى المدرسة في البيرو،
أو في مدرسة ابن منظور في وسط دبدو الخفية، وكيف نجد الطريق وسط زحام البيوت المنقولة من القصبة وتافرانت، وتبروقت، ومن السهوب والجبال والهضاب والنجود….
قلت لابد أن والد السيد سعد برادة المرحوم عبد السلام برادة، وزير الفلاحة في عهد المغفور له محمد الخامس، قد قام بنفس الشيء!
ويكون قد أرسل ابنه، الذي ولد في مدينة آزرو الجميلة.. إلى مدرسة بعيدة في إفران مثلا!
والحال أنه انتقل به الى الرباط للدراسة الابتدائية، قبل مدرسة الريادة ….. ثم إلى ليسي ديكارت!
(رحم لله كل أب لم يكن يعرف ديكارت، بالرغم مما عُرف عن آبائنا من عقلانية وحكمة وتبصر!….مثل والد الوزير الذي أرسله بعدها بعيدا بعيدا كما قال!)
أرسله إلى مدرسة القناطر والطرق: هناك تعلم عبور الجسور بين السياسة والشوكولاطة، وهناك تعلم الطريق إلى الثروة ولا شك.
لم يبخل الوزير بنصائحه: ومنها تفادي الأساتذة الخائبين، الذين لا يصلحون للدراسة!
ويبدو أنهم موجودون بكثرة بيننا ..! لكن الابتعاد عنهم يتطلب القيام بمجهودات سيزيفية للانتقال الى مدرسة بعيدة.
ومن لا يستطيع حمل بيته معه، يركب النقل المدرسي؛
ومن لم يجد النقل المدرسي، لا بأس من الحافلات..
أطلبوا للعلم ولو في البعييييد!
في باريس مثلا!
وزراء آخرون مدحوا لنا البعيد في كندا والمدارس التي بالمقابل.
ليس العيب في التوجه إلى المدارس البعيدة بمقابل، ولا في طلب العلم في الخارج، أبدا: المرفوض هو هذا التنمر على المدرسة العمومية والقدرة على الإنفاق المالي بمبالغ باهظة وسط شعب لم يجد مدرسة تليق بطموحه في العيش المتوسط، فقط:
ما يواسي المغاربة أن المدرسة العمومية، بالرغم من كل التدمير المقصود وغير المقصود الذي تتعرض له، مازالت تنجب عقولا عالية وقادرة على رفع مستواها العلمي أعلى من الخارج وفي مدارسه بدون مال … ولا عيب أن يبحث المغاربة لأولادهم عن مقاعد في البعثات وفي المدارس الأجنبية لكن الوزراء ليس من حقهم تتفيه المؤسسة العمومية!..
ومن حسن حظنا أن في الدراسة الملكية ما يعطي المثال، ذلك أن الملك محمد السادس خريج المدرسة الوطنية. وهو الذي اعتز بذلك حين قال بمناسبة الذكرى السادسة عشرة لاعتلاء جلالته العرش في يوليوز 2015 «درست في مدرسة مغربية، وفق برامج ومناهج التعليم العمومي»..
ولم يرسل حفظه لله ابنه بعيييييييدا، إلى باريس أو كندا ….. !