« أصوات محطمة» فيلم للمخرج التشيكي أوندري بروفازيك، وواحد من الأفلام المتنافسة على النجمة الذهبية للدورة 22 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم الذي تتواصل فعاليته إلى يوم السبت 06 دجنبر الجاري. يحمل هذا الفيلم بصمة خاصة، لكونه يظهر قدرة متميزة للمخرج على طمس الحدود بين المجالين الشخصي والعام في تصويره لكيفية مواجهة البطلة الشابة لظروفها.
تدور أحداث الفيلم في جمهورية التشيك مطلع تسعينيات القرن الماضي، حيث تنضم كارولينا، البالغة من العمر ثلاثة عشر عامًا، إلى فرقةٍ غنائيةٍ مشهورةٍ عالميًا، ملتحقة بأختها الكبرى وبمجموعةٍ من الفتيات الموهوبات اللواتي يجمعهن شغفٌ واحدٌ بالغناء. و سرعان ما يلفت صوت كارولينا انتباه ماشا، قائد الفرقة الغامض والمحبوب. بدا اهتمامه بها في البداية وكأنه نصرٌ صغيرٌ حقّقته، لكنها تبدأ تدريجيًا في إدراك الثمن الباهظ الذي قد تدفعه مقابل هذا الامتياز.
يُشحن البناء السردي للفيلم بطاقة عاطفية يشتد توترها مع تطور الموقف الذي تعبره البطلة، حيث تشعر بالإطراء في البداية و تنتقل ببطء إلى الإحساس بالخزي والذنب. و تزداد مشاعرها كثافة بمرور الوقت، مدفوعة بالضغط الخارجي وصراعها الداخلي.
الفيلم مستوحى من الحالة الحقيقية لجوقة بامبيني دي براغا التي تفجرت سنة 2008، وهي جوقة أطفال تتكون في الغالب من فتيات كانت في قلب فضيحة اعتداء جنسي. و يتناول موضوعًا عالميًا من خلال استكشاف بنية معقدة للسلطة داخل جوقة تنافسية نسائية.، مظهرا بحساسية كيف يمكن أن تُسمَّم مساحات تبدو آمنة لفتاة صغيرة بشكل خبيث.
قدمت الممثلة الشابة الرئيسية، كاترينا فالبروفا ، أداءً رائعًا ومؤثرًا في دورها كفتاة صغيرة مسحورة، في مواجهة مراوغات السلطة و مكائدها. و هو ما يُظهره ببراعةٍ لافتة، الاستكشاف الذي يقدمه الفيلم للمشهدَ الداخلي لشخصيتيه الرئيسيتين، مستخدمًا لقطاتٍ مقربةً وإيقاعًا مُتأنّيًا لجذب المُشاهد إلى عالمهما الداخلي، كما لو كان يقول « الصورة حدث فخم و مؤلم، يحدث و يعاش بقدرما يُرى.»
و المثير في الفيلم أنه رغم أنه يضم عددًا من الشخصيات الثانوية، إلا أن السرد يبدو غالبا مُركّزًا بشكلٍ شبه حصريّ على البطلين، يمثل ذلك قوةً ودليلًا على موهبة المُخرج المُذهلة في صياغة عالمٍ مُصغّرٍ حميمٍ ضمن إطارٍ أوسع بكثير. فالجوقة المُتواجدة دائمًا، والتي تُجسّد المجتمع والعزلة في آنٍ واحد، تُصوّر على أنها الإطار الأمثل لهذا الاختيار السردي.
و رغم قوته الجمالية، إلا أن المُشاهد أن الفيلم يعاني من تعثر في الإيقاع فالتصاعد التدريجي للتوتر، رغم ثرائه بالأجواء، يتعثر أحيانًا، لا سيما في النصف الأول، الذي يتميز ببنية أقل تماسكًا وتأثيرًا عاطفيًا أقل من النصف الثاني، الذي يتكشف برشاقة شعرية، مدعومة بإخراج ومونتاج متقنين، مما يسمح للتوتر بالتصاعد بشكل حقيقي. وفي المقابل يحسب للعمل براعة في اختيار المواقع سواء كانت شاليهات أم فنادق فخمة.
ولد أوندري بروفازنيك في براغ، حيث درس الصحافة في جامعة تشارلز، وكتابة السيناريو في جامعة فلوريدا مورمون. و شارك، إلى جانب المخرج مارتن دوشيك، في إخراج فيلمين وثائقيين هما «مدينة تُسمّى هيرميتاج» (2007) و**«الفحم في الروح»** (2010). في عام 2019، نال أول فيلمٍ روائيٍّ طويلٍ لهما «الأسلاف» العديدَ من الجوائز، من بينها جائزة أفضل فيلم، وأفضل إخراج، وأفضل ممثل ضمن جوائز نقّاد السينما التشيكية، بالإضافة إلى جائزتَي أفضل ممثل في دورٍ رئيسي وأفضل ممثل في دورٍ ثانوي في جوائز الأسد التشيكي، وجائزة أفضل فيلم دولي في مهرجان فينيكس السينمائي. وفي عام 2025، عُرض أول فيلمٍ روائيٍّ طويلٍ من إخراجه المنفرد «الأصوات المحطّمة» في عرضه العالمي الأول ضمن مهرجان كارلوفي فاري السينمائي الدولي. .
مهرجان مراكش الدولي للفيلم : « أصوات محطمة» رؤية تشيكية للاستغلال الجنسي السلطة السيئة
الكاتب : عبد الصمد الكباص
بتاريخ : 03/12/2025

