أسفي بين الفاجعة وحق المدينة في جبر الضرر الجماعي

الحسين غوات

لم تكن الفاجعة التي عرفتها مدينة أسفي حدثًا معزولًا أو طارئًا بقدر ما كانت نتيجة طبيعية لتراكمات طويلة من الهشاشة البنيوية، وسنوات من اختلال التوازن بين ما تقدمه المدينة من ثروات وما تتلقاه من استثمارات تنموية حقيقية. فقد كشفت الكارثة الأخيرة، بما خلفته من خسائر بشرية ومادية، عن واقع مؤلم تعيشه الساكنة، وعن حاجة ملحة لإعادة النظر في نموذج التنمية المعتمد بالمدينة.
أسفي، المدينة الساحلية ذات الموقع الاستراتيجي، ظلت لعقود إحدى القلاع الصناعية الكبرى بالمغرب، خاصة بفضل احتضانها لوحدات إنتاجية تابعة للمكتب الشريف للفوسفاط، الذي ساهم في دعم الاقتصاد الوطني ورفع صادرات البلاد. غير أن هذا الدور الاقتصادي لم يواكبه، في نظر فئات واسعة من الساكنة، تحسن ملموس في شروط العيش، ولا تطوير كافٍ للبنيات التحتية الأساسية، خصوصًا في الأحياء الشعبية والمناطق القريبة من المجال الصناعي.
الفاجعة أعادت إلى الواجهة أسئلة قديمة جديدة حول هشاشة شبكات التطهير السائل، وضعف التخطيط الحضري، وغياب سياسات وقائية ناجعة قادرة على حماية المواطنين من المخاطر الطبيعية التي أصبحت أكثر تكرارًا بفعل التغيرات المناخية. كما أعادت النقاش حول مفهوم *جبر الضرر الجماعي*، ليس فقط كتعويض مادي عن الخسائر، بل كمسار تنموي شامل يعيد الاعتبار للمدينة وساكنتها.
إن جبر الضرر الجماعي لأسفي يقتضي مقاربة متعددة الأبعاد، تقوم على إعادة تأهيل البنيات التحتية، وتحديث شبكات الصرف الصحي، وتحسين الخدمات الصحية والاستعجالية، إلى جانب الاستثمار في الفضاءات الخضراء والبيئة، بما يضمن توازنًا بين النشاط الصناعي وحق المواطنين في بيئة سليمة. كما يتطلب إشراك الساكنة والمجتمع المدني في صياغة القرارات التنموية، بدل الاكتفاء بحلول ظرفية أو تدخلات موسمية.
وفي هذا السياق، تبرز مسؤولية الفاعلين المؤسساتيين والاقتصاديين، وفي مقدمتهم المكتب الشريف للفوسفاط، في تعزيز مساهمتهم الاجتماعية والمجالية داخل المدينة، عبر مشاريع مستدامة تلامس الاحتياجات الحقيقية للساكنة، وتجسد مبدأ العدالة المجالية، خاصة في المدن التي تحملت لسنوات كلفة الاستغلال الصناعي والضغط البيئي.
فاجعة آسفي جرحٌ مفتوح يفرض علينا استخلاص الدروس وربط المسؤولية بالمحاسبة حمايةً لأرواح المواطنين مستقبلاً.
وجبرُ الضرر ليس تعويضاً مادياً فقط، بل التزامٌ فعلي بإصلاح الخلل وضمان عدم تكرار المأساة.
إن ما حدث في أسفي يجب ألا يُطوى مع مرور الوقت، بل ينبغي أن يشكل نقطة تحول حقيقية في مسار المدينة. فأسفي لا تطالب بالمستحيل، بل بحقها المشروع في تنمية عادلة، وبنية تحتية تحمي الأرواح، ومستقبل يضمن الكرامة لأبنائها. فبعد سنوات من العطاء، آن الأوان لأن تنصف المدينة وتستعيد مكانتها، لا كخزان للثروة فقط، بل كفضاء للحياة الآمنة والتنمية الإنسانية.

الكاتب : الحسين غوات - بتاريخ : 19/12/2025