الرهان المغربي في المجال الجوي و الفضائي : الواقع، الاكراهات، الرهانات والخطط

 

في اطار مؤتمر جمع الفاعلين في المجال الجوي، من القوات الجوية الملكية و مجموعة من الفاعلين في المجال، حول ثيمة «المغرب وعصر الفضاء : الواقع، الاكراهات، الرهانات والخطط»، والذي نوقشت فيه جميع الأفكار و المستجدات في المجال، من قبل أساتذة و باحثين في هذا القطاع الواعد، والذي يلقي بإشعاعه في عدة مجالات حياتية، منتقلا من التعليم العالي و التكوين العسكري، الى ما يرتبط بصناعة الطائرات، وأخيرا تكنولوجيا الفضاء و الأقمار الاصطناعية.
افتتح الملتقى أشغاله، بمناقشة الواقع المرتبط بتكنولوجيا الفضاء و الطيران بالمملكة، مشيدا بما وصل إليه الخبراء المغاربة في المجال، و بعمليتي الإطلاق الناجحتين لكل من القمرين الاصطناعيين «محمد السادس أ» و «محمد السادس ب»، ومذكرا باحتضان مدينة مراكش لل»مؤتمر الدولي حول تقنيات الفضاء بالدول الناشئة»، وهما رمزان مهمان في التوجه الوطني تحت القيادة الرشيدة الملكية، للنهوض بالمغرب وجعله من السباقين في المجال على المستوى الإفريقي.

أشاد البروفيسور إدريس الهداني، مدير المركز الملكي للاستشعار البعدي الفضائي، بالتقدم الحاصل في البحث في القطاعين الجوي و الفضائي بالمغرب، على المستوى الإفريقي و الدولي وضمن البرنامج الدولي للفضاء، مشيرا الى أهمية العمل على المجالات الاقتصادية و السوسيو-اقتصادية و العلمية، التي يوفرها القطاع الجوي بالمملكة، ولما تمتاز به المراقبة عبر الأقمار الاصطناعية، من المساعدة في الحد من تبعات الهجرة و الإرهاب، و تكوين فكرة أعمق حول التغير المناخي و الطبيعي، عبر القمرين الاصطناعيين «أ» و «ب»، و داعيا الى تعزيز الكفاءات البشرية و التقنية المغربية.
تحدث المشاركون أيضا، حول المراحل التي قطعها قطاع الطيران بالمملكة، إبتداءا من سنة 1970 عبر محطة المراقبة الأرضية «محمد الخامس». ناقش كل من الأستاذين الجامعيين تاج الدين الرشيدي و أحمد حنفي، تطورات مشروع القمر الاصطناعي المصغر «ماسات 1»، وهو مشروع مشترك ما بين جامعتي «سيدي محمد بن عبدالله» بفاس، ونظيرتها «الأخوين» بإفران منذ سنة 2015، حيث تحدث أحمد حنفي عن اعتبار الفضاء، رمزا مهما يعبر عن التطور التقني في المجتمع الحالي، مشيدا بما يقدمه من منافع تلمس الواقع المعيشي و أسس التموقع على النطاق الدولي. انتقل الحديث فيما بعد، لمناقشة تكنولوجيا «الأقمار الاصطناعية المصغرة»، وعن أهمية العمل عليها وعلى تقوية المهمات التي تقوم بها، لما تمكنه من سهولة في جمع المعلومات على الارتفاعات المتدنية، او ما يعرف ب» المدارات الأرضية المنخفضة»، مستعرضا أيضا النموذج الاولي «كيوب سات»، والمعايير المتقدمة تقنيا التي يوفرها للمهتمين، مستندا على مشروع «ماسات 1» في نهاية المؤتمر.
اهتم المغرب منذ سنوات السبعينات، بجميع المجالات التي ستساهم في تنميته الداخلية، سواء الزراعة أو الصناعة او الخدمات العمومية، وهي أسس التي بنيت عليها رغباته في التوجه نحو قطاعي الطيران و الفضاء. ففي سنة 1982، قرر المغرب بناء محطتين للمراقبة الأرضية بكل من العيون و الذاخلة، ليتحصل في 1985 على محطة «عرب-سات»، المسؤولة على حركة الاتصالات و البث التلفزي، ثم التأسيس «المديرية العامة للأرصاد الجوية»، ثم «المركز الملكي للاستشعار البعدي الفضائي»، سنة 1989 بغية تطوير قطاعات الاتصال و الأرصاد الجوية المغربية، كما شهدت سنة 1983، تثبيت أول خط للهاتف بمدينة طنجة، و تدشين أول اتصال بالأقمار الاصطناعية في 1968.
تتميز سنوات التسعينات، بإرسال بعثة مغربية الى «المركز الوطني للأبحاث الفضائية»، بمدينة تولوز الفرنسية للتكوين في المجال، ثم الانتهاء من الأشغال المخصصة للموديلات الموجهة للأقمار الاصطناعية المصغرة، والتأسيس لل»مركز الملكي للدراسات و الأبحاث الفضائية». شهد المغرب خلال بدايات القرن الواحد والعشرين، الانطلاقة الحقيقية لرحلته نحو الفضاء و دراسته، عبر القمر الاصطناعي الأول «زرقاء اليمامة» في 2001، ليتبعها التأسيس لشراكات دولية في المجال، كما الحال في سنة 2006 مع الاتحاد الأوروبي، وافتتاح «المرصد الفلكي اوكايمدن»، و العمل على تدشين بنية بحية في المجال ما بين سنوات 2005 الى 2010.
ساهم كل من القمرين الاصطناعيين «أ» و «ب»، منذ استقرارهما على المسار المداري ما بين 2017 و 2018، في التعزيز من القدرة على المراقبة التابعة للمملكة، سواء على مستويات الأمن و مراقبة الحدود، او تقوية القدرة الزراعية و الفلاحية، ومراقبة البيئة و التغيرات التي تشملها. فعلى المستوى الزراعي، تمكن البرنامج المغربي من رسم الخرائط الطوبو-غرافية بشكل مدقق أكثر، ممكنة من تحديد معالم و حدود الأراضي بدقة، والبحث عن مصادر المياه و مواجهة التصحر بكفاءة. وعلى مستوى البنيات التحتية، فان التدقيق عبر الأقمار الاصطناعية، قد سمح بالحصول على نظرة شاملة حول المساحات العمومية، من بينها أماكن السكن و حدود المدن، الحد من تراجع المساحات المزروعة بسبب الاستغلال العشوائي. أما على المستوى البيئي، فقد مكنت القدرات العالية للأقمار المراقبة المغربية، من فهم أفضل للحزام الشاطئي المغربي، و مراقبة امثل للتغيرات الداخلية للبنية السمكية به.
ان القطاع الجوي و الفضائي، يمثل التوجه الأمثل، لتمثيل أفضل على المستوى العالمي، وهو ما أبرزه المغرب عبر التوجه الى العمل في المجال، بيد ان العولمة تعتبر من المسببات الأساسية، للسعي وراء استعمار الفضاء، فمنذ سنوات الثمانينات و الى حدود سنة 2003، ارتفع عدد الدول المرسلة لأقمارها الاصطناعية الخاصة، ليبلغ ما يقرب من 37 وليصل في حدود سنة 2018 الى 100 دولة، وهي ثورة تقنية مهمة بالنسبة لدول العالم، مساهمة في تنميتها و التعزيز من حضورها الدولي، وهو ما يعرفه المغرب بفضل توجيهات العاهل المغربي، و الاهتمام الذي يوليه لهذا القطاع.
يسعى المغرب من خلال التوجه نحو قطاع الفضاء، للعمل على منافسة جيرانه من الدول الإفريقية في المجال، أمثال الجزائر و مصر و نيجيريا و انغولا وجنوب إفريقيا، التي قطعت شوطا كبيرا في سباق الأقمار الاصطناعية، سواء العاملة في المجال العسكري، او تلك المخصصة للبث التلفزيوني و تكنولوجيا الاتصالات. والملاحظ ان الاستثمارات العالمية في القطاع، قد قفزت ل261 مليار دولار سنة 2016، بعد ان كانت تبلغ 122 مليار من الدولارات في سنة 2007، ولتنتقل العائدات أيضا في المجال من 231 مليار دولار في 2005، لتبلغ حدود 269 مليار دولار في 2017، مكونة نسبة 35 في المئة من الأقمار الموجهة لقطاع الاتصالات، و نسبة 6 في المئة للقطاع العسكري.
ان الرهانات الأساسية للمغرب في المجال، تتمثل في القدرة على توفير الأرضية الخصبة للصناعة الفضائية، والعمل على تسهيل تأسيس الشركات الناشئة، وتوفير اليد العاملة المدربة و المتخصصة، و العمل على تدريس العلوم المرتبطة بالفضاء بشكل أوسع. وعلى المستوى التقني، فان أهم المشاكل تتمثل في الصناعة البالغة التعقيد، وبضعف الاستثمارات الصناعية، وبعدم القدرة على توفير إحجام اكبر من الأقمار الاصطناعية (في حدود 50 كلغ)، بالإضافة الى الصعوبة في القيام بالتجارب اللازمة قبل الإطلاق، و التكلفة العالية لصيانة القطع، بالرغم من الخطط الواعدة والطموحات المستقبلية، لعل أبرزها خطة أفق 2020-2030.
* صحفي متدرب


الكاتب : المهدي المقدمي *

  

بتاريخ : 23/07/2019