وضعية التربية والتكوين في المغرب : تفاقم المشاكل البنيوية في ظل ضعف نجاعة الإصلاحات

الهدر المدرسي يكلف المغرب 9 مليارات درهم سنويا!

 

الأقسام المكتظة، العجز البنيوي على مستوى هيئة التدريس، والهدر المدرسي،  مخاوف الأسر المغربية من فرض رسوم التسجيل بالتعليم العمومي      خصوصا المحتاجة, و النية المحتملة للتخلي عن مجانية التعليم العمومي وتثمين التعليم الخصوصي،هي أهم أوجه القصور البنيوية التي تعاني منها منظومة التربية والتكوين، والتي رصدها  تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي,في تقريره السنوي,والتي نعتمد  بعضا من مضامينها  للتأكيد على ما سبق وأسلفناه في هذا الشأن من رصد لمراكز الخلل في منظومتنا التعليمية , ومن تخوف على مصير أبناء الشعب في المدارس العمومية  التي تقارب الانهيار .مع المطالبة بضرورة «ضمان ولوج الجميع لتعليم ذي جودة على قدم المساواة وتعزيز إمكانيات التعلم مدى الحياة».

 

يعرف قطاع التربية والتكوين في المغرب وضعية حرجة تستدعي اعتماد تدابير وسياسات وطنية جريئة، سيما تلك الموصى بها في إطار الرؤية الاستراتيجية لإصلاح المدرسة المغربية، التي تم تقديمها بين يدي جلالة الملك في ماي 2015. وبالفعل، فإن ظروف الدخول المدرسي برسم 2016 تؤكد أن منظومة التربية والتكوين تعاني من تراكم أوجه قصور بنيوية كبيرة، مما دفع السلطات العمومية إلى اللجوء إلى حلول استعجالية تفاديا لأن تسوء الوضعية أكثر. ومن بين أوجه القصور البنيوية التي تعاني منها منظومة التربية والتكوين. والتي تجلت بحدة أكثر خلال الدخول المدرسي 2016، ما يلي:
. تفاقم ظاهرة الأقسام الدراسية المكتظة في المؤسات المدرسية، سواء في التعليم الابتدائي أو الثانوي، فضلا عن ارتفاع ظاهرة تجميع عدة مستويات في قسم دراسي واحد لمدرس واحد. وبالتالي، فإن هذه المشكلة تمثل عائقا أمام التعلم والمردودية الدراسية، ولا تسمح ببلوغ الهدف النهائي، وهو الوصول إلى تعليم ذي جودة.
– وبترابط مع هذه النقطة الأولى، فإن العجز البنيوي الذي تعاني منه المنظومة الوطنية على مستوى هيئة التدريس, تفاقم بعد أعداد المدرسين المحالين على التقاعد، مما استدعى اللجوء إلى توظيف الأساتذة عن طريق التعاقد، باعتباره حلا استعجاليا خلال الدخول المدرسي لموسم 2017/2016.
– إن التوظيف في مهنة التدريس بدون تكوين بيداغوجي كاف يؤثر سلبا على جودة التعليم. وعلى سبيل المثال، فإن تكوين المدرسين، في البلدان المتقدمة يتراوح ما بين 3 و6 سنوات، حسب المستوى التعليمي المستهدف (تعليم أولي، تعليم ابتدائي، تعليم ثانوي):
– على الرغم من تراجع ظاهرة الهدر المدرسي مع توالي السنوات، إلا أنه مازال يشكل آفة اجتماعية بنيوية (350.000 تلميذ في السنة)، ويتسبب، علاوة على انعكاساته الاجتماعية، في نسبة هدر تقدر بحوالي 10 في المائة من الميزانية المرصودة لمنظومة التربية والتكوين. ويقدر هذا الهدر بحوالي 9 مليارات درهم سنويا، حين يتم الأخذ بعين الاعتبار كلا من الهدر المدرسي والتكرار.
– التخلي عن التدريس بمجموعات في المسالك العلمية، مما يعني أن التلاميذ يقتصرون، أساسا على الدروس النظرية، التي لا تكون مصاحبة بالعدد الكافي من الأشغال التطبيقية داخل المختبرات.
– التقليص من عدد الساعات المخصصة للدروس شمل المواد العلمية والأدبية، في معظم أكاديميات المملكة، وذلك في محاولة لامتصاص العجز الحاصل في عدد المدرسين.
وبخصوص مسألة التمويل، فقد أثيرت مخاوف في الآونة الأخيرة، في مجتمعنا، بشأن تشجيع استثمار القطاع الخاص في التربية والتكوين على حساب القطاع العمومي، وهو الأمر الذي من شأنه، حال اعتماده، أن يزيد من خطر التمييز بين المواطنين، والمساس بمبدأ تكافؤ الفرص والإنصاف والحق في الولوج إلى التربية والتكوين، خاصة وأن الفوارق في مجال التربية مازالت أكثر من تلك المسجلة في مجال الدخل (مؤشر جيني ?التربية :0.55: الدخل 0.38)
في هذا الصدد ينبغي التذكير بأن التوجه نحو فرض رسوم للتسجيل في التعليم العمومي، في إطار الرؤية الجديدة للتربية والتكوين في أفق 2030 »”ينظر”« إليه كخطوة أولى نحو ضرب مجانية التعليم. في هذا الشأن، وعلى مستوى التقرير حول رؤية 2030-2015 للتربية والتعليم، أوضح المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، أن فرض رسوم التسجيل في التعليم سيكون مصحوبا بإعفاء تلقائي للأسر المحتاجة في إطار تنفيذ عملية التضامن الاجتماعي, غير أن هذا الاختيار، قد تنتج عنه مشاكل على الصعيد الإجرائي، وسيما في ما يتصل بكيفية التحديد الدقيق للمستفيدين وتحديد عتبة المصاريف القابلة للتحمل من طرف الفئات الهشة، وغير ذلك. وتزداد هذه المخاوف حدة حين نلاحظ بأن الفئات الاجتماعية التي تواصل ارتياد المؤسسات العمومية أكثر، تنتمي في غالبيتها إلى الفئات التي تعاني الهشاشة وإلى الشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة، خاصة في المدن الكبرى. وبالتالي، فإن فرض واجبات التسجيل في التعليم العمومي يبدو غير مناسب في السياق الوطني الحالي، لأن هناك احتمالا كبيرا بكون مثل هذه التدابير سنتج عنها تكاليف اجتماعية إضافية.
في هذا السياق, فإن الإفراط غير المتحكم فيه في اللجوء إلى التعليم الخاص وفرض رسوم التسجيل المدرسية، يمكن أن يزيد من خطر ظهور منظومة تعليمية لا تتلاءم كثيرا مع مبادىء تكافؤ الفرص والإنصاف، التي تكرسها النصوص والتقارير الوطنية والدولية, وينبغي التذكير في هذا الخصوص بما يلي:
– كان الخطاب الذي وجهه جلالة الملك إلى الأمة بمناسبة الذكرى التاسعة والخمسين لثورة الملك والشعب في 20 غشت سنة 2012، قد أكد بوضوح على مبدأ المساواة والإنصاف في الولوج إلى تعليم ذي جودة”…هذه المنظومة التي تسائلنا اليوم، لا ينبغي أن تضمن فقط حق الولوج العادل والمنصف، القائم على المساواة، إلى المدرسة والجامعة لجميع أبنائنا, وإنما يتعين أن تخولهم أيضا الحق في الاستفادة من تعليم موفور الجودة والجاذبية، وملائم للحياة التي تنتظرهم«”
ومن جهته، فقد سبق أن أشار تقرير الأمم المتحدة حول الحق في التعليم، الصادر سنة 2014، إلى أن التوجه المتزايد للأسر نحو التعليم الخاص يعتبر تهديدا للمساواة في الحق في لتربية والتكوين, يسجل المغرب خوصصة متزايدة مع تسجيل ارتفاع في رسوم المدارس الخاصة لتحقيق مكاسب مالية، مما أدى إلى خلق تمييز وعدم مساواة في تعليم الأطفال الفقراء من خلال خلق نظام تفضيلي للأغنياء على حساب المحرومين، مع مخاطر تطوير نظام تعليمي يسير بسرعتين. على صعيد آخر، يبرز البحث بأن نظام المساعدات، الذي من المفروض فيه تمكين الآباء المحرومين اقتصاديا من وسيلة تسمح لهم باختيار مدرسة خصوصية، لا تعمل سوى على تكريس التمييز الاجتماعي».
كما أنه من المعلوم أن المغرب انخرط في مسلسل بلوغ أهداف المستدامة في أفق 2030، والتي ينص أحد مبادئها الأساسية على ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع.
– وأخيرا، من المهم الاستفادة من التطورات الأخيرة في مجال تطور التعليم الخاص على المستوى الدولي، من أجل استباق الآثار المحتملة, وبالفعل، فإن هناك العديد من الدراسات والتقارير تم إعدادها في هذا الاتجاه.
والتي تبرز أن التفاوت في أداء التلاميذ بين المؤسسات الخصوصية والعمومية، في بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي على سبيل المثال, مرده أساسا إلى الانتماء السوسيو-اقتصادي للتلاميذ، وإلى حجم الاستقلالية الممنوحة للمؤسسة المدرسية في اتخاذ القرار والتدبير، في حين أن الجانب المتعلق بالتمويل ليس له تأثير كبير على التفاوت في الأداء.
ذلك أن التلاميذ الذين ينتمون إلى طبقة سوسيو-اقتصادية ميسورة (آباء متعلمون يحرصون على تتبع تمدرس أبنائهم، توفر الاسرة على الوسائل الكفيلة بتوفير نمط عيش يحفز على التعلم وغير ذلك) يميلون إلى امتلاك أداء جيد سواء في التعليم العمومي أو في التعليم الخصوصي وفيما يتعلق بالبلدان النامية فقد كشفت بعض الدراسات أن التفاوت في الأداء بين تلاميذ العمومي وتلاميذ الخصوصي يمكن تفسيره جزئيا بالتفاوت في الموارد المادية والتجهيزات ، غير أن هذه الفروق تجد تفسيرها كذلك في صرامة تقييم المدرسين من طرف الادارة وأولياء التلاميذ في المدارس الخصوصية وبتغيبات المدرسين المرتفعة في المدارس العمومية التي تعرف انخراطا أقل لأولياء التلاميذ كما يرجع كذلك إلى نسب الاكتظاظ في الاقسام والنقص الحاصل في عدد المدرسين وغير ذلك.
وعلى مستوى آخر, أظهرت التجارب الدولية أن دولة الشيلي على سبيل المثال والتي نهجت سياسة خوصصة منظومتها التعليمية تظل من البلدان التي تعاني أكثر من غيرها من التفاوت في الأداء بين التلاميذ من مختلف الشرائح الاجتماعية, وبالمقابل فإن فنلندا التي تعتبر الدولة التي تملك النظام التعليمي الاكثر نجاعة في العالم، تعتمد في المقام الأول على القطاع العمومي، إضافة إلى أن العلاقة بين الخوصصة والتفاوت في أداء التلاميذ، يمكن أن تتولد عنه تفاوتات في الدخل في صفوف الساكنة والواقع أن التعليم الخصوصي في بلد مثل المغرب ليس نموذجا متجانسا مع وجود فوارق كبيرة بين مختلف المؤسسات التعليمية الخاصة على مستوى جودة الخدمة ورسوم التمدرس.
وفي هذا السياق, فإن هذا الوضع من شأنه أن يفاقم من خطر تعميق التباين في الاداء المدرسي بين مختلف فئات التلاميذ مؤديا بالتالي إلى مضاعفة الفوارق من حيث فرص الولوج إلى العمل ومستوى الدخل والارتقاء الاجتماعي, ويتأكد من هذه المعطيات أن البلدان التي تتوفر على نسب مرتفعة من التلاميذ المسجلين في التعليم الخصوصي هي البلدان التي تتوفر على مؤشرات مرتفعة في التفاوت على مستوى الدخل.
وفي الاتجاه نفسه، ونظرا للزيادة الملحوظة في تعريفات التعليم الخصوصي، فإنه من الواجب تقييم أثرها على الوضعية المالية للأسر، سيما في صفوف الطبقة المتوسطة التي تتوجه أكثر فأكثر نحو المؤسسات الخصوصية بحثا عن الجودة مع تحملها في الوقت نفسه عبئا ماليا ثقيلا.
في هذا السياق بات من المتفق عليه اليوم أن المشكل الاساسي الذي تعاني منه منظومة التربية والتكوين في بلادنا لا يمكن اختزاله فقط في مسألة التمويل أو في ضعف الميزانية ,ذلك أن هذا الوضع يتطلب أيضا المزيد من النجاعة والشفافية في مجال تدبير الموارد البشرية والمالية ,بالاضافة إلى جهود التحسيس بهدف تحقيق انخراط أوسع للمجتمع المدني في تقييم أداء المؤسسات التعليمية، وإحداث آليات أكثر فعالية للتواصل والإنصات بين أولياء الأمور والمدرسة وتوفير محتوى بيداغوجي ذي جودة وتكوين مستمر وجيد لفائدة المكونين ومحاربة تغيب المدرسين عن العمل مع اعتماد مقاربة مندمجة لمختلف الفاعلين الحكوميين من أجل مواجهة الهدر المدرسي والحد من كلفته المالية والاجتماعية.
إن هذه الوضعية تقتضي تحقيق تغيير كبير في منظومة التربية والتكوين بما يتماشى مع الثورة العلمية والتكنولوجية المتسارعة التي يعرفها العالم، ويمكن من استباق حاجيات بلادنا في مجال التكوين، التي تفرزها التحولات المستمرة للمهن, يتعلق الامر إذن بتوفير سياق يمكن من المحافظة على منظومة تربوية موحدة لكنها تحترم التنوع السوسيو-ثقافي بصفته عنصرا مركزيا للتماسك والاستقرار الاجتماعيين, اللذان يعتبران مكونين أساسين لثروتنا الاجمالية.

 

التكوين المهني في 2016
خطوات أولى في اتجاه تحقيق طموح الاستراتيجية الوطنية للتكوين المهني 2021

 

في سنة 2015، اعتمد المغرب استراتيجية وطنية للتكوين المهني (2021) باعتبارها جزءا من الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التربية والتكوين 2030-2015 وترمي هذه الاستراتيجية إلى إقامة نظام للتكوين المهني جذاب ويتلاءم مع حاجيات سوق الشغل.
وقد اعتمدت هذه الاستراتيجية على مجموعة من الأهداف الاستراتيجية الرامية الى الرفع من القدرات الاستقبالية لمراكز التكوين المهني، من أجل تكوين 10 ملايين شخص في افق 2021، مع الحرص على ادماج البعد المجالي في احداث مراكز جديدة. وفي الوقت نفسه، تتوخى الاستراتيجية ملاءمة عرض التكوين مع حاجيات المقاولات، وإشراك هذه الاخيرة في عملية تكوين العاملين والمتدربين، وذلك من خلال اعتماد منظومة مندمجة لتحديد الحاجيات وتركيب عرض التكوين المهني.
وفي الأخير، تهدف الاستراتيجية الى الادماج المهني لما مجموعه 75 في المئة من الحاصلين على دبلوم التكوين المهني في افق 2021، وفي سنة 2016 بلغت هذه النسبة 72 في المئة، بعدما بلغت 60 في المئة سنة 2002
وقد توزعت الآلية المعتمدة لإنجاح هذا الورش على عدة محاور:
– اخبار وتوعية تلاميذ السنتين الاخيرتين من التعليم الابتدائي بأهمية مهن التكوين المهني
– تتبع التلاميذ الذين ينقطعون عن الدراسة في وقت مبكر، والتكفل بهم عن طريق تمكينهم من دعم مدرسي واجتماعي يسمح لهم بإعادة الاندماج في منظومة التعليم المدرسي والتكوين المهني.
– احداث بكالوريا مهنية ترمي الى تثمين المسار المهني، القائم على تكوين مزدوج، توفره بالتناوب مؤسسة للتعليم المدرسي ومؤسسة للتكوين المهني، مع المشاركة الفعلية للمقاولات.
ومن أجل مواكبة هذه الإستراتيجية، ابرم مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل في 2016 عقد برنامج مع الدولة بهدف تكوين مليوني تلميذ بمؤسسات المكتب في أفق سنة 2021، من أصل 10 ملايين تلميذ تنص عليهم الاستراتيجية الوطنية, كما يعتزم المكتب على المدى البعيد، بناء 120 مؤسسة جديدة , أي 24 مؤسسة في المتوسط، مع اعطاء الأولوية لمواكبة المخططات والاستراتيجيات القطاعية، على غرار مخطط التسريع الصناعي، ومخطط المغرب الأخضر، وعقد الموارد البشرية الفندقة / السياحة…
في الوقت نفسه، ومن أجل توفير تكوين مهني لمختلف شرائح الساكنة، وادماجهم من الناحية الاجتماعية، يسعى المكتب الوطني للتكوين المهني، وانعاش الشغل الى إنشاء 58 مؤسسة أخرى للقرب, منها 39 مؤسسة في اطار شراكات مع مؤسسة محمد الخامس للتضامن، ومؤسسة محمد السادس لإعادة ادماج السجناء، والجهات، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية وغيرها.
واضافة الى ذلك ,ومن أجل تثمين التكوين المهني، تم خلق جسور مع منظومة التعليم المدرسي الوطني، وهكذا، تم خلق 32000 منصب شغل لفائدة الحاصلين على الباكالوريا المهنية، و 5000 منصب شغل في التكوين المهني .ومن المنتظر توسيع نطاق هذه الجسور ليشمل التعليم العالي، كما يعمل المكتب الوطني للتكوين المهني وانعاش الشغل ايضا على تخصيص منحة دراسية لفائدة الحاصلين على شهادة الباكالوريا، على غرار طلبة التعليم العالي.


بتاريخ : 13/09/2017