محمد ابزيكا .. و «إيتما أوال»

بداءة ، سأجرؤ على المخاطرة ، غير مغبوش البصر والبصيرة ، فقط،مدفوعا بذاكرتنا المفقودة والمطموسة وبصداقة عابرة ومحفورة لن يمحو النسيان ما فيها ، والأمر هنا لا يعني سوى « محمد ابزيكا « الذي طاله ما يكفي من النسيان الحارق والمستفز، على قيد الحياة، ثم وهو يرقد ميتا .
لا أذكر سوى أنه ظل وحيدا في المستشفى ، غير زيارات لأقلية هائلة من أصدقائه القديسين الذين ظلوا له خلانا حين استحضروه في لقاء جمعوي ، وحين طالبوا بإطلاق اسمه على المركب الثقافي بأيت ملول، وحين يذكرونه الآن رقميا في صفحة على الفايس بوك ، ووثائقيا عبر فيلم “ محمد ابزيكا “ مثقف الشعب ، هو المفتون بالسينما في سينما “ ريالطو” وفي أحضان النادي السينمائي ألفين .
بعد المشفى ، ظل “ ابزيكا “ حافيا من اتحاد كتاب المغرب فرعا ومركزا ، وعاريا من أي تنظيم أو أصدقاء في النقابة والنادي السينمائي ، عدا من رحم ربك ، وعدا أقلية هائلة ، وهو الذي كان صديق الجميع وحتى سكان الحي ، وكما لو أن الراحل يحمل تحت إبطيه مرضا معديا .
وربما نفهم أنه كان دائم الحركة كما حركة الموج، في تفكيره المتحرّر من الثابت الذي لا يتحرك ، وفي حياته النضالية و المهنية ، في “ غرامشيته” كمثقف نوعي ومتميز ، وفي صراعه ضد ثقافة الهيمنة والظلام الحالك، وعاشقا للثقافة الشعبية عند الأعاريب والأمازيغ .
كان الراحل رمزا من رموز الثقافة الشعبية والعالمة ، أول من يلقي دروسه في جامعة ابن زهر وآخر من يغادرها ، بل ويثير الانتباه بهذه الدروس المستفزة والمتمردة والسائلة حتى أقصى حدود القلق المعرفي ، ومن المؤمنين بالمثقف والثقافة في التحول الاجتماعي .
نعم ، اذكر هذا “ الغرامشي” المغربي ، وأذكر برامجه الإعلامية ، جمعويته ، سينماه ، ثقافته الشعبية ، تحويله لدفة فرقة “ ازنزارن” من الرومانسية والوجدانية إلى حب الأرض والوطن .
أذكر هذا الرجل الذي غيبه النسيان ، كي أذكر صبيحة أحد الآحاد ، حين أطل ببذلته الزرقاء ، وبملف لا أستحضر لونه ، ليجلس قريبا مني في مقر الكونفدرالية الديمقراطية للشغل التي فتحت مقراتها بعد نكسة بداية الثمانينيات ، كي نتبادل حديثا عابرا ، وكي يدخل مرة واحدة إلى القلب ، وبعدها كي أحبه باحثا في الثقافة الشعبية ، وفي مكونات النظرية الشعرية عند أدو نيس ، وأحببته أكثر في أسطرته لأونامير في أطروحته التي لم يمهله القدر لمناقشتها .
أذكر محمد ابزيكا ، وسأظل أذكره ، وليت المعهد الإسلامي في تارودانت ، وجامعة ابن زهر تعيد استرجاع ذاكرتها مع محمد ابزيكا ، في ندوة تقارب مباحثه الشعبية والعالمة .
وختاما ، لا يسعنا سوى أن نردد مع الأستاذ محمد بقوح وبهدوء ، فـ” أن تكون مع ( محمد ابزيكا ) يعني أن تتخذ موقفا، أي، أن تحمل همّ الفكر النقدي، الذي نعته نيتشه في إحدى كتاباته، بـ “ فلسفة المطرقة » .


الكاتب : عبدالله المتقي

  

بتاريخ : 22/05/2017