أشهر الخرافات والأساطير : أسطورة مدائن الذهب السبع!

الخرافات والأساطير مجرد اعتقادات أو أفكار قائمة على مجرد تخيلات دون وجود مسبب عقلاني أو منطقي مبني على العلم أو المعرفة، وترتبط هذه الاعتقادات بفلكلور الشعوب أو بالأنماط العليا للتفكير، حسب التحديد الذي وضعه لها جيلبيرت دوران، حيث إنها عادة تمثل إرثًا تاريخيًا تتناقله الأجيال و قد تكون دينية أو أسطورية، أو ثقافية أو اجتماعية، وقد تكون شخصية ترتبط  ببعض الأفراد الذين يصنعون خرافاتهم بأنفسهم، أو يدفعون الآخرين المحيطين بهم إلى صنعها والتكتل حولها.

 

تعد أسطورة مدائن الذهب السبع من أشهر الأساطير في القرنين 15 و16؛ وهي الأسطورة التي سكنت خيال الملاحين الأروبيين والمغامرين والحكام الحالمين بالثراء السريع.
فكان دافع الطمع هو مبرر هؤلاء المغامرين لإبادة واحدة من أرقى حضارات الأرض في القارة الامريكية بجنون دموي، وفي واحدة من أبشع حروب الإبادة في تاريخ البشرية.
فبعد سيطرة البرتغاليين على مدينة أزمور المغربية سنة 1513، وقع العديد من السكان في الأسر، وتم بيعهم عبيدا في الجزيرة الإيبيرية، من بينهم فتى صغير أطلقوا عليه اسم «استيبانيكو الأسود» بعد أن باعه النخاسون إلى أحد نبلاء البلاط الاسباني، فأصبح الفتى وصيف سيده وخادمه الشخصي.
وبعد مرور سنوات وتحديدا في صيف عام 1527، أوفد الملك شارل الخامس ببعثة الى العالم الجديد تمهيدا لاستكشافها واستيطانها، وكذا البحث عن مدائن الذهب السبع وتعيين المغامر الدموي الأعور (بانفيليو دي ناربايز) حاكما على تلك المنطقة، وكانت الرحلة بقيادة المستكشف (ألفار نونييز كابيزا دي فاكا).

الرحلة إلى العالم الجديد

ضمت البعثة أكثر من 600 رجل، وكان استيبانيكو من بينهم، وليس معهم سوى أربعين حصانا.
انطلقت الرحلة من داخل الأدغال المتوحشة. ولم يظن هؤلاء المغامرون أن رحلتهم قد تدوم طويلا.
في الشهور الأولى فقد القائد دي فاكا كل رجاله بسبب الجوع والعطش، وهجمات الهنود الحمر المستمرة، ولم يبق سوى القائد و«استيبانيكو» و«كاستيو» و«دورانتيس».
لقد وجد الأربعة الناجون أنفسهم تائهين في عمق الأدغال بلا سلاح ولا مؤونة و لا حتى دليل، ولم يكن لديهم أي خيار آخر للبقاء أحياء سوى أكل أوراق النباتات وجيادهم وجيف رفاقهم الهالكين.
لم يعثر الأربعة على مدائن الذهب فقرروا العودة إلى سفنهم التي بقيت في خليج بامبا بعد عناء طويل. لكن المفاجأة كانت في انتظارهم..! لقد اختفت المراكب والسفن، وحتى الرجال الذين تركهم دي فاكا في الخليج..!
بقي الناجون عاما كاملا تائهين مجددا داخل العالم الجديد إلى أن وقعوا في أسر إحدى قبائل الهنود الحمر وظلوا خمس سنوات في سجنهم.
عاملهم السكان الأصليون باحترام وبكل طيبة، وقدموا لهم الطعام والشراب حتى عام 1534 حين هرب الأربعة من الأسر عند غياب السكان عن قريتهم..
بدأت رحلة جديدة حيث عبروا النهر الكبير ومروا بالعديد من القبائل واستغلوا معرفتهم بأمور الطب لينجوا بأنفسهم..
عالجوا من خلال هذه المعرفة العديد من السكان المرضى، ونالوا شهرة بين القبائل، وخصوصا الفتى استيبانيكو حتى أطلق عليهم الهنود لقب (أبناء الشمس) في اعتقادهم أن ما كان يفعله الأربعة كانت معجزات…
في 1536م وصل الناجون الى احدى الحاميات العسكرية الاسبانية جنوب أمريكا ( المكسك حاليا). وبعد علمه بما حدث معهم استغل النائب مندوسا هذا الأمر فأرسل بعد ثلاث سنوات (1539) استيبانيكو ذو الشعبية الكبيرة للبحث عن مملكة سيبولا التي تضم مدائن الذهب السبع رفقة راهبين ليكون هو الدليل. ونظرا لهذه الشعبية رافقه المئات من السكان الأصليين ليرشدوه إلى تلك المدائن.
وعند وصوله الى هناك كانت دهشته كبيرة عندما عرف أن الأسطورة التي سمع عنها لم تكن سوى مدن من الطين و الحجارة وليست من الذهب و الفضة..
لقد انتهت رحلة استيبانيكو بمقتله، ولايزال الخلاف قائما حتى الآن حول سبب و كيفية مقتله، ليستغل النائب مندوسا هذا الجانب ويشن حربا على الهنود الحمر بهدف نشر المسيحية و توسيع مملكة اسبانيا، وقد أدى هذا القرار إلى إبادة الآلاف من السكانـ وكانت تلك الحرب من أكثر الحروب بشاعة ودموية في تاريخ البشرية، وظل استيبانيكو للأبد مجهول الاسم والقبر.

أصل الأسطورة

ما توصل إليه الباحثون حول حقيقة أسطورة مدائن الذهب السبع ترتبط بالأسطورة البرتغالية الأصل بحقبة الفتح الإسلامي لشبه الجزيرة الايبيرية.
ويحكى أنه عندما فتح المسلمون الأندلس في أوائل القرن الثامن للميلاد، اعتقد الأسقف الكبير لمدينة بورتو البرتغالية أن الجيوش الإسلامية إذا وصلت إلى المدينة ستنهب كل كنوز الكنائس. لذا قام هذا الأسقف بجمع كل نفائس الكنائس البرتغالية مع ستة أساقفة آخرين، ثم ركبوا البحر على متن سفن، ومعهم مجموعة من السكان، وحملوا المؤونة وكل ما يحتاجون إليه في رحلتهم المجهولة والتي أرادوا منها أن يبتعدوا أكثر فأكثر عن البرتغال لإنقاذ الكنوز من يد المسلمين..
بعد عدة أسابيع وسط المحيط وصلوا الى البر (العالم الجديد)، فاعتقدوا أنهم في ( شاطئ الجنة) فأطلقوا اسم (أنتيليا) على ذلك المكان (أنتيليا: هو الاسم الجغرافي الذي تحمله اليوم الجزر الواقعة غرب بحر الكاريبي في أمريكا الوسطى .. جزر الأنتيل..).
وتضيف الرواية التاريخية أن الأساقفة عند وصولهم أحرقوا مراكبهم حتى لا يفكر أحد منهم بالعودة إلى بلده وإخبار الجميع بمكان الكنوز.. وبعدها تفرقوا بعد توزيع النفائس بين الأساقفة، ثم ذهب كل واحد منهم مع جماعة من الأتباع وتنافسوا فيما بينهم في تشييد مدينة تكون هي الأكثر ثراءً وجمالا بين المدن السبع

كيف انتشرت الأسطورة

حين التقى المستكشفون الأروبيون بالهنود الحمر للمرة الأولى، سمعوا منهم العديد من الحكايات والأساطير عن وجود مدن من الذهب والفضة ومغارات مليئة بالأحجار الكريمة والألماس و سكان هذه المدن شديدو الثراء.
وهكذا بدأت حمى البحث عن المدائن، لكن لم يتم العثور عليها حتى وصول الفتى استيبانيكو ومعرفة حقيقتها.