أوراق مهاجر … ذكرى اغتيال المغربي إبراهيم بوعرام وتصاعد قوة اليمين المتطرف -9-

ترك مونديال روسيا لكرة القدم أجواءً وانطباعا إيجابيا عن الهجرة والمهاجرين بصفة عامة. فقد تألق ابناؤهم او وحاملو الجنسيات المزدوجة بكبريات المنتخبات العالمية، وصنعوا الفرجة بعدد منها ، سواء بالمنتخب الفائز بكاس العالم، والذي لم يتردد عدد كبير من الصحفيين ومنشطي المنتديات الاجتماعية في أن يطلقوا عليه «منتخب افريقيا وفرنسا». وهو تعبير قريب من الواقع. ومن علاقة فرنسا بمستعمراتها القديمة، منتخب بلجيكا هو الآخر كانت له نفس المواصفات بالإضافة إلى منتخب بريطانيا. وهي المنتخبات التي احتلت المربع الأخير، وكان الاستثناء هو كرواتيا باعتبارها بلدا أوربيا فقيرا في أوربا الوسطى، والذي انفصل عن يوغوسلافيا في السنوات الأخيرة ولا يسمح اقتصاده باستقبال هجرة خارجية.
هذه السنة كانت صعبة فيما يخص أوضاع الهجرة، فقد ارتفع عددهم هذه السنة بسبب استمرار النزاعات المسلحة بالشرق الأوسط وافريقيا، وكذلك استمرار الجفاف ببعض المناطق باسيا وافريقيا، مقابل وضع في اوربا تميز بسيطرة أفكار المحافظة والفاشية ووصول بعضها إلى الحكم كما حصل في إيطاليا والنمسا . صورة السفينة الإنسانية «اكواريوس» التي صدمت العالم سفينة تجوب البحر المتوسط ،محملة بالنساء والأطفال والشباب ، رفضت استقبالها عدة بلدان من القارة العجوز: إيطاليا ، مالطا وفرنسا قبل أن تأخذ الحكومة الاشتراكية باسبانيا مبادرة استقبالها، وتنقذ ماء وجه أوربا.
الهجرة اليوم ظاهرة كونية، ولا يمكننا أن نختار من العولمة فقط السلع ونرفض الإنسان.المغرب بدوره اختار الطريق الصحيح، ورغم أنه مازال بلدا مصدرا للكفاءات البشرية ،فإن اقتصاده اليوم في حاجة إلى بعضها سواء من افريقيا أو آسيا.

عادت تيارات اليمين المتطرف إلى البروز على الساحة السياسية الفرنسية تزامنا مع الاحتفالات النقابية لفاتح ماي الأخيرة ،لتستعرض قوتها وتقوم بعمليات استقطاب واسعة للمزيد من الشباب.
هذا التحرك، يتزامن مع الذكرى 23 لاغتيال المهاجر المغربي إبراهيم بوعرام بباريس سنة 1995 من طرف حليقي الرؤوس ، الذين كانوا يشاركون في استعراض للجبهة الوطنية العنصرية، قرب قنطرة لاكاروسيل بنهر السين، بمناسبة فاتح ماي، حيث تم رموه بالنهر ولاسبب سوى سحنته الأجنبية، في اللحظة التي كان فيها فوق قنطرة النهر يتأمل هذه النماذج البشرية القادمة من تظاهرة عمالية.
أهم العمليات التي قامت بها هذه المجموعة الفاشية مؤخرا، كانت رمزية لإغلاق أحد المعابر الحدودية الفرنسية مع إيطاليا،وما يسمى عملية «كولد يشيل»بجبال الألب الفرنسية في 22 من أبريل الأخير، من «أجل وقف الهجرة» التي تمر من إيطاليا نحو فرنسا، بالإضافة إلى عمليات متعددة داخل الجامعات الفرنسية من أجل تكسير الإضرابات الأخيرة التي يقوم بها الطلبة سواء بجامعة موبوليي، أو بجامعة طولبياك بباريس.وهي كلها عمليات عنيفة واستعراضية، ضد حرية التنقل أو حرية الإضراب أو القيام بعمل الشرطة ، تريد التذكير بالعودة القوية لتيارات اليمين المتطرف وتنظيم الشباب في إطار ميلشيات تمارس العنف على كل من يختلفون معها، ونخص منها تيار «جيل الهوية» بالإضافة إلى مجموعات أخرى آخرها كانت تخطط لإضرب كل ما يمثل الأقليات المسلمة بفرنسا..
يوم الاثنين 30 أبريل الأخير، دخلت هذه المجموعة المتطرفة في جدل مع وزارة الداخلية الفرنسية، حيث وضعت بيانا تعلن فيه أنها تقوم بمراقبة دخول المهاجرين على الحدود الفرنسية الإيطالية،السلطات الفرنسية أعلنت أنه تم إبعاد هذه المليشيات عن الحدود، لكن هذه المجموعة تؤكد أنها تساهم في مراقبة الحدود بجانب شرطة الحدود، ولم يتم إبعادهم من المنطقة حسب تصريحات أحد أعضائها للوكالة الفرنسية.
وبعد أسبوع من ذلك، حسب الصحف الفرنسية، ذكرت هذه المجموعة، والتي بعثت بفيديو كدليل، أنها سلمت لشرطة أربعة مهاجرين سريين، كما ذكرت أنها كانت وراء عمليات متعددة لإيقاف المهاجرين من خلال تسليمهم لشرطة الحدود.
السلطات الإدارية لمنطقة «هوت الب» قالت إن كل ذلك «مجرد عملية تواصلية … لكي يسود الاعتقاد بأن هذه المجموعة تساهم في الحد من الهجرة السرية.» ولتؤكد أن « مهمة مراقبة الحدود هي من مهام الدولة الفرنسية فقط» و»ليس من مسؤولية أي جهة أخرى «مثل مجموعة جيل الهوية «التي تدعي ذلك من خلال بيانات تصدرها للإعلام.» وطالبت هذه المجموعة بوقف هذه الادعاءات التي «لا تفيد في شيء إلا زيادة التوتر حول قضية الهجرة.»
هذا التنظيم المتطرف، رغم بيانات السلطات الفرنسية، أكد لوكالة فرانس بريس أن مجموعة تستمر في القيام بدوريات بالحدود الفرنسية الإيطالية «من أجل إيقاف وتسليم المهاجرين إلى شرطة الحدود الفرنسية».
الجمعيات التي تدعم المهاجرين من جهتها، تعتبر أن ما تقوم به السلطات هو انحياز. ففي الوقت الذي يتابع فيه ثلاثة فرنسيين بتهمة مساعدة المهاجرين أمام محاكم باريس، لم تقم السلطات بأي متابعة في حق هؤلاء الأشخاص الذين يقومون بدوريات في الحدود، وأي شرعية لأعمالهم هذه؟ هذه التساؤلات لم يتم إيجاد ايجابة عنها حتى الآن. ويستمر الجدل بين السلطات الفرنسية وهذه المجموعة العنصرية «جيل الهوية» التي تدعي أنها تقوم بدوريات في الحدود «لدفاع عن أوربا»، دون أن تتعرض لمتابعات، في حين تتم متابعة كل مواطن يقوم بتقديم الدعم لهؤلاء اللاجئين الذين يخاطرون بالمرور من الحدود الفرنسية الإيطالية بممرات جبلية وعرة وخطرة.وقد أبطل مؤخرا المجلس الدستوري المتابعات ضد الجمعيات والمواطنيين الذين يساعدون المهاجرين عند مرورهم بهذه الممرات.
تصاعد قوة المجموعات الفاشية بفرنسا في هذه الظرفية، لا يعود إلى تراجع قوة الجبهة الوطنية، وهو الحزب العنصري الرسمي، الذي يوجد بالبرلمان الفرنسي والأوربي والمعترف به رسميا، والذي تتزعمه مارين لوبين، التي قادت انقلابا ضد أبيها مارين لوبين وأبعدته عن التنظيم، لاختلاف التكتيكات بينهما، في عملية الاستقطاب والتعامل مع الرأي العام. هذه القوة يفسرها البعض بتراجع قوة اليمين الكلاسيكي بصفة عامة خاصة بعد إقصاء ممثل الجمهوريين فرنسوا فيون من الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بسبب الفضائح المالية، والذي لم يتلق دعم التيارات الهوياتية والمتطرفة أثناء حملته الانتخابية.
أحد المتخصصين في التيارات اليمينية المتطرفة والفاشية، الباحث الفرنسي ايغو باليطا يرى أن هذه الحركات انتعشت بفرنسا سنتي 2012و2013 بمناسبة قانون «المساواة للجميع». وهو قانون يعطى الحقوق للمثليين بفرنسا، وقد نظمت تظاهرات كبيرة ضده. وهذه التظاهرات كانت مناسبة للاستقطاب وسط الشباب المساند للأفكار المحافظة واليمينية المتطرفة، التي تناهض كل أشكال الحريات الفردية.
ما يلاحظه هذا الباحث أيضا، هو التحول الذي تعرفه التيارات اليمينية المتطرفة بفرنسا، والتي انتقلت إلى ما هو اجتماعي بعد أن كانت في عهد لوبين الأب تساند سياسة «ريغين الليبرالية الجديدة» ومعاداة تدخل الدولة. وهذه السياسة الاجتماعية اليوم، هي موجهة للفئات المهمشة من أصل فرنسي،ووفاءً لشعارها الكلاسيكي «الفرنسيون أولا».وهي أنشطة تمكنها من الانغراس في الواقع الاجتماعي من أجل تشجيع سياسة «الأولوية الوطنية»، احد الأفكار الاساسية لهذا التيار المتطرف، الذي يتهم سلطات بلاده بالعناية بالأجانب وإهمال المحليين.
هذا التوجه الاجتماعي، برز في حزب مارين لوبين في الانتخابات الأخيرة، وهو توجه بدأ مع الأب لوبين بعد انهيار المنظومة السوفياتية في عقد التسعينيات واختفاء قوة الأحزاب الشيوعية. وهي فترة بدأ فيها الحزب يهتم بما هو اجتماعي، بمعنى أن الحزب الفاشي بدا يبحث عن استقطاب ضحايا الليبرالية الجديدة من العمال الذين فقدوا عملهم ولم يستفيدوا من التحولات التي فرضتها العولمة. أما على مستوى الأفكار العنصرية، فقد تحولت معاداة السامية إلى معاداة الإسلام وكراهيته. وأصبحت الأقليات المسلمة بفرنسا وأوربا هي الهدف الأساسي، باعتبارها تهدد القيم الكاثوليكية للمجتمع وترفض الاندماج فيها بسبب ثقافتها المختلفة. وهو قميص عثمان الجديد الذي وجدته هذه الحركات الفاشية لتقوي وجودها السياسي داخل مجتمعات أوربية أصبحت خائفة من المستقبل.


الكاتب : يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 11/08/2018