التنافس الروسي – الأمريكي في سوريا حروب السيطرة على الغاز وممراته

لكل من روسيا وأمريكا مصالح في الشرق الأوسط، فقد كانت ولا زالت القوتان تتنافسان وتخوضان الحروب بالنيابة للسيطرة على المنطقة، فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، عمدت الإدارة الامريكية لتوسيع نفوذها في المنطقة، متّخذةً من ذلك احتلال العراق للكويت فرصة لها، إذ عملت أمريكا بالتعاون مع حلفائها الغربيين والعرب على إصدار قرارات من مجلس الأمن ضد العراق وفرض الحصار عليه، ووضع البلد تحت الفصل السابع من قرارات مجلس الأمن، وكان هدف أمريكا هو احتلال العراق مستغلة الفوضى وانكفاء الدولة الروسية على السياسة الداخلية بدلاً من الخارجية، وبهذا خطت الخطوة المهمة في التغلغل في دولة كانت إلى وقت قريب من الدول الحليفة للاتحاد السوفيتي، وحققت خطوتها باحتلال العراق عام 2003، بحجة أسلحة الدمار الشامل وتهديد السلم الدولي.
إلا أن المخطط الأمريكي لم يستمر بما هو مرسوم له، فمع انتهاء عهد الرئيس الروسي ( بوريس يلتسن)، وتسلم الرئيس الحالي (فلادمير بوتين) للسلطة في روسيا تغيرت المعادلة، وأصبحت روسيا تبحث عن مواقع نفوذها السابقة، فقد استطاعت روسيا وخلال عقد من الزمن أن تعيد قوتها العسكرية، إضافة إلى القوة الاقتصادية لما تملكه من ثروة النفط والغاز، خاصة وإنها الممول الرئيس للغاز لأوروبا، فقد بدأت تقف وتعارض توجهات أمريكا في الشرق الأوسط، وكانت روسيا من المعارضين لأي عمل عسكري ضد العراق أو إيران.
: تكمن إشكالية البحث في دراسة وتحليل طبيعة الدور الروسي – الأمريكي في التفاعلات الدولية الجديدة وتحديداً في سوريا، إذ إن المتغيرات الدولية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة أفضت إلى انكفاء وتراجع الدور الروسي في النظام السياسي الدولي, ومن خلال ذلك فإن الإشكالية تبحث في هل أن ذلك التنافس غايته الحفاظ على المناطق الحيوية ام تغيير النظام السياسي الدولي ؟؟  وهل التنافس بين روسيا و أمريكا غايته التعاون ام الصراع ؟؟ ما هو مستوى الدورين الروسي – الأمريكي في الأزمة في سوريا ؟ وهل سيكون لذلك التنافس انعكاس على مستقبل الأزمة السورية ؟
أولا : دور روسيا الاتحادية في سوريا
جاءت الأزمة السورية عام 2011، في محاولة من أمريكا لضرب أخر قاعدة ومركز استراتيجي مهم لروسيا في المنطقة، فقد تخلت روسيا ولأسباب عديدة بعضها داخلي وأخر خارجي عن نفوذها في اليمن الجنوبي، والعراق، وليبيا , ولم يبقى لها سوى سوريا، بالنظر إلى الروابط العسكرية بين روسيا وسوريا، وهي الروابط التي تعود إلى الحقبة السوفيتية، حيث تعمل منذ فترة طويلة في ميناء طرطوس، وقدمت للدولة السورية، ما وصفه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كميات كبيرة من المعدات العسكرية، وخسارتها تعني نفوذ روسيا في المنطقة قد حكم عليه بالموت، لهذا فان إنزال قوات روسية في سوريا مقابل الإنزال الأمريكي في غرب العراق، هو محاولة روسية لقطع الطريق على أمريكا
أزمة سوريا اليوم أمست ساحة الصراع والتنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بصورة جلية، فمنذ بداية الأزمة السورية أخذت تزداد يوما بعد أخر ساحة الصراعات، وكعادة الولايات المتحدة لم تدخل في الأزمة بكل قوتها العسكرية والعددية والتقنية بل عمدت إلى التحرك من خلال حلفائها, وهنا يأتي الدور التركي هذه الدولة صاحبة الحدود الجغرافية الأطول مع سوريا، وتمكنت تلك القوتين (أمريكا – تركيا) من دعم القوى التي تقاتل النظام السوري في الداخل والقادم بعضها من الخارج على شكل أفراد وجماعات إعلامياً وعسكرياً و لوجستياً
أما روسيا ومنذ بداية الأزمة دعمت بقاء النظام السوري وعللت موقفها ذلك بعدم سماحها وخوفها من تكرار تجربة ليبيا التي تدخل حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة ومشاركة تركيا فيها واسقط النظام هناك وأنتج دولة متفككة يسودها التناحر وغيرها من التبريرات ، لذلك تميز موقف روسيا بالقوة والرغبة بدخول تحدٍ مع الغرب في الأزمة السورية ، أما الولايات المتحدة الأمريكية ونتيجة استحالة استنساخ الطريقة التي قاما بها في ليبيا أقدمت على طريقة أخرى لإسقاط النظام السوري وهي دعم المعارضة السورية , وسرعان ما تفرعت تلك المعارضة إلى جماعات سلفية متشددة ومعظمها وضع على لائحة الإرهاب متمثلة في : تنظيم النصرة , داعش , جيش الإسلام , جيش الفتح و الجيش الحر، لم تستطيع تلك التنظيمات المتشددة إسقاط النظام السوري بسبب الدعم العسكري الروسي والإيراني المتواصل لحكومة دمشق
كما لا يمكن إغفال الحرص الروسي على مواجهة التفرد الأمريكي، وسعيه لعالم متعدد الأقطاب، وقد وفرت الأزمة السورية فرصة للتعبير الفعلي عن قدرة السياسة الخارجية الروسية في قيادة الأزمة لمصلحتها، و أن القاعدة البحرية في سوريا (طرطوس) تُعد القاعدة الوحيدة لروسيا على شواطئ البحر المتوسط ، بالإضافة لقاعدة حميميم الجوية التي تستغلها القوة الجوية الروسية, وهاتان القاعدتان موجودتان عملا باتفاقية قديمة بين البلدين تعود لعام 1971 ، ولكن استمرارها كلف روسيا إعفاء لسوريا من ديون بلغت 9,8 مليارات دولار عام 2006 . ينظر الشكل رقم (1)
تخوفت روسيا من فقدان قاعدتي (طرطوس وحميميم) في حال تخليها عن النظام السوري ، وفقدان سوق رائجة لمعدات التسليح الروسية، حيث تُعد سوريا إحدى الدول المهمة للسلاح الروسي، إذ شكل نصيب سوريا من تجارة روسيا العسكرية حوالي 7% عام 2010 ، والتي بلغت 700 مليون دولار، مما يجعل قيمة المبيعات العسكرية لسوريا خلال الفترة من 2006 – 2013 حوالي ثمانية مليارات دولار
وقد ساهم الدعم الروسي في منع التدخل العسكري الدولي في سوريا، حيث اعترضت على جميع قرارات مجلس الأمن الهادفة إلى إدانة أو فرض عقوبات على النظام السوري ، بالإضافة إلى الاتهامات الدولية باستخدامه السلاح الكيميائي ضد المدنيين في الغوطة الشرقية , من خلال تقديم مبادرة لنزع السلاح الكيميائي السوري .
في يوم الثلاثاء 4 نيسان 2017 , وقع هجوم كيميائي على خان شيخون في ريف إدلب التي تسيطر عليها قوات معارضة للحكومة السورية , يعتقد أنه من تنفيذ الحكومة السورية , و تختلف الآراء حول مصدر الغازات السامة بعد وقوع القصف؛ حيث تقول المعارضة السورية أنه تمّ استخدام غاز السارين في القصف والأعراض التي يعاني منها المصابين ترجح ذلك ، بينما فرضت وزارة الدفاع الروسية أن طائرات سلاح الجو السوري قصفت مستودعا للذخائر يحتوي على أسلحة كيميائية ومعملا لإنتاج قنابل تحتوي على مواد سامة، في حين رفضت فرنسا على لسان مندوبها لدى الأمم المتحدة “فرانسوا ديلاتر” الرواية الروسية , وفي يوم 7 نيسان 2017، قصفت الولايات المتحدة الأمريكية مطار الشعيرات العسكري ردًا على الهجوم الكيميائي.
رفضت روسيا مجدداً مشروع قرار تقدمت به كل من فرنسا والسويد وبريطانيا ، بطلب رسمي إلى المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة و الرئيسة الدورية لمجلس الأمن السفيرة “نيكي هايلي” ، من أجل عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن بشأن الهجمات الكيميائية التي وقعت في إدلب , يتهم الحكومة السورية بشن الهجوم الكيميائي على بلدة “خان شيخون” بريف إدلب السورية ، والذي راح ضحيته مئات القتلى والمصابين, فيما أصدرت الخارجية الروسية بياناً تقول فيه : “إن موسكو لن تقبل أبدًا بمشروع القرار البريطاني والفرنسي حول الأسلحة الكيميائية في سوريا , وهذا المشروع يحمل طابعًا معاديًا لسوريا، ويمكن أن يجعل العملية التفاوضية غير ممكنة.
لذلك نجد ان الدور الروسي في سوريا اشتمل على :
1- دعم الحكومة السورية عسكريا , من خلال الدخول المباشر كقوة عسكرية متمثلة بسلاح الجو الروسي , فضلا عن الإمدادات بالسلاح والعتاد والأجهزة العسكرية المتطورة وبالتعاون مع الحلفاء ( إيران , حزب الله اللبناني).
2- دعم الحكومة السورية سياسياً , بالتعاون مع الصين من خلال إيقاف القرارات الدولية وخصوصاً قرارات مجلس الأمن في ما يخص الشأن السوري , بواسطة حق النقض (الفيتو) .
3- الحرص على عدم سقوط النظام السوري قبل الأزمة وأثناءها, و يمثل عكس ذلك بالنسبة لروسيا بمثابة ضربة خطيرة لهيبتها الدبلوماسية في العالم .
4- دعم الحكومة السورية اقتصادياً , من خلال إعفاء جزءٍ كبيرة من الدين السيادي السوري وتقديم المعونات المالية بمشاركة إيران.
ثانياً : دور الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا
اتجهت الولايات المتحدة في عهد الرئيس “أوباما” منذ بداية الأزمة السورية للدخول في تطورات الأوضاع بسوريا من خلال إتباع “استراتيجية تمكين المعارضة” لتكون بديلا عن الأسد، حيث كان يسيطر داخل الإدارة الأمريكية اعتقاد بأهمية الترتيب لمرحلة ما بعد الأسد، وكيفية تجنب تكرار سيناريو العراق، من خلال تجنب انطلاق عمليات انتقام طائفية قد تشهدها سوريا في حال سقوط الأسد , وتنفيذاً لتلك الإستراتيجية قامت الولايات المتحدة بتقديم مساعدات عسكرية محدودة للمعارضة المسلحة السورية، وتواجدت مجموعة من الاستخبارات الأمريكية في تركيا للتأكد من عدم وصول هذه الأسلحة للقاعدة .
كما أصبح هناك حرص أمريكي في عدم تبني خيار التدخل العسكري في سوريا بسبب التجربة السابقة في كلٍّ من أفغانستان والعراق وليبيا، و إعراض الرأي العام الأمريكي، فضلاً عن معارضة كل من روسيا والصين وإيران
ولم تعترض الولايات المتحدة على تسليح من تسميهم “المعارضة السورية” من خلال كلٍّ من قطر والسعودية عن طريق تركيا , حيث تتواجد القاعدة العسكرية الأمريكية
ومن الواضح أن التفضيلات الإستراتيجية في السياسة الأمريكية تجاه سوريا أصبحت تتمثل في أن الطريق الوحيد للخروج من هذا الصراع هو مفاوضات بين المعارضة والنظام ، ووافقت الولايات المتحدة بجهود الوساطة الروسية من خلال منتدى موسكو وجهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة “ستيفان دي ميستورا” ، وتحجيم التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود ضمن سوريا , مركّزةً الجهودُ في تدريب وتجهيز المقاتلين من المعارضة السورية على الأراضي الأردنية و التركية, على أن يتم استكمال هذا البرنامج في دول أخرى هي قطر والسعودية .
تولّت الولايات المتّحدة وفرنسا قيادة التحرك السياسيّ الغربيّ في التعاطي مع الأزمة السورية ، إلّا أنّ ردودهما تميزت بالتباطؤ خاصّة في المراحل الأولى للازمة ، كما كانت تجاه معظم ثورات الربيع العربيّ , كانت إدارة الرئيس أوباما منشغلة تماما بموضوع إتمام الانسحاب من العراق والخروج من الأزمة المالية التي شلّت الاقتصاد الأميركيّ والغربيّ عموما، وعندما اندلعت الأزمة السورية، لم تُخفِ واشنطن خشيتها من انعكاس حال عدم الاستقرار في سورية على وضع قواتها في العراق ، لذلك كانت تفضّل تحقيق أكبر قدرٍ من الهدوء الإقليمي حتّى تتمكّن من إنجاز سحب قواتها، ما يفسّر تلكّؤها الدخول في الأزمة السورية لتغيير موازين القوى الإقليمية، على الرغم من الدعوات العديدة من داخل واشنطن والعالم العربيّ للقيام بذلك.
شهدت الأزمة السورية حالة من التحيّز الإقليمي والدولي، ويعود ذلك إلى أنّ سورية تشكّل أهمية في توازناتٍ إقليمية دقيقة، فأيّ طرفٍ يسيطر على الملف السوري يكون قد غير ميزان القوى لمصلحته، حيث تقع سوريا على تخوم الملفّات الثلاثة الساخنة في المنطقة (العراق، ولبنان، وفلسطين)، وهي تؤثّر وتتأثّر بها بقوّة ، كما أن توازن قطبي منطقة الشرق الأوسط (تركيا، إيران) يعتمد على مصالح كل منهما، حيث تشترك تركيا مع سوريا بحدود دولية تبلغ حوالي 822 كلم , بينما تشترك إيران مع سوريا بمعاهدات استراتيجية ومصالح مشتركة تمثل العمق الاستراتيجي لكل منهما، ومثّل ذلك دافعًا أمريكياً لإدارة أزمتها والتقرب منها بحذر، بالإضافة لأسباب عديدة منها: الأزمة المالية العالمية حينها، وعدم الرغبة بالتورط في حرب مباشرة جديدة
إن الإنفاق العسكري الأمريكي قد أدى إلى دخول الولايات المتحدة في حالة من التردي الاقتصادي، وهذا الإنفاق نجم عن رغبة التوسع في العالم واتساع التزاماتها طبقاً لهذه الرغبة، إلى درجة لم يعد بإمكان الولايات المتحدة تحملها اقتصادياً، مما أصاب قدرات الولايات المتحدة الأمريكية العسكرية بالضعف في الدخول بالنزاعات و الأزمات الدولية
وقد تراجع الملف السوري في نهاية 2015 على سلم أولويات الولايات المتحدة، مقابل اهتمامها بملفين آخرين هما الملف النووي الإيراني، ومكافحة الإرهاب من خلال قيادتها التحالف الدولي ضد تنظيم داعش في العراق.
لذلك أصبح خيار “قيادة العالم من الخلف” تكتيكاً أمريكياً قابلاً للتطبيق،  وينطبق ذلك على إدارة الأزمة السورية “عن بعد” فبدلاً من التحشيد العسكري في الميدان، اصبح بالإمكان تحريك الحلفاء الأقرب ألى الأزمة وإدارتها من خلالهم، ويطرح الكاتب “ايمانويل تود” نموذجاً لتفسير السلوك الدولي الجديد للولايات المتحدة واصفاً إياها بأنها لا تعاني من فرط القوة، و إنما انخفاضاً في قوتها ويقدم رؤيته بأن القوة الأمريكية في تراجع و أن مراكز القوة في العالم تتعدد فضلا عن التكتلات الإقليمية التي لا تجد جدوى من وجود مركزية للولايات المتحدة على المستوى العالمي.
ويعد تكتيك “قيادة العالم من الخلف”, مرتبطاً بشكل طفيف مع استراتيجية الانكماش التي تتبناها الإدارات الأمريكية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة،  الهدف من ذلك هو تقليص الإنفاق العسكري والخسائر في المعدات والأفراد، لكنه يترك ثغرة تستغلها القوى المناوئة في ملئ الفراغ الناتج عن عملية الانكماش الأمريكي قد تتسبب في تمدد نفوذ تلك القوى في مناطق الصراع , انعكس ذلك على النفوذ الروسي داخل الأزمة السورية التي تعد مرتكزا أساسيَا للنفوذ والسياسة الخارجية الروسية داخل منطقة الشرق الاوسط، لذلك تهدف خطة القيادة من الخلف إلى عرقلة أية محاولات روسية، التوسع داخل المنطقة وملئ الفراغ الناتج عن تنفيذ استراتيجيه الانكماش الأمريكي .
وبذلك نجد أن الدول المؤثرة في الأزمة السورية والتي تتماهى مع الجانب الأمريكي، لم تكن سوى أدوات تم استخدامها للتأثير في مسار الأزمة وإدارتها، كالسعودية وقطر وتركيا والأردن، من خلال التمويل والتدريب للمعارضة المسلحة،  أو إيواء المعارضة السياسية، بمعنى أخر ان توتر حدة الأزمة أو تهدئتها كان بمتناول الدول الكبرى أبرزها الولايات المتحدة الامريكية.
لذلك نجد ان دور الولايات المتحدة الامريكية  في سوريا اشتمل على :
1- استخدام ورقة الضغط الدولية في مجلس الأمن للتدخل الدولي في سوريا، خصوصاً في قضية الهجمات الكيمائية في سوريا ضد المدنيين .2- الترتيب لمرحلة ما بعد الأسد، ووضع إستراتيجية تجنب تكرار سيناريو العراق في الحرب الطائفية .
3- دعم المعارضة السورية لوجستياً بالسلاح والعتاد والتدريب .
4- تصعيد حدة الأزمة السورية لفرض الشروط الامريكية , وانعكس ذلك على توتر العلاقات الثنائية مع روسيا .
ثالثاً : التنافس الروسي – الأمريكي في سوريا
التنافس الروسي الأمريكي في المنطقة لم يأتي من فراغ، أو من اجل إثبات الوجود فقط، بل له أسباب جوهرية مهمة، لها نتائج مصيرية على الدولتين، ومنها:
1- تعد المنطقة من أهم مناطق العالم لاحتوائها على أضخم المخزونات من النفط والغاز، وتحتوي على مخزون نفطي كبير جدا، وهي ممول رئيسي للنفط في العالم، اذ يصدر من منطقة الخليج ما يقدر ب(60%) من النفط العالمي، إضافة إلى احتوائها على مخزونات مهمة من الغاز الطبيعي، وخاصة في قطر, العراق وإيران، إذ إن خشية روسيا هو إن أي سيطرة أمريكية كاملة على المنطقة بما فيها سوريا، سوف يحرمها من موارد مالية مهمة تأتيها من خلال تصدير النفط والغاز عن طريق الأنابيب إلى أوروبا، إذ إن سيطرة أمريكا على سوريا يعني إن نفط وغاز الخليج سوف يصبح على أبواب الأوربيين وبأسعار تنافسية من خلال مد الأنابيب من الخليج عبر سوريا وتركيا ودول شرق أوروبا إلى باقي أجزاء أوروبا، وسوف تمتد سيطرة أمريكا على الأسواق النفطية الأسيوية، والتي اغلب دولها حلفاء لأمريكا، وهذا يعني إن الاقتصاد الروسي سوف يضرب في الصميم في حال سيطرة أمريكا على سوريا. 2- موقع سورية المطل على البحر الأبيض المتوسط ويشترك بحدود مع إسرائيل ولبنان والعراق والأردن، يجعلها ذات أهمية إستراتيجية بالنسبة لروسيا، لن تسمح بسهولة بخسارتها، حيث أن سقوط الأسد يعني خسارة حليف مهم في الشرق الأوسط، وتعود اهتمام روسيا بالمنطقة إلى العهد القيصري وحلم الوصول للمياه الدافئة في الخليج العربي، إذ تعد بلاد الشام بصورة عامة، وسوريا بصورة خاصة صلة الوصل بين الغرب والشرق، لذلك ترى روسيا إن وجودها في سوريا هو مصيري لأجل إثبات وجودها عالميا، وإقليميا، وجعلها حلقة وصل بينها وبين باقي دول المنطقة.
3- أن سوريا هي آخر حلقات النفوذ الروسي في الشرق الأوسط، لذا تحافظ روسيا وبكل قوة على الإبقاء على النظام السوري، وترفض بشدة سحب دعمها له، رغم الضغوط التي تتعرض لها من الغرب والدول العربية، الساعية إلى إنهاء الأزمة السورية سياسياً، إذ ترى روسيا إن أي هيمنة أمريكية مطلقة على المنطقة، يعني انحصار النفوذ الروسي داخل روسيا، وجعلها محاطة بدول اغلبها موالية للغرب وأمريكا، وبالتالي سوف يجعل أمنها القومي مكشوف لأمريكا، وسوف تحاصر روسيا بالقوات الأمريكية دون إن يكون لها فرصة مناورة خارجية، لهذا تحاول روسيا الإبقاء على تواجدها في سوريا لتكون قاعدة متقدمة للدفاع عن روسيا في حالة الخطر، ولو عدنا إلى الدرع الصاروخي الذي أرادت أمريكا نصبه في بولندا أو التشيك لوجدنا إن سبب فشله الرئيسي هو وجود أراضي روسية خلف هذه الدول وهي مقاطعة روسية في بحر البلطيق، مما يجعل من هذه المنظومة الصاروخية الأمريكية هدف سهل للصواريخ الروسية


بتاريخ : 14/03/2018