السينما الوطنية.. مهرجان كان، مرة أخرى !

 جهود سينما وطنية لا يبدأ من «كان»، ولكن يبدأ من قاعة وقاعات بلدها، أي من لقاء جمهورها الذي وجدت له أولا، وبه. فكون ان يكون فيلم مغربي في «كان» لن يحل ابدا معضلة التوزيع، ولا حتى مشكل الكتابة. لقد اختيرت افلام بعض المخرجين مغاربة في «كان»، ولم يغير من الوضع شيئا يذكر. قد يصبح الوضع غير ذلك عندما يكون حضور فيلم مغربي في المسابقة تعبير حقيقي على مستوى العام  لسينما المغربية، وأن يكون للمغرب، البلد المنتج الحصة الكبرى في ميزانية الفيلم، وأن تكون هناك دينامية إنتاج حقيقية قد تساعد على استغلال هذا التتويج، والقدرة على مد السوق الدولية بوتيرة مستقرة من الانتاج، كما وكيفا

 

بإيجاز، ليس من العبث أن للأفلام جينريكات في البداية، وفي النهاية، حيث من المفروض أن فيلما سينمائيا، كموضوع، يجب ان يكون مستقلا بذاته، ويجب أن يتضمن معلومات كافية عن هويته، أي عن صانعيه، والممولين، وتاريخ الانتاج، وبلد أو بلدان الانتاج، وربما حتى الجوائز المحصل عليه في بعض المهرجانات الدرجة الاولى كـ»كان» أو برلين، بالإضافة إلى أن الجنيريك في حد ذاته يصبح مجالا لاختيارات جمالية، أي ان هناك مجموعة من الاحتمالات لتصوره حسب نوع الفيلم. هل تنطبع العناوين على الصور أم نكتفي بأسماء مكتوبة بالأبيض تكتب على شاشة سوداء؟ هل يصاحب الجنيريك موسيقى أم مقاطع من الحوار، أم صمت؟ مع العلم أن أسلوب الجنيريك قد تطور مع تطور السينما، حيث أنه في القديم كان جنيريك النهاية يكتفي فقط بكلمة «النهاية» وشعار الشركة المنتجة، على أن يتم في جنيريك البداية تقديم جميع العاملين في الفيلم، والمختبر الذي احتضن أشغال ما بعد الانتاج، وتقنيي تسجيل الصوت إلى غير ذلك.
قصص أفلام هذه الفترة كانت تهيكل بنائها على لحظة النهاية. ومع تطور الزمن والسينما أصبحت نهايات الأفلام مفتوحة. لكن يلاحظ الآن أن جنيريك البداية يكتفي فقط بعرض أسماء المهام التي لها علاقة بالإبداع أو المناصب المهمة في صناعة الفيلم . وقد يلاحظ أيضا أن مع تطور السينما، ومع الزمن أن جنيريكات النهاية غدت أطول. لا لأنه وقع تغيير في عدد العاملين في الفيلم، ولكن لأن النموذج الاقتصادي الذي يميز تمويل الصناعة السينمائية قد تغير، حيث لم يعد إنتاج فيلم يتطلب منتج يمول الفيلم من ماله ومن أي مصدر آخر، ولكن أصبح المنتج هو فقط المبادر في العملية الانتاجية، وحامل المشروع، ومسؤول عن التركيبة الإنتاجية للفيلم، حيث أن تمويل فيلم أصبح يتطلب متدخلين كثيرين مهنيين (منتجين) أو مؤسسات حكومية منتخبة، ومنتجين مشتركين، وموزعين، والقنوات التلفزيونية، وصناديق تمول بعض المهرجانات… انضافت أيضا إلى جنيريكات النهاية فقرة التشكرات التي لم يكن لها أثر في السينما الكلاسيكية.
إن تطور جنيريك الأفلام هو تعبير عن تطور السينما وتطور نمطها الاقتصادي، وهو الجزء الذي لا يمكن اغفاله في مقاربة الفيلم . وبالنسبة للمتتبع العارف بمجريات الأمور، فالجنيريك يتضمن أسرار صناعة الفيلم، وطرق تنفيذه، والمدة التي استغرقها التحضير له، اي أنه مثلا كلما تعدد المتدخلون من الناحية الانتاجية كلما استغرقت مرحلة التطور فترة طويلة، وربما يضمن حتى معلومات قد تهم الفيلم من الناحية السياسية أيضا في حالة وجود مساهمة لمؤسسات حكومية ليس من اختصاصها دعم السينما، أو شكر خاص لمسؤولين كبار في الدولة.
ربما قد يتساءل القارئ عن سر تناول هذا الموضوع في هاته الآونة بالذات، والتي تتزامن مع مهرجان «كان» الدولي على الأقل في لحظة كتابة هذه السطور، والذي تصاحبه منذ مدة تعليقات وكتابات وتقاسم المقالات على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي في غالبيتها، وبنوع من الانبهار تتأسف عن عدم مشاركة الفيلم مغربي في إحدى المسابقات، والمعني ليس مخرجين تعطى لهم الجنسية بمناسبة التميز في إحدى التظاهرات، ولكن صنف المخرجين المقيمين بالمغرب المتاحين لهؤلاء المهتمين، أي الفاعلين الحقيقيين في المشهد السينمائي الوطني بأفلامهم، وحضورهم لإنجاح التظاهرات السينمائية، ومساندة بعض الجمعيات الانسانية …أي ببساطة مواطنون والدليل أن هناك مخرجة من أصول مغربية تشارك في فقرة « نظرة ما».
أولا، قبل أي تقييم أو حكم من المفروض قراءة جنيريكات الأفلام التي يتم اختيارها في إحدى مسابقات هذا المهرجان أو ما يماثله في الدرجة، لمعرفة أن مخرجا مستقلا يصنع فيلمه بدون إنتاج مشترك أوروبي في الغالب، أو ليس أوروبيا، أو موزعا مسبقا من طرف كبريات شركات التوزيع الأوروبي، لن تجد له اثرا في المسابقة، ولو تألق فنيا.
ثانيا، الأفلام التي تشارك في كان وبرلين وفينيسيا وغيرها لا تشكل حتى واحدا في المئة من الانتاج العالمي، وبالتالي لا يمكن اعتبار أن الابداع يقتصر فقط على الأفلام التي تحمل علامة هذه المهرجانات.
ثالثا، تشكل المهرجانات بكل درجاتها، وسيلة لتقريب الفيلم من جمهوره، أي نشر السينما، ولا توجد للإقصاء، وليست هي الوسيلة الوحيدة، ولا أعتقد أن إنسانا يعشق فيلما لأنه فقط عرض أو نال احدى الجوائز في المهرجانات العالمية.
رابعا، اللجان التي تلقى على عاتقها مهمة اختيار الافلام لمسابقات هذه المهرجانات ليست مكونة من أشخاص لهم ذوق معين وتوجه يختارون وفقه، وليسوا بالضرورة موضوع إجماع، وقد يتعارض اختيارهم، وتوقعهم مع لجان التحكيم لنفس المهرجانات، أو مع الرأي العام المتابع لها.
خامسا، لقد اتفق المتتبعون الذين يتمتعون بقليل من الوعي النقدي لمهرجان «كان» في العشر سنوات الاخيرة، أن المسابقة الرسمية لم تعد تأتي بالجديد لأن نفس الأسماء بدأت تتكرر، ولا يكلف المهرجان أو ادارته الفنية عناء المغامرة للانفتاح على الجديد. وهذه مسألة بدت بديهية حيت تتراوح المسابقة بين أسماء فرضت نفسها في نهاية السبعينات إلى بداية الثمانينات وبين جيل جديد من المخرجين وجدوا لذلك، أي جزء منهم تصنع افلامهم خصيصا لإحدى هذه المهرجانات وتُختار على الورق أو في صالات المونتاج، أو يكونوا مرشحين قبل حتى اختيارهم، أي أن اختيارهم يكون بشكل ما متوقعا، ولا يشكل أبدا مفاجأة.
سادسا، من المفروض أن الثقافة السينمائية يجب أن تذهب ضد تيار البهرجة، وهذا الفكر الشمولي الذي أصبحت تنتجه هذه التظاهر الكبرى والتي أصبح عند البعض تحسم النقاش نحو المطلق إلى حد أنه يصبح ممنوعا، وأن يطبعها الوعي النقدي أكثر من الانبهار، وتعويض نجوم التمثيل بمخرجين نجوم ينظر إليهم على أنهم ليسوا بشرا، والمهم أن تصبح الثقافة السينمائية مُعَوْلَمة بشعارات رنانة تحاول أن تظهرها بصورة مغايرة، وتسير في مسار اقصاء طبيعي لمن ليس له وسائل الضغط لفرض وجوده بها، وحصر الابداع في اعتراف مؤسسات المهرجانات الكبرى .
سابعا، وجهود سينما وطنية لا يبدأ من «كان»، ولكن يبدأ من قاعة وقاعات بلدها، أي من لقاء جمهورها الذي وجدت له أولا، وبه. فكون ان يكون فيلم مغربي في «كان» لن يحل ابدا معضلة التوزيع، ولا حتى مشكل الكتابة. لقد اختيرت افلام بعض المخرجين مغاربة في «كان»، ولم يغير من الوضع شيئا يذكر. قد يصبح الوضع غير ذلك عندما يكون حضور فيلم مغربي في المسابقة تعبير حقيقي على مستوى العام لسينما المغربية، وأن يكون للمغرب، البلد المنتج الحصة الكبرى في ميزانية الفيلم، وأن تكون هناك دينامية إنتاج حقيقية قد تساعد على استغلال هذا التتويج، والقدرة على مد السوق الدولية بوتيرة مستقرة من الانتاج، كما وكيفا.
ثامنا، اختيار الأفلام للمهرجانات الكبرى كـ»كان» لا يتم بالشكل المعروف والمعلن، أي ان تبعث فيلما، ويتم مشاهدته من طرف شخص أو لجنة، وبعد ذلك يتم اختيار الافلام المشاركة نظرا لحجم المهرجان أي ان الاختيار يتم عبر قنوات اخرى من بينها الرهان على اسماء معروفة كما سبق الاشارة لذلك أعلى هذا المقال، التي أصبح لها اشتراك غير محدود مع المهرجان، بغض النظر عن مستوى الفيلم مقارنة مع الافلام السابقة لنفس المخرج.
ختاما، وجود سينما وطنية لن يكون نتيجة إرادة «تيري فيمون» مدير مهرجان «كان» أو غيره، ولكن هي إرادة المغاربة كدولة، ومهنيين وكمواطنين/متفرجين. لنا نحن أولا أن نصنع، وننحت رموزنا دون أن يملي علينا أحد شروطه، ودوقه وسياسته، ولا يبقى لنا في الأخير إلا السمع والطاعة. من المفروض أن ننطلق أولا من الصورة التي ننتجها عن ذواتنا، و ليس الصورة التي ينتجه عنا الاخر أو نصنع صورة كما يريدها الاخر.
إذا كان يهمنا فقط الاختيار في مهرجان «كان»، فأعتقد أن لائحة الافلام التي اختيرت بين فقرة «نظرة ما» و المسابقات الأخرى، ومنها من حصل على الجائزة طويلة، ربما عدد هذه الافلام يتجاوز عدد افلام مشاركة دول لها صناعة سينمائية اكثر من المغرب . اننا نعرف ولا نريد ان نعي ذلك ان هاته الافلام في حقيقة الامر لا تمثل السينما المغربية ولا المغرب إلا بجنسية مخرجها أو فقط بالأصول بدرجة «ريحة الشحمة في الشاقور».
إن وجود سينما وطنية ليس مسألة اختيار في هذا المهرجان أو ذاك ولكنها قضية وجود صناعة وطنية وتقاليد انتاج بكل المقاييس، والأهم وجود نوع من التنافسية في السوق الداخلي أولا ثم افقيا وجود سياسة ثقافية للبلد ترسم الملامح العامة لاحتياجات البلد والشكل الذي نريد ان تكون عليه ثقافتنا. وجود سينما وطنية ليس مسألة تألق هذا أو داك أو تبني في اخر لحظة لكنها مسألة ارادة جماعية ، فكرة يلتف حولها الجميع، يؤمن بها، يناضل عليها بشكل يومي، لن اضيف يضحي من أجلها لأن ذلك اصبح مضحكا في زمننا، وأعتقد وبنوع من اليقينية أن سينمانا بالشكل الذي هي عليه الآن تنقسها الفكرة.
في غياب ذلك نحترف طرح الاسئلة الخطأ، نخلط بين المشكل والاشكال، يتداخل ما هو قانوني مع ما هو ابداعي، يتداخل النفسي مع الموضوعي ويصبح محددا له، نعتقد أننا ننتقد العمل ولكننا في الحقيقة الساطعة ننتقد الشخص. مرة أخر السؤال المغلوط لا يحتمل جوابا صحيحا.


الكاتب : محمد الشريف الطريبق

  

بتاريخ : 26/05/2018

أخبار مرتبطة

  بالنسبة لقارئ غير دروب بالمسافات التي قطعها الشعر المغربي الحديث، فإنّه سيتجشم بعض العناء في تلقّي متن القصائد الّتي

« القصة القصيرة الجيدة تنتزعني من نفسي ثم تعيدني إليها بصعوبة ، لأن مقياسي قد تغير ، ولم أعد مرتاحا

أكد على أن تعامل الحكومة مع القطاع ومهنييه يساهم في اتساع دائرة الغموض والقلق   أكد ائتلاف يضم عشر جمعيات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *