الفن والثقافة في مواجهة اللامسؤولية

شهدت طريق الرماني” حادث سير خطيرة كان ضحيتها مجموعة من الفنانين المغاربة أبناء الوطن البررة، بعد عرضهم لعمل مسرحي بمسرح محمد الخامس، من بنيهم جمال إبراهيمي الذي توفي وكان الفقيد قيد حياته يعمل حارس أمن خاص بدار الثقافة بمدينة بني ملال، وعبد الهادي الفلالي وهو ابن نفس المدينة الذي أصيب إصابة بليغة، حيث تعرض لكسر في الفقرة الثالثة بعموده الفقري وخضع لعملية جراحية ولا يزال سيخضع لثانية، ويحتاج لمصاريف العلاج، وعندما تتمعن في صورة الفنان الفيلالي تظن بأنها صورة لفنان له مكانته المعنوية والمادية، لكن للأسف الفيلالي نموذج عما يعانيه بعض الفنانين المغاربة وهذه المعاناة تذهب معم في غالب الأحيان إلى القبر، لا لشيء إلا لأنهم لم يجدوا يدا (طاهرة ) خفية تدفع بهم نحو الأمام، بالمقابل نجد أشخاصا آخرين ينعمون في خيرات هذا البلد طولا وعرضا ويورثونها لأبنائهم وأحفادهم…
وأنا أتابع قضية عبدو الفيلالي كنموذج للفنان المغربي المهمش، توصلت إلى وضعية مزرية جدا يقشعر لها البدن. وقد جاء على لسان أحد أقربائه وهو أخ الفنان، حيث قال”الحمد لله تلقينا بعض المساعدات المادية من بعض الفنانين مشكورين، كما أنه لولا بطاقة المساعدة الطبية “الرميد” التي توجد لدى آخي لدفعنا أكثر من 4500 درهم لمستشفى السوسي بالعاصمة الرباط”. !!! بل أكثر من ذلك لم يتلق أي مساعدة من بلدية بني ملال، ولم يحصل حتى على سيارة إسعاف تنقله من المستشفى لبيته بعد مكوثه لأسابيع بجناح الأنف والأعصاب بمستشفى السويسي، لولا تبرع بلدية مدينة تمارة بذلك.
فإذا كان رجل ذو 43 سنة أفنى أجمل سنوات شبابه في التمثيل على خشبة المسرح والمشاركة في أفلام سينمائية “بهوليود المغرب” مدينة ورزازات، لا يجد ما يعالج به نفسه، فماذا يمكن أن نقول عن أخيه الذي يعيش على ما تنتج يده من بعض المنتوجات الفلاحية وغيرها، والتي تأخذ كل وقته مقابل ثمن لا يساوي حتى نقود جيب يومية لآخرين.
قد عانت أسرة الفنان معاناة كثيرة أثناء تواجده بالمستشفى لاسيما أنه أب لثلاثة أبناء والمعيل الوحيد لعائلته والتي تتضمن الأم والزوجة والأخ الأصغر، فهذه حالة إنسانية خاصة بطلها شخص ناضل من أجل تمثيل بلده في مختلف الأعمال الفنية دون الحصول على مقابل ودون أن يخوض أي شكل احتجاجي أمام المؤسسات الوطنية، لانتزاع حقوقه كفنان قدم الكثير وهو الآن يمكن أن يصبح مقعدا وصاحب احتياجات خاصة.
هذه آفة يتعرض لها الفنان المغربي لأن أي عمل فني جميل وثقافي يتم التصدي له بالمقابل يتم تشجيع الفنان المرتزق والذي يصدر ضجيجا هنا وهناك، وقد واجهنا مؤخرا أيضا قرار منع نشاط ثقافي كان من المفروض أن ينظم من طرف نادي القلم المغربي بالدار البيضاء الذي أصدر بلاغا على إثر المنع الذي تعرضت له الندوة الفكرية التي كان يعتزم عقدها يوم السبت 12 غشت 2017 بموسم الفروسية أولاد يحي لوطا إقليم بن سليمان حول مقاومة رجال ونساء الشاوية قبل عشرة ومائة سنة في التصدي للاستعمار الفرنسي، مع التركيز على دور قبيلة “الزيايدة”، كما كان من المنتظر استحضار واحد من أبناء المنطقة، المهدي بنبركة، رمزا ومفكرا إنسانيا… بمشاركة باحثين جامعيين يشتغلون على موضوع تاريخ وتراث وأعلام الشاوية منذ أزيد من عقدين ونصف العقد.
ومما جاء في البلاغ أن هناك من المسؤولين من يعتبر الثقافة بلاء كبيرا، مما يعني فشلهم في رسم خريطة نحو المستقبل. فإن تجربتنا- يقول البلاغ – عانت للمرة الثانية من المنع ببن سليمان مع أشخاص في المسؤوليات الجماعية والسلطات المحلية يدعون أن المواطنين ليسوا في حاجة إلى الثقافة، ويرفضون نزول المثقفين والباحثين من الجامعة إلى المجتمع للمساهمة، تطوعا، في تقوية الشعور بالانتماء إلى تاريخنا، وصون هويتنا الجماعية وذاكرتنا المشتركة التي تحمي وجداننا من التيبس والخراب.
وما سجله البلاغ أيضا، الاحتجاج بقوة على قرار المنع غير المفهوم وعلى هذا السلوك تُجاه رموز الفكر التنويري بالمغرب الحديث من جهة، والثقافة والمثقفين والجمعيات.
وأكثر من ذلك تتفاقم هذه الأفعال غير المسؤولة في زمن صدور أكثر من خطاب لجلالة الملك محمد السادس يؤكد من خلاله على ضرورة تحمل كافة الإدارات والأحزاب مسؤوليتها في خدمة المواطن المغربي، تحملنا بمرارة ما نعيشه داخل هذا الوطن الحبيب من تهميش ورغم ذلك نناضل ونتحمل ولم نستسلم عبر وسيلتنا الوحيدة “الكتابة” لعلها تدخل القليل من الفرح و السرور لقلوبنا بوجود بعض المنابر الإعلامية المستقلة والتي تحترم مهنتها لتنشر ما نكتب .


الكاتب : الزهرة الغلبي

  

بتاريخ : 16/08/2017