النادي السينمائي بثانوية القرويين يسمو بالنقد الفني إلى أعلى مراتبه

يعتبر النادي السينمائي بثانوية القرويين التأهيلية بمديرية فاس من أنشط النوادي السينمائية، ليس لأن المشرفة على تفعيله أستاذة ومخرجة سينمائية لها رصيد فيلمي وتجارب ومشاركات جهوية وحصدت جوائز في مهرجانات وطنية، بل لأن درس السينما  كثقافة للصورة وتجلياتها الجمالية والفنية بهذه الثانوية العريقة وصفة علمية تقدم بمعايير ثقافية وفنية، تمزج بحكمة وذكاء بين عشقها للسينما كدرس في التاريخ وخيال جامح في الأدب ونبل عريق في الفن وعشق نهم للاطلاع والمشاهدة من جهة، وثقافة المشرفة وخبرتها الواسعة في المجال الفني والتربوي من جهة ثانية.
لذلك، لا مفاجأة وطاقم القافلة السينمائية يلج فضاء الثانوية الرحب والفسيح ويقوم بتوجيه من ذ. عبد العالي المساعد محافظ متحف القرويين بزيارة متفردة لأروقة المتحف التاريخي. إن مجرد التوقف عند نفائس المتحف ومكنوناته هي استنارة من وهج  الحضارة وعبق التاريخ واستناه تطور المعنى عند الإنسان. فالمتحف المفتوح للزوار الشرفيين يعرض  أجهزة ميكانيكية من آلات النسخ والطبع وشاشات عرض من الأجيال الأولى. كما يشتمل مكتبة تاريخية تضم كتبا تراثية  ومخطوطات تاريخية تحتاج إلى الصيانة والعناية الفائقة حتى تحافظ على ذاكرتنا الجماعية، وهي رسالة إلى المديرية والأكاديمية لتوفيرالدعم المعنوي لصيانة هذا الإرث المادي وحفظ هذا الثراء الجماعي النابض بالتاريخ والحضارة . هنا وغير بعيد عن المتحف في جناح الأنشطة، تطيبنا بآيات من بالذكر الحكيم، بداية، ورفعنا العلم بالنشيد الوطني بحماس وقوفا، واستمعنا لشهادات في التعليم والتربية على المواطنة ترفع إلى العلياء نبل القيم، وتنثر في سماء المحبة بذور المحبة والجمال
بعد اقتراح طاقم القافلة عرض الشريط دون ذكر عنوانه، تم فسح باب المناقشة، حيث ضمت اللائحة الأولى أسماء 16 من المتدخلات والمتدخلين، استمعت القاعة إليهن واليهم وهم يلتقطون الإشارة بذكاء فيه الشغب المسكون بالرغبة الشديدة للمعرفة والاستيضاح. آراء تضمخت بعبير الاستكشاف والذهول تارة، وبالحنين إلى التعاطف الجارف مع  تفعيل ملكة التركيز والتأمل تارة أخرى. و قدأثيرت في هذا اللقاء السينمائي بامتياز، ومن وجهة نظر تلاميذية،  قضايا عدة تخص الفيلم القصير والتربوي منه تحديدا كجنس إبداعي فني له خصوصيته وجماليته، واعتبر المتدخلون الأفلام التربوية التي يطمحون إلى المشاركة فيها مرحلة إبداعية تمهيدية وتجريبية، مر منها العديد من المخرجين الكبار قبل انتقالهم بشكل نهائي إلى دخول عالم السينما من بابه الواسع، وكانت رغبتنا شديدة في أن نترك العنان لمخيلة شبابنا وشاباتنا لتسبح في عالم النقد الفني بدون قيود وتستشرف آفاق عوالم الإبداع والتجريب الفني بلا حواجز.
النادي السينمائي بثانوية القرويين قدم لضيوفه طبقا لذيذا يليق بمقام الفن السابع إعدادا وتقديما وتناوب تلامذته على تنشيط فقرات الحفل التربوي والفني بذكاء قيادي، فعشق السينما مبكرا، يستوجب الإلمام بثقافة الصورة وجمالية المشهد  وصفاء الروح وبهاؤها.. لذلك جاءت الإطلالات الشبابية بهية تتسم بالحيوية وحماس الروح التي  تعتبر السينما ليس مجرد فرجة وإنما مدخلا قيميا نبيلا لتخطيط  النجاح ورسم التفاؤل في الحياة.
وكان فضاء الثانوية التأهيلية القرويين قد احتضن قبل يومين أشغال المجلس الإداري للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة فاس مكناس بحضور وزير التربية الوطنية ومدير الأكاديمية والسيدتين المديرتين والسادة المديرين الإقليميين وأعضاء المجلس الإداري لجهة فاس. هذا الحراك الجهوي والوطني لم يعطل سير الدراسة التي تواصلت بشكل اعتيادي.
وأبرز الأستاذ عبد الفتاح الغزواني مدير الثانوية في كلمة له بالمناسبة أهمية السينما حين ترتبط بالتربية وسلط  فيها الضوء على تجلياتها معتبرا الصورة الهادفة في السينما مدخلا نبيلا ورافعا للتكوين والتربية  .
من جهته ألقى ذ الناظر عبد المالك بكوري نظرة مركزة على السينما والقيم والعمل الجمعوي، فيما قامت ذة مادة اللغة الفرنسية والمشرفة على النادي السينمائي بالثانوية بتوليف مجمل ماراج في اللقاء من أفكار واقتراحات في كلمة مقتضبة كثيفة ومركزة.
ومما تميز به لقاء ثانوية القرويين عرض نموذجين من الأفلام القصيرة جدا (لم تتجاوز مدة كل منهما 15 دقيقة لكل واحد) والتعليق عليهما من طرف الحضور مع الوقوف على جوانب من جمالياتهما سواء من حيث الشكل أو الرسائل التي يتوخى تحقيقها .
وقد خلص بعض المتدخلين إلى أن إنجاز فيلم قصير يتطلب فكرة تربوية ورؤية إخراجية قبل كل شيء، لأن التقنيات من السهل تعلمها، كما أكد البعض الآخر على ضرورة المشاهدة المستمرة والواعية للأفلام المختلفة الأنواع والأشكال لتغذية الذاكرة البصرية، بالإضافة إلى النهل من أدبيات السينما والارتكاز على أرضية ثقافية صلبة.
وتجدر الإشارة إلى أن تنشيط فقرات اللقاء كان تلاميذيا بامتياز، حيث ساهم حضور الأساتذة في إرساء جو من النظام والضبط  والقدرة الهائلة على الإنصات والتفاعل البناء في قاعة العرض وهو ما ساعد  بقسط وافر في إنجاح مهام القافلة السينمائية، كما  فسح المجال أمام  أعضاء النادي السينمائي وعشاق الصورة بالثانوية لإبداء آرائهم فيما شاهدوه من لقطات سينمائية وفيما راج داخلها من أفكار وتصورات واقتراحات. ما أضفى على اللقاء طابع التشويق والتفاعل المنشود في تقاسم ثقافة الصورة وتملك آليات تحليلها .
رحلة قافلة السينما التربوية بثانوية القرويين بمديرية فاس تندرج في إطار استراتيجية تقريب السينما والفيلم التربوي القصير لتلاميذ المؤسسات التعليمية بمختلف مديريات الجهة وهو محطة من برنامج سطره المركز الجهوي للتوثيق والتنشيط والإنتاج التربوي بالأكاديمية بالتنسيق مع مصلحة التواصل وتتبع أشغال المجلس الإداري بهدف دعم النوادي السينمائية بالمؤسسات التعليمية وتشجيع التلاميذ على صقل مواهبهم الفنية والرقي بها مع إغناء معارفهم ونشر الثقافة السينمائية لديهم.


الكاتب : عزيز باكوش

  

بتاريخ : 10/01/2018