امرأة الهاي وي

 

لا يهمها أن ترى طليقها بين أحضان الأخريات. ولا تكترث لأي واحد ممن تقابلهم في حياتها…تعتزم في كل يوم جديد أن ترى الحياة كرنفالا برازيليا.. ‏كلما ازداد ابتعادها عن حقيقتها ، ازدادت كراهيتها لمن يتحدثون بالحقيقة عن حياتها…مات فيها الوفاء لشخص واحد، وتحطمت مشاعرها..تناثرت أحاسيسها خلفها..لم يتبق أمامها إلا مناداة نادل المرقص الليلي..من فضلك هات ماعندك من نبيذ جيد..أريده جيدا وجميلا ولا يشبه أيامنا هذه..لا يشبهها أرجوك..أحب أن أشرب نبيذا يجعلني أنتزع قلبي وأدفنه، ومعه كل الآلام..أودُّ لو أتقيأ قلبي..في هذه الليلة الجميلة..لي طلب آخر..‏أردت فقط أن أكون وحدي..لا ترسل أي مكبوت إلي، أريد أن أصنع سعادتي وأحتفي بنفسي بهذه البساطة، وهذا التعقيد..مفهوم ؟
– مفهوم يا آنسة.
-لست آنسة، أنا سيدة نفسي ولا أنتظر من يؤنسني أو يدنو مني..‏لعل الدرس الوحيد الواجب أن نتعلمه في هذه الحياة، هو أن نعاني دون شكوى أو ألم..أريد أن تكون معاناتي سعادة مضاعفة، ويقينا باللحظة التي أنا بصددها. اذهب من فضلك، وأحضر لي الجيد من النبيذ والطعام، ولا تنس أن تحضر قداحة جديدة غير مستعملة، أكره المشترك والمستعمل.
أنا أعرف أنه يحبني، لا ليس كما أحبه، ولكنه يحبني. إنه يردد دائماً أنه ضدي إذا شيّأته ولكنه لا يكف عن تشييئي دون وعي منه. إنه يهرب مني في وقت لا أكف فيه عن الاندفاع نحوه. إنه، رغم كل ما يقوله، مجرد تفاهة مشاعر التي تمر على السطح، وأنا أعرف أن الحياة قد خدشتنا بما فيه الكفاية لترفض مزيداً من الخدوش ولكن لماذا يتعيّن علي أنا أن أدفع الثمن؟
– تأخرت كثيرا
– معذرة سيدتي..هناك طلبيات كثيرة
-طيب..
– إنك امرأة جميلة
-وأنت إنسان حقير جدا، كيف تجرؤ على قول كلام خارج إطار وظيفتك؟..لا تهزّني عباراتك.. فأنا مليئة بالدموع.
– معذرة سيدتي
-عذرك غير مقبول..ابتعد وإلا ..
تبا لهذا النادل، كلامه معي زاد من إتعاسي وهزيمتي …كل رجل يشتهي المرأة بطريقة لا يمكن صدها وهو أمر لا حيلة لنا به، ولكنني أيضاً لا حيلة لي بأي رجل…
منذ اللحظة قررت قراءة سير هزائم الكتاب العاطفية…فالكاتب بذكائه وحسه الخارق قد تهزمه امرأة بسيطة جدا…فما بالك برجل عادي جدا.
لن يكون قراري إلا بالقدر الذي أعي به الابتعاد عن كل الناس..لأنني كنت أدفع معهم ثمن تفاهتهم..اليوم لا مجال للتفاهة..الجميل أنني مازلت قادرة على البكاء، فالدموع هي خلاصي إذ أنّ هناك أوقاتا إن لم أستطع البكاء فيها فسوف أموت.


الكاتب : عمر العسري

  

بتاريخ : 20/09/2019

أخبار مرتبطة

  بالنسبة لقارئ غير دروب بالمسافات التي قطعها الشعر المغربي الحديث، فإنّه سيتجشم بعض العناء في تلقّي متن القصائد الّتي

« القصة القصيرة الجيدة تنتزعني من نفسي ثم تعيدني إليها بصعوبة ، لأن مقياسي قد تغير ، ولم أعد مرتاحا

«هَل أنا ابْنُكَ يا أبي؟» مجموعة قصصية جديدة   «هَل أنا ابْنُكَ يا أبي؟»هي المجموعة القصصية الثالثة لمحمد برادة، بعد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *