بعد النصر على الدولة الإسلامية في الرقة.. الأكراد أمام سلام معقد

سيكون على الجماعات الكردية التي قادت المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة معقله السابق أن تخوض بحذر في عملية سلام معقدة لتفادي التوترات العرقية مع الأغلبية العربية في المدينة ولتأمين مساعدات أمريكية ضرورية.
وتواجه قوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد والتي هزمت الدولة الإسلامية أخيرا في الرقة يوم الثلاثاء عبئا ثقيلا لإعادة بناء المدينة التي حولتها المعارك المستعرة والضربات الجوية الكثيفة من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة إلى أنقاض.
ولا يقل التحدي السياسي صعوبة في مدينة تقع خارج نطاق المناطق التي يهيمن عليها الأكراد في شمال سوريا.
وسقوط الرقة، التي شهدت مواكب استعراضية بهيجة لمقاتلي الدولة الإسلامية بعد انتصارات التنظيم الخاطفة في 2014، هو رمز قوي على انقلاب أحوال التنظيم المتشدد.
وتنهار سريعا أيضا في شرق سوريا دولة الخلافة التي أعلنها التنظيم الأمر الذي يساعد الرئيس بشار الأسد وحلفاءه الروس والإيرانيين على استعادة مساحات من الأراضي.
ويقول محللون إنه في ظل درايتها بالحساسيات العرقية والقبلية في الرقة فإن قوات سوريا الديمقراطية تعمل جاهدة لوضع العرب في قلب الخطط للحكم المحلي والقيام بمهام الشرطة في حقبة ما بعد الدولة الإسلامية.
وعلى المدى القصير فإن على مجلس الرقة المدني الذي تشكل تحت رعاية قوات سوريا الديمقراطية أن يسارع بتوفير الأمن وإصلاح البنية التحتية وتقديم المساعدات لنيل تأييد السكان الذين استنزفهم الصراع وللسماح بعودة سكان الرقة إلى منازلهم.
وعلى المدى الأبعد فإن مصير الرقة السياسي مرتبط بالمصير الأكبر للحرب التي فتتت سوريا إلى مناطق على مدى السنوات الست الأخيرة بما في ذلك مناطق في الشمال تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية التي تقود قوات سوريا الديمقراطية.
وفي نهاية المطاف تريد الدولة السورية أن تستعيد السيطرة على المدينة المطلة على نهر الفرات مما يعني أن المدينة قد تصبح ساحة لصراع جديد مع دمشق أو ورقة مساومة في مفاوضات لاحقة بشأن احتمال الحكم الذاتي للأكراد.
وقال رجل من الرقة خارج مقر مجلس الرقة المدني في عين عيسى شمالي المدينة “أيا كان من سيقودنا.. سواء أكانوا العرب أم الأكراد.. نريد منهم أن يوفروا لنا الخدمات”.
وأضاف الرجل الذي كان موظفا حكوميا قبل الحرب “الأمن والأمان هما أهم شيء”. وطلب الرجل عدم نشر اسمه معللا ذلك بخوفه من الدولة السورية. مستقبل “اتحادي”؟
لم تكن الرقة هدفا لوحدات حماية الشعب في مرحلة مبكرة من الحرب لكنها أصبحت كذلك بشكل تدريجي مع ظهور الفصيل الكردي كشريك سوري أساسي للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
ويقول التحالف بقيادة واشنطن إن المقاتلين العرب الذين يحاربون تحت لواء قوات سوريا الديمقراطية شكلوا غالبية القوات في حملة الرقة. لكن بدا أن القادة والمقاتلين الأكراد من وحدات حماية الشعب المنظمة بشكل جيد هم القوة الرائدة على مدى الحملة التي استمرت أربعة أشهر.
وربما يأمل حزب الاتحاد الديمقراطي، الحزب الكردي الرئيسي في سوريا، وحلفاؤه في أن تنضم الرقة في نهاية المطاف لنظام “اتحادي” جديد من مناطق خاضعة لحكم ذاتي يعكف الأكراد على إقامته في الشمال.
لكن قادة الأكراد يقولون إن من السابق لأوانه مناقشة ذلك الآن مشيرين إلى الحساسيات المحلية والدولية المحيطة بالمشروع السياسي الذي تعارضه حليفتهم واشنطن وجارتهم تركيا.
ورغم أن أكراد سوريا يقولون إنهم يريدون البقاء جزءا من سوريا فإن المخاوف في المنطقة من النزعة الانفصالية لدى الأكراد تفاقمت منذأن صوت أكراد العراق لصالح الاستقلال مما أدى لتحرك عسكري من العراق وإجراءات صارمة من تركيا وإيران.
وتعتبر تركيا على وجه التحديد تنامي النفوذ الكردي السوري على حدودها تهديدا لأمنها وضغطت على واشنطن لكي تتخلى عن تحالفها مع وحدات حماية الشعب الكردية قبل هجوم الرقة. لكن مساعي أنقرة باءت بالفشل.
وتستضيف تركيا مجلسا مدنيا منافسا للرقة يعتبر وحدات حماية الشعب قوة احتلال أجنبية. ويقول ساسة أكراد إن مستقبل الرقة في أيدي سكانها.
قالت فوزة يوسف وهي سياسية كردية بارزة في مقابلة إنه حتى الآن لا يوجد رد فعل يشير إلى عدم القبول بقوات سوريا الديمقراطية أو مجلس الرقة المدني.
وأضافت أن قوات الأمن الداخلية ومجلس الرقة المدني هم من سيبقون في الرقة مشيرة إلى أن كل أفراد الأمن الذين يجري إعدادهم هم متطوعون من الرقة.
وقال شاهد وقادة ميدانيون إن بعض مقاتلي وحدات حماية الشعب بدأوا الانسحاب سريعا من المدينة يوم الثلاثاء وسلموا مواقعهم لعناصر غير كردية من قوات سوريا الديمقراطية. *خطر “التدخل الخفي”
طبقت قوات سوريا الديمقراطية نموذجا مشابها في مدينة منبج بشمال البلاد العام الماضي بعد أن انتزعتها من أيدي تنظيم الدولة الإسلامية.
وقال نواه بونسي كبير المحللين بمجموعة إدارة الأزمات الدولية إن مجلس الرقة المدني “لا يزال مرتبطا بشكل وثيق بهياكل السلطة في وحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي لكنهم بذلوا مزيدا من الوقت والجهد في التشديد على عدم الإقصاء أكثر مما شهدناه في بعض المناطق الأخرى”.
إلا أن خطر الاضطرابات سيظهر إذا بدا أن الجماعات الكردية تتحكم في إدارة المدينة.
وأضاف “هناك أيضا خطر التدخل الخفي من الخارج. الخلايا النائمة للدولة الإسلامية والنظام السوري قد تكون لهما مصلحة في استخدام شبكات الموالين لزعزعة استقرار الأوضاع. كل هذه المعطيات قد تؤجج التوتر العرقي”.
وقال ياسر السيد (43 عاما) وهو تاجر سيارات سابق من الرقة إن الناس “سعداء بقوات سوريا الديمقراطية الآن لأنهم تحرروا من داعش.. لكن ينبغي أن يتبع ذلك” المساعدات وإعادة الإعمار والوظائف.
ونشرت الولايات المتحدة فريقا من الدبلوماسيين في سوريا للعمل على المساعي الإنسانية وإرساء الاستقرار.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن واشنطن ستتولى زمام المبادرة في المساعدة في إزالة الأنقاض واستعادة الخدمات الأساسية.
وقالت هيذر نويرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية في إفادة صحفية “سنساعد ونأخذ زمام المبادرة في إعادة إمدادات المياه والكهرباء وكل ذلك”. لكنها أضافت “في نهاية المطاف فإن نظام الحكم في سوريا هو أمر أعتقد أن كل الدول مازالت مهتمة به”.
وقال بريت مكجورك المبعوث الأمريكي للتحالف المناهض للدولة الإسلامية في الشهر الماضي “هذا لضمان أنه بعد طرد الدولة الإسلامية ستكون لدينا الأجواء الملائمة لعودة الناس إلى منازلهم”.
لكن محللين يتساءلون إلى متى سيستمر الدعم الأمريكي.
وقال مسؤول أمريكي مشارك في عملية التخطيط لمرحلة ما بعد الرقة إن الدعم لا يمكن أن يوجه نحو “مشروع سياسي لحزب الاتحاد الديمقراطي للتوسع في تلك المنطقة من البلاد” وإن الولايات المتحدة لن تدعم “مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي لإقامة إدارة تتمتع بالحكم الذاتي”.
وذكر المسؤول الأمريكي على سبيل المثال أن المدارس لن تحصل على المساعدات إلا إذا كانت تدرس شكلا من أشكال منهج الدولة السورية وليس منهجا جديدا بالكامل. وقال “لن ندعم كيانا انفصاليا… هذا أمر محسوم”.
ورغم أن مكجورك قال إنه لا أحد ممن يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية يريد عودة سيطرة الدولة السورية فإن دمشق ربما تخطط لبسط نفوذها.
وتوقع مسؤول في الحكومة السورية أن تواجه قوات سوريا الديمقراطية مشاكل في المستقبل في الرقة والمناطق الأخرى التي يغلب على سكانها العرب في سوريا.
وقال مسؤول سوري طلب عدم نشر اسمه إن هناك تناقضا لأن القوة البشرية مع العرب بينما القوة العسكرية مع الأكراد.
لجهود أمريكية أوسع
من أرشد محمد ويارا بيومي
واشنطن 18 أكتوبر تشرين الأول (رويترز) – ربما تكون هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة معقله الرئيسي هي البداية لجهود أمريكية أكبر لاحتواء أي عمليات مسلحة للتنظيم المتشدد وتحقيق الاستقرار بالمنطقة في وقت تسعى فيه واشنطن جاهدة لوضع استراتيجية شاملة من أجل سوريا.
وأعلنت فصائل مسلحة تدعمها الولايات المتحدة النصر على الدولة الإسلامية في الرقة يوم الثلاثاء ورفعت الرايات على آخر معاقل التنظيم بعد معركة دامت أربعة أشهر. وكان التنظيم المتشدد قد اجتاح الرقة في يناير كانون الثاني 2014 وانتزع السيطرة عليها من المعارضة المسلحة المناهضة لحكم الرئيس السوري بشار الأسد.
وقال بلال صعب الباحث في معهد الشرق الأوسط إن استعادة السيطرة على الرقة لها أهمية رمزية لكن الأمر يتعلق بانتصار باهظ الثمن فمعالجة المشكلات الاقتصادية والسياسية للسنة ستكون على نفس درجة أهمية المعركة العسكرية حتى لا تظهر “دولة إسلامية” أخرى.
وكانت الرقة أول مدينة كبيرة يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلاميةقبل أن تؤدي سلسلة انتصاراته السريعة في العراق وسوريا إلى خضوع الملايين لحكم ما سميت بدولة الخلافة التي أعلنها من جانب واحد والتي سنت قوانين وأصدرت جوازت سفر وعملة خاصة بها.
وخسر تنظيم الدولة الإسلامية الكثير من الأراضي في سوريا والعراق هذا العام بما في ذلك مدينة الموصل العراقية. وفي سوريا تقهقر التنظيم إلى قطاع من وادي الفرات ومناطق صحراوية محيطة.
وقال محللون متخصصون في شؤون الشرق الأوسط إن من بين المشكلات الكثيرة التي تجلت بعد طرد الدولة الإسلامية من الرقة مشكلة توفير الأموال للمساعدة في إعادة بناء المدينة المدمرة وكيفية دعم الحكومة المحلية الوليدة في مواجهة تمرد محتمل وكيفية منع الأسد المدعوم من إيران وروسيا من محاولة استعادة السيطرة على المدينة.
وقال نيك هيراس من مركز الأمن الأمريكي الجديد “التحدي الحقيقي هو أن يتحول تنظيم الدولة الإسلامية إلى شبح منتقم يحاول التسلل لتخريب الأمن والحكم والإدارة في فترة ما بعد انتهاء الصراع من أجل تقويض الولايات المتحدة وشركائها”.
وقال مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية إن واشنطن لا تزال ملتزمة بعملية جنيف للسلام وتدعم “أوسع تجمع ممكن من ممثلي سوريا في تلك المناقشات”.
وقال المسؤول إن الولايات المتحدة والحلفاء سيواصلون تقديم المساعدات الإنسانية ومساندة الجهود الرامية لاستقرار المناطق المحررة من حكم الدولة الإسلامية “ليشمل ذلك الاستمرار في إزالة العبوات الناسفة البدائية وغيرها من المتفجرات …وإعادة الخدمات الأساسية وتجديد المدارس”.
وأضاف المسؤول أن أهداف الولايات المتحدة تتضمن “دعم هيئات الحكم المحلي الممثلة للمنطقة بقيادة مدنية وتكون جديرة بالثقة في أعين السكان”.
وأدى استخدام الأسد القوة لسحق انتفاضة سلمية ضد حكم عائلته الممتد منذ أكثر من أربعة عقود إلى تفجر الحرب الأهلية في عام 2011. وساهم الصراع في إيجاد فراغ استغله تنظيم الدولة الإسلامية ليسيطر في نهاية المطاف على أجزاء من سوريا. وتدخلت روسيا عسكريا لدعم الأسد في 2015.
وقال هيراس “التحدي الأكبر بالنسبة للرقة والشركاء السوريين المحليين الذين يحاولون إعادة بناء الرقة هو الغموض في سياسة إدارة ترامب بشأن سوريا”.
وأضاف “يتعين إرسال إشارة بأن الولايات المتحدة تنوي الاحتفاظ بقوة في المناطق التي استعادتها من الدولة الإسلامية من أجل الإشراف على مهمة تحقيق الاستقرار وأن يكون لها هدف أوسع غير معلن يتمثل في تقييد قدرة إيران على إعادة السيطرة على كل أنحاء البلاد باسم الأسد”.
وقال عدة محللين إن الولايات المتحدة ليس لديها على ما يبدو استراتيجية واضحة لإعادة الاستقرار إلى المنطقة ناهيك عن إحياء المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف بهدف إنهاء الحرب.
وقال السناتور الجمهوري بن ساس “سيطرنا على مدن من قبل وفقدناها..هذا الانتصار يؤكد على الحاجة إلى استراتيجية شاملة لسوريا”.
وقال مسؤول أمريكي طلب عدم نشر اسمه “إذا كان الروس يرغبون حقا في…عمل شيء يعيد إلى سوريا لحمتها فسنرى إن كانوا مستعدين للعودة إلى عملية جنيف”.
وأشار صعب من معهد الشرق الأوسط إلى أن النفوذ الأمريكي في سوريا ربما يكون أضعف من أن يسهم في تشكيل الأحداث.
وقال “مشاركتنا كانت وستظل دائما محدودة إلى حد كبير.. تركنا الساحة لروسيا والإيرانيين وربما فات أوان انخراطنا بفعالية”.


بتاريخ : 23/10/2017