تجهز على جيوب الاسر ومصداقية المدرسة .. هل أصبحت دكاكين الدروس الخصوصية بديلا للمدرسة؟

لماذا يهرع التلاميذ والتلميذات لمقرات الدروس الخصوصية الليلية، ولماذا تناسلت هذه الدكاكين خلسة (في النوار) ؟ وهل تضمن الحماية لمئات التلاميذ القاصرين من مخاطر الليل ؟وهل تتوفر على تأمين لحياتهم من الحوادث خصوصا وأن العديد من المدارس تستعمل النقل المدرسي ليلا ؟
كيف يستطيع التلميذ / ت ان يفهم الدرس في قاعة تضم أعدادا ضخمة في حين لايستطيع الفهم في قسمه؟ بصيغة اخرى كيف لايستطيع الاستاذ ،الذي يلجأ لهذه الدروس، شرح الدرس للتلاميذ في فصله ،بينما يتمكن من توضيحه بسهولة في مقرات الدروس الخصوصية ، مادام هو نفسه الاستاذ ونفسه الدرس؟
هل استسلمت المدرسة المغربية لتجار التعليم ليسحبوا منها البساط ويصبح كل من لايحمل شهادة يلقب بالاستاذ؟
اشكالات كثيرة ومعقدة تطرحها ظاهرة الدروس الخصوصية التي اصبحت تهدد مصداقية المدرسة الوطنية، التي من المفروض انها المعنية الاولى وبالأساس بتلقين المعرفة والعلوم على يد اساتذة مهنيين ذوو تكوين علمي وبيداغوجي يؤهلهم لذلك.لقد اصبح كل من بإمكانه أن يفك الخط أن يفتح دكانا “للرقية التعليمية ” او يكتري مدرسة تعليمية خاصة ويجلب اساتذة من المدرسة العمومية لإعطاء الدروس ويصبح من أصحاب العقارات في ظرف قصير ، تحت اعين السلطات والوزارة الوصية وبدعم من الاسر، وكأن الكل تكالب على الاجهاز على المدرسة المغربية التي اضحت في نظر الجميع “ماكتقري والو”.

“السوايع “موضة أو واقع ؟

أغلب الاسر المغربية اليوم اصبحت تضيف تكاليف الدروس الخصوصية او مايصطلح عليه في المجتمع ب”السوايع” او les cours لتكاليفها اليومية ،حتى الذين يدرسون في المدارس الخصوصية ، ويؤدون مبالغ شهرية باهظة ويتلقون تدريسا جيدا ، تجدهم يرهقون الاسر بتكاليف اضافية ركوبا على موضة السوايع ،بل تولدت لدى هذا الجيل فكرة أن من لا يأخذ دروسا خصوصية هو أقل معرفة من الاخرين وأنهم يفوقونه معرفيا وأمامهم فرص كبيرة للنجاح. كيف وصلت هذه القناعة للأذهان اليوم بان “السوايع” علامة على التفوق، في حين ان الدروس الخصوصية يلجأ اليها عادة التلاميذ الذين يجدون صعوبة في فهم الدروس بالموازاة مع زملائهم في القسم، فيستعينوا بدروس الدعم لتقوية قدراتهم وهو أمر مقبول ، وتكون في هذه الحالة دروس الدعم مطلوبة .
في الماضي كان الطالب يستحي أن يعرف أقرانه بأنه يتلقى دروساً خصوصية أو يزوره أحد المدرسين في بيته ، أما الآن فالعكس تماماً، أصبحت الدروس الخصوصية مصدر فخر ومباهاة، ونجد العائلات تتحدث عنها بتباه ، لأنها أصبحت واقعاً مفروضاً وموضة تتواطأ فيها الاسر أيضا ، يعمد اليها بعضهم طمعا في حصول ابنائه على نقط عالية ،وأخرى تجد فيها متنفسا من متاعب المراجعة في البيت . وهو أمر غير منطقي، لأن المعلم الذي يعطي الدرس الخصوصي هو نفس المعلم بالمدرسة.
هذا التواطؤ غير المعلن بين الاساتذة والتلاميذ والاسر، يطرح اسئلة كبيرة يشوبها الخوف على مصير التعليم والمعلمين والمتعلمين والأسر ، من أن تصبح المدرسة مجرد ” مركز ” لسحب الشهادة المدرسية، ويصبح الاستاذ تاجرا، والتلميذ كسلعة صينية صالحة للاستعمال مرة واحدة، تنتهي بعد الانتهاء من اجتياز الاختبار.

هي فوضى

الدروس الخصوصية أحدثت الفوضى بالمدارس، وجعلت الطلاب لا يحضرون الحصص اليومية، لأنهم معتمدون على الدروس الخصوصية، كما أنهم لا يرغبون في الذهاب للمدرسة، وحتى وإن حضروا لا يهتمون بالحصص ولا الشرح داخل الفصول، بل ينام بعضهم داخل القسم،لا يهتمون باية أنشطة، لأنه أصبح لديهم اكتفاء بما يتحصلونه من دروس خصوصية ، يخلقون حالة من الفوضى في القسم تؤثر على التلاميذ الذين يكتفون بدروس القسم.بل إنهم يخلقون حالة من الشك والتهكم في قدرات الاستاذ وطريقة شرحه وانه اضعف من استاذ الدروس الخصوصية في حالة تباه على باقي التلاميذ الذين يصبحون في حالة نفسية مهتزة ويتملكهم الشعور بالضعف .
وفي الكثير من الحالات يكون الاستاذ هو الذي يوجه تلاميذه لمقرات الدروس الخصوصية حيث يشتغل ليلا، ولا يقوم بشرح الدرس في الفصل ضاربا موعدا لهم في “السوايع” ، بينما يمتنع عن الشرح والتوضيح لباقي التلاميذ لإرغامهم على اللجوء لهذه الدروس، وفي الكثير من الحالات يجر القسم بأكمله إلى مقر عمله ليلا ،حيث يستقيض في الشرح .وللأسف هذا النوع من الاساتذة خصوصا اساتذة المواد العلمية كثير وفي تزايد.وهي صورة تسيء إلى المعلم وتفقده هيبته على اعتباره المصدر الوحيد للمعلومات التي يحصل عليها الطالب، لقد اصبح محتكرا للمعلومات يتزايد عليها في سوق الدروس الخصوصية التي ترتفع فيها الاثمنة بين الأحياء والفئات والمستوى العائلي، كله وثمنه قد تصل في البيت الى حدود 500 درهم في الحصة الواحدة للمواد العلمية مع اقتراب الامتحان ولا تنقص عن 300 و 400 درهم للحصة طيلة السنة. في حين تعمد المقرات الليلية على تحديد مبلغ شهري لا ينقص عن 1000 درهم في الشهر لاكثر من 70 تلميذا في القاعة او اكثر.
اكتساح هذه الظاهرة في مجتمعنا بهذا الشكل اصبح مفتوحا على تخوفات كبيرة على مستقبل جيل اعتاد على “الإتكالية”، والخمول العقلي، تقتل فيه روح البحث عن المعلومة والمعرفة. كما أنها تطرح عدة علامات استفهام حول طبيعة وخلفية هذه الدكاكين التي اصبحت تنمو كالفطر بعيداً عن الرقابة الفكرية والحقوقية، وتعد مغامرة كبيرة بعقول الأبناء لأننا نجهل كأسرة وكمجتمع الفِكر الذي يحمله ذلك الاستاذ أو صاحب الدكان الذي يشتغل “في النوار” .


الكاتب : فاطمة الطويل

  

بتاريخ : 07/02/2019