جرائم القتل بالمغرب.. إعدامات خارج القانون

عرفت عدة مناطق بالمغرب ما بين شهري يوليوز وغشت وبداية شهر شتنبر من سنة 2017 العديد من جرائم القتل التي راح ضحيتها الكثير من الأشخاص من الجنسين، ذكورا وإناثا، ومن مختلف الأعمار، كما تفشت الجريمة بين الأقارب، الأصول منهم أو الفروع، ففي قراءة لعناوين الصحف الورقية أو الالكترونية، سنجد أن جرائم القتل تتوزع على مدى جغرافية البلاد من الجنوب إلى الشمال ومن الغرب إلى الشرق، وكلها جرائم تختصر عنف المجتمع الذي أضحى فيه حمل السلاح الأبيض مباحا، ولأتفه الأسباب يتم إزهاق الأرواح.
هنا لسنا بصدد التعرض لجرائم العنف أو ظاهرة (التشرميل) التي أسالت الكثير من الدماء في مختلف مناطق المغرب، فهذا موضوع آخر لا ينتهي الحديث فيه، ومن شاء أن يعيشه عن قرب فما عليه إلا أن يتوجه لأقرب قسم للمستعجلات ليقف على فظاعة الموضوع.
لعل أبشع الجرائم التي عرفها المغرب، هي تلك التي وقعت مساء يوم الثلاثاء 7 مارس 2017 بمدينة الدار البيضاء، والتي ذهب ضحيتها البرلماني عبد اللطيف مرداس الذي قتله أشخاص باستعمال السلاح الناري.
ويلاحظ من خلال الجرائم المرتكبة خلال شهري يوليوز وغشت وبداية شهر شتنبر أن جل الجرائم مرتبطة بتعاطي المخدرات والسرقة و الجنس و الشك و الخيانة بل هناك جرائم ترتكب لأتفه الأسباب.
ففي مدينة إنزكان ذهب شاب في سن التاسعة عشرة كان رفقة صديقة له ضحية جريمة قتل بعد مقاومته للجاني الذي أراد سلبه ما بحوزته، وعندما قام الضحية بمقاومة الجاني استل هذا الأخير سكينة وطعن بها الضحية ليرديه قتيلا.
كما عرفت نفس المدينة جريمة قتل ذهب ضحيتها شاب في عقده الثالث، بعد تلك المشار إليها أعلاه، بعد أن تلقى ضربة قاتلة بواسطة سلاح أبيض وجهها له غريمه بسبب خلاف نشب بينهما بالقرب من دار الشباب بمدينة أيت ملول.
وفي يوم ثاني عيد الأضحى، وحسب مصادر إعلامية، تم العثور على جثة أستاذ جامعي بكلية العلوم التابعة لجامعة شعيب الدكالي مدرجة في دمائها داخل فيلته بحي الليمون بالجديدة، وتبين بعد فك خيوط الجريمة أن الجاني لم يكن سوى ابنه الذي عمد إلى ضربه بمطرقة على مستوى الرأس.
وفي الراشيدية، تم إيقاف شاب يبلغ من العمر 19 سنة ذي سوابق عدلية، للاشتباه في ارتكابه جريمة قتل في حق عسكري بذات المدينة، و الذي عُثر على جثته خلال الأسبوع الأخير من شهر غشت.
و يوم عيد الأضحى و بحي «الكورس» بمدينة آسفي، تحول نزاع وسباب إلى جريمة قتل، فبعد أن تلفظ الشاب الضحية بكلام نابي أمام أم الجاني، لم يجد هذا الأخير سوى سكين أجهز بها عليه ليرديه قتيلا على الفور.
وبدوار أملوكي بجماعة «ستي فاظمة» إقليم مراكش، وجه شاب طعنة قاتلة إلى والده على مستوى الوجه تركته جثة هامدة.
أما بمدينة الجديدة، فقد قتل زوج زوجته ذات الأربعة أطفال بسلاح أبيض في منزلهم بدوار الغوالم بسبب خلاف اعتبر بسيطا، وبالجماعة القروية أولاد حسين وبنفس المدينة، وفي جلسة كان من المفروض أن تكون جلسة صلح يوم العيد إلا أنها تحولت إلى مأتم بعد أن طعن الأخ الأكبر أخاه الأصغر أمام أنظار الأم التي نظمت جلسة الصلح هاته.
هذه بعض نماذج جرائم القتل التي عرضها الإعلام، والتي تخص نهاية شهر غشت وبداية شهر شتنبر من هذه السنة، أما إذا رجعنا إلى كرونولوجيا جرائم القتل خلال هذه السنة فقد لا نخرج من إحصائياتها إلا و دماء تلطخ واقعنا الذي أصبح يدعو للقلق الشديد على مستقبل هذه البلاد.
أين نسير بكل هذه الجرائم؟ لقد أحصت وزارة الداخلية في سنة 2012 حوالي 600 جريمة قتل بالمغرب، ولا نعرف عدد جرائم القتل التي وقعت في السنوات الأخيرة بسبب شح المعلومة .
وعلى مستوى الدائرة القضائية لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، فقد تم تسجيل سنة 2016 ، ما مجموعة112 جريمة قتل منها 45 جريمة قتل عمد و67 متعلقة بالضرب و الجرح المفضي إلى الموت دون نية إحداثه.
ويرى الهادن الصغير الصحفي المتقاعد و المتخصص في قضايا المحاكم أن ظاهرة الجنوح في المغرب لا يختلف على خطورتها اثنان، فرغم كل المحاولات الأمنية التي يدشنها كل مسؤول جديد على مستوى وزارة الداخلية أو الإدارة العامة للأمن الوطني، إلا أن الجريمة تبقى حاضرة في حياتنا اليومية، وأكبر دليل على ذلك ما تتناقله وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي التي أصبح همها الوحيد اليوم هو تقديم أطباق من الدماء للمواطنين بدل التفكير والعمل على الانخراط الفعلي في البحث عن حلول للتخفيف من الجنوح واستباق الجريمة .
ولعل أخطر هذه الجرائم هي جناية القتل، التي غدت شبه يومية، والتي تنتج عن عدة أسباب ودوافع، منها ما هو مرتبط أولا بالفرد، ومنها ما يعود إلى المجتمع، فالتربية والنشأة داخل أسرة سليمة، تجعل عناصرها بعيدين عن ارتكاب جريمة القتل، عكس من يولد ويترعرع داخل عائلة مفككة (الخلافات بين الأبوين ذات الطبيعة المالية أساسا) أو مطلقة، أو غياب الأب وعلاقته بأبنائه الذكور والإناث على السواء، الذين يتحول هذا الغياب لديهم إلى شعور بالخوف، ويخلق عندهم رغبة في الدفاع عن النفس.
وقد تكون القدوة السيئة لأحد الأبوين أو كلاهما أو الأخ الأكبر دافعا مهما إلى ارتكاب مثل هذه الجرائم، وقد يأتي التأثير من الجيران أومن رفاق الحي ثم من زملاء المدرسة أو الشارع .
هذا ويعتبر تعاطي المخدرات بمختلف أنواعها سببا كبيرا لاقتراف الجريمة، كما قد يؤدي الدفاع عن النفس أو العرض أو الشرف أو المال إلى فقدان الحياة .
وفي هذا الصدد، علق بعض المواطنين على ظاهرة تفشي جرائم القتل، مبدين وجهات نظر مختلفة، فمنهم من اعتبر أننا لا يكن أن نعتبر هذه الظاهرة مستفحلة في غياب إحصائيات و أرقام دقيقة حولها ، معتبرين أن الجريمة موجودة منذ زمن طويل ، وأن السبب في تسليط الضوء عليها راجع بالأساس إلى التقدم التكنولوجي التواصلي الذي نعيشه حاليا، وأن المجتمع المغربي ممزق منذ القدم وسيزداد تمزقا في القادم من السنوات مع ازدياد حجم الصور والفيديوهات عبر وسائل التواصل التي هي بمثابة إشهار داعم للظاهرة، ولا يساهم أبدا في الحد منها، في ما يرى آخر أن قلة الشغل، وقلة وسائل تدخل السلطات الأمنية وقلة الموارد البشرية الأمنية الشابة المدربة، وعدم وجود استراتيجية أمنية مدروسة، بالإضافة إلى استفادة المجرمين من العفو، وقصر مدة الأحكام، وتوفير وسائل الرفاهية داخل السجون، من بين أسباب تفشي هذه الظاهرة. في حين يرى مواطن آخر أن التركيبة المجتمعية المغربية عرفت تحولا كبيرا لأسباب داخلية و أخرى لها علاقة بالعولمة، ويضيف أن الطريقة التي انتشرت بها الجريمة مؤخرا، تجعلنا نطرح أكثر من سؤال حول الظاهرة التي جاءت موازية لانتشار صناعة السيوف بشكل مهول، كما تدفعنا للتساؤل حول من يصنع هذه الأسلحة البيضاء؟ ومن يروجها؟ و ما دور الدولة في مراقبة تجارها؟
و يتأسف آخر،بشدة، لانعدام الأمن، حيث اعتبر أن كثرة ‏الجرائم جاءت نتيجة لعدم قيام الأجهزة الأمنية بدورها الأساسي ألا وهو تطبيق القانون وردع المجرمين.
من جهته، اعتبر تعليق آخر أن الجريمة ورم خبيث في مجتمعنا، تحت مسمى الإجرام و»التشرميل»، وللقضاء عليه يجب وضع استراتيجية ناجعة وفعالة، تأخذ بعين الاعتبار ضرورة عدم التساهل مع المجرمين أثناء المحاكمات وإيقاع أقصى العقوبات عليهم مع الحد من مظاهر الرفاهية داخل السجون، وإذاك سنحد من هذه الكارثة.
كما أجمعت العديد من التعليقات على أن تعاطي المخدرات بمختلف أنواعها، وقلة وسائل الأمن المادية و البشرية، والاهتمام بقضايا الإرهاب بدل الاهتمام بالأمن الداخلي، من بين أسباب تفشي الظاهرة بالإضافة إلى ضعف منظومة التربية و التعليم، وذهب آخرون إلى اعتبار أن المشكل يتداخل فيه الاقتصادي والاجتماعي.
ومن جانبه، قال السوسيولوجي الأستاذ رشيد بكاج: قبل أن أجيب عن السؤال، يجب أن نكون حذرين في التعاطي مع الموضوع لثلاثة أسباب ..
1- نحن لا نملك بيانات إحصائية التي ستمكننا من التحليل السوسيولوجي لواقع الجريمة بصفة عامة، وواقع جريمة القتل بصفة خاصة.
2 – نحن ليس بين أيدينا دراسات سابقة للارتكاز عليها، و القيام بتحليل معمق.
3 – المعطيات التي بين أيدينا هي غير كافية لمقاربة علمية دقيقة، لهذه الأسباب سوف نقدم تأملا انطلاقا من المعطيات البسيطة وابتداء من ملاحظات أولية:
1- ابتداء، قد نقول إن الموضوع يتحدد في العوامل السوسيولوجية دون محاولة التعرض لخصائص الظاهرة و تطورها.
2 – المقاربة ينبغي أن تظل في حدود النظريات السوسيولوجية، التي تأخذ بعين الاعتبار مجموع العوامل البيئية و التي من شانها التأثير على معدل الجريمة، وعلى سبيل المثال نذكر:
أ. الفوضى الاجتماعية، عندما تنهار السيطرة الاجتماعية بسبب ضعف الوضع الاقتصادي أو زيادة عدم التجانس الاقتصادي.
ب. التوتر البنيوي أو الهيكلي ويتعلق بالشعور بعدم وجود احتمال النجاح الاجتماعي.
وهذه النظريات تفسر ظاهرة الجريمة على مستوى التحليل والمعطيات الإحصائية، ومن خلالها يمكن إنجاز ملاحظات دقيقة متعلقة بأنواع الجريمة.
-الماكرو سوسيولوجية.
لكن في ما يخص جريمة القتل، فيمكن أن نزعم أنها مجموعة من العوامل الماكرو سوسيولوجية، وأتحدث هنا على سبيل المثال عن الحروب التي يعيشها العالم اليوم والتي يتم تتبعها على وسائل الإعلام و المواقع الاجتماعية و التواصلية.
وكذلك الجرائم السياسية على المستوى الدولي والصراعات بين الدول أو عدة دول، وكذا جرائم التعصب الديني و السياسي والتي تقوم بها المجموعات الراديكالية و المتطرفة.
-الميكروسوسيولوجي
أذكر هنا ما يتعلق بالحياة الاجتماعية داخل المجتمع الواحد، التفاوت الطبقي عند كل دولة، غياب المراقبة الاجتماعية، العنف داخل المدرسة، العنف ضد الصحة، العنف ضد القيم الاجتماعية، وهنا يمكن الحديث عن المخدرات.
فهذه العوامل إذا اجتمعت كلها تحفز على ارتكاب أخطر الجرائم وعلى رأسها جريمة القتل العمد.
و المغرب لا يستثنى من هذه العوامل التي تحدثنا عنها، والاحتمال العلمي يسمح بالقول إن هذه الجريمة قابلة للحدوث في المغرب وفق السياق الاجتماعي و الثقافي والاقتصادي للمجتمع.


الكاتب : عبد النبي المساوي

  

بتاريخ : 09/09/2017