جماعة الدار البيضاء برأس واحدة في المعارضة

من يتتبع أشغال مجلس مدينة الدار البيضاء، لا يمكن إلا أن يصاب بالذهول أمام ما يجري بهذا المجلس الذي يتمتع فيه حزب العدالة والتنمية بأغلبية مريحة لا تتوفر إلا «للديكتاتوريات» في القرون القديمة بـ 74 عضوا، فيما يبلغ عدد مجلس مدينة الدار البيضاء 147 عضوا، يليه حزب التجمع الوطني للأحرار بـ 23 عضوا وهو منخرط معه في التدبير فيما يتوزع ما تبقى من الرقم الهزيل على كل من حزب الاتحاد الدستوري بـ 19 عضوا وحزب الأصالة والمعاصرة بـ 15 عضوا وسبعة أعضاء لحزب الاستقلال.
الذهول يصيبك وأنت ترى المعارضة لا ترسم طريقا لها داخل المجلس رغم العيوب والأخطاء التي سقط فيه الماسكون بزمام التدبير، وتكاد هذه المعارضة تختزل في شخص واحد ينتمي إلى حزب الاستقلال، رغم أنه يترأس لجنة التعمير، فهو الوحيد الذي غالبا ما يعارض بمعطيات وأرقام وانتقادات في حينها… هناك محاولات من ممثلي حزب البام و الاتحاد الدستوري، لكنها تبقى معارضة غير مسترسلة وغير ممأسسة، كأن يتم التوجه نحو الإعلام وغيره من المنافذ للتعبير عن آرائهم، أمام ضيق الوقت الممنوح لهم وفق القانون الداخلي للمجلس الذي يمنح للرئيس كل الوقت ولأغلبيته ساعة من الزمن، فيما يمنح في أحسن الأحوال للأحزاب الأخرى ما بين 20 و10 دقائق. وهذه الدقائق لم تكن ستتوفر لهؤلاء لولا “تنازل” فريق حزب العدالة والتنمية عن جزء من وقته لفائدة المعارضين ليحتفظ بـ 35 دقيقة.
المفاجئ أن حزب البام الذي من المفروض أن يكون على رأس المعارضة، نظرا للخلاف الذي له مع حزب العدالة، نجده يركن أحيانا إلى الابتعاد عن الدخول في مواجهات، أتحدث عن الفريق طبعا، إذ هناك مداخلات من طرف نجوى كوكوس وعمر الفرخاني والتي غالبا ما تكون مداخلات منطقية ومقنعة، لكن هذا لا يكفي إذ على الفريق برمته أن يجتهد، فليست هناك سوى قاعة الدورات لممارسة المعارضة، وما يقال عن البام يقال عن فريق الاتحاد الدستوري، من خلال مداخلات رشيد بوخوص الذي ينتقد فعلا ،بكل موضوعية ، لكن دون سند قوي لدى الزملاء الذين لا يبحثون عن اجتهادات أخرى لممارسة دورهم الحقيقي.
حزب الاستقلال مختلف عن الآخرين، ربما لأن هذا الحزب له دراية تاريخية في ممارسة المعارضة وأيضا التدبير. لذلك نجد أن فريقه
يتقن أداء المهمة. من خلال الحسين نصر الله، الذي لا يتوقف أداؤه داخل المجلس فقط وإنما يبحث عن مسارب أخرى للتعبير عن وجهة نظر حزبه، كما أن فريقه يفيد الإعلام وغيره في التعبير عن المواقف.
الاتحاد الدستوري، يمكن أن نجد له العذر إذ كلما تحدث ممثلوه، إلا وتم «”قمعهم»” ببعض أخطاء التدبير السابق، لكن هؤلاء الذين يرجمونهم ليسوا إلا اليد اليمنى خلال ذلك التدبير.
اليوم يعيش مجلس مدينة الدار البيضاء عدة مفارقات، أغلبية مريحة لكننا نجد في نفس الوقت أن أصحاب هذه الأغلبية هم من يتنازل عن اختصاصات المجلس ويفوتون ما كان في يد الجماعة إلى الشركات. وإن كانت الفكرة ذكية من طرف هؤلاء حتى لا تكون هناك محاسبة بعدية، لكن الخطير أنهم يفرغون هذه المؤسسة الدستورية من دورها الحقيقي، كمؤسسة تدبيرية لها صلة مباشرة بالمواطنين.وهي الوصية عن سياسة القرب، ومع ذلك لا يجدون المعارضة المطلوبة. رغم أن المعارضة تتوفر على أطر لها اعتبارها وتجربتها داخل الأحزاب الثلاثة، بفعل عدم تنظيم هذه المعارضة وإحجامها عن إيجاد طرائق أخرى بعيدا عن ديكتاتورية التوقيت الموزع عليها باسم القانون الداخلي، ليبقى اليوم ملاذ المتتبعين والمهتمين بالشأن المحلي داخل المعارضة وجهة واحدة ووحيدة، في غياب شبه تام للبقية، التي لن تفيدك إلا بالاستنكار والتشكي.


الكاتب : العربي رياض

  

بتاريخ : 25/10/2017