حذاء فوق العادة

 

صاعد، عادي في ترنحه ،عبر الدرج ، أوروبي السحنة ، بعد التحية، تابع المسير، يقتفيه صديقان ، لمح غير مألوف ، إنسان في ضفة الرفاه والغنى ، والحد الأدنى مكفول ، لا حديث عن التغطية الصحية أو الأماكن الترفيهية ،أو النظافة الفائقة ،غير أن تمحيصنا ليس استثناء.
متواجدون بمركز محمد عبد السلام الحاصل على جائزة نوبل في عام 1979، تكريمًا لعمله جنبًا إلى جنب مع زميليه ستيفن واينبرغ وشيلدون غلاشو. ومؤسس المركز الدولي للفيزياء النظرية ICTP في مدينة تريست الإيطالية، التي سمحت للفيزيائيين الشباب بقضاء إجازاتهم في جوٍ من الحيوية العلمية، على اتصالٍ وثيقٍ مع أقرانهم في البحث ومع كبار العلماء في مجالهم الخاص. في إطار عمل جمعوي علمي حول الماء والطاقة ، بالإضافة إلى العروض والبحوث القيمة العديدة ومكتبة بلغات جمة والترجمة الفورية متوفرة وحضور شخصيات علمية وازنة و شهيرة من كل أصقاع الدنيا .
تسود هنيهات مرحة حين يصاحبك متمتع بحسٍ الدعابة والفكاهة. في لحظة رمقنا ، ثقب حذاء يتحمل عبء جثة فارهة ،ولباس أنيق، لن يكون في المستطاع احتساب عدد الكيلومترات التي قطعها ولا الفضاءات التي عادها ، وكم كلمات تلصصها ، ويبدو مستحيلا تذكر الأماكن و المركبات التي أقلها ،ومع ذلك أكاد أجزم انه يتذكر آخر مرة خضع فيها للتلميع ، ومع كل هذه العذابات لم يبال بالزمن وآثاره والندوب والخدوش التي تركها الجهد المبذول، ومع ذلك مرة أخرى ومؤكدة يفتخر، مناضل ، مناضل وللسير مواصل.
ولجنا قاعة الاشتغال ،صدفة جمعنا الجلوس بقرب صاحب الحذاء، بعد برهة تقدم مسير الأشغال وبعد الترحيب بالقدوم والتماس العذر للمتغيبين، تقدم صاحب الحذاء إلى المنصة أمام الحضور تحت تصفيقات، بمداخلة علمية رفيعة ، حينها عم الصمت وساد الإنصات،ولم يعد للحذاء ثقب ،بل اختفى، نعم هذا الحذاء الحامل لشخصية عالمة وشهيرة بدا في حلة عادية ،شخصية تحضر بين شباب متعطش للتعلم دون بروتوكول أو بهرجة وعسس ، يحمل جائزة نوبل في الفيزياء . في لمحة سريعة ، بدا الموقف صادما جداً لنا، للدرجة التي تختفي معها الحقيقة ، اجل في تلك البرهة ، القليلون يستطيعون إدراك الحقيقة ، فيما لم يعد للصفح والسماح شأن ، تناسلت التبريرات من قبيل هل كان يعلم أن لديه ثقب في حذائه، وظن أن أحداً لا يمكن ملاحظة ذلك ؟، أم أن طلب العلم ينسي جزئيات يتشبث بها آخرون ؟، أم انتعل الحذاء بالخطأ ؟، أم أنه لم يكن يدري بالثقب؟ أما نحن شهود عيان ،فحكاية مستمرة……في هذا الفضاء العلمي ، لا معنى للمظهر كتصميم ولباس ، قد يندهش المرء ،ويطيل النظر ويبحث عن السبب ويكتشف ما لا يحب بظهور خلل أو عيب .معذرة أيها الحذاء الاستثنائي ، يأتي هذا الاعتذار ليس دليل انكسار بل حبا وانبهارا، عرض قصير بحمولة معرفية ، علمية وتوجيهية ، لاقت الاستحسان.أجل اعتذرنا للرجل ليس ضعفا أو فشلا ،حدث في رمشة عين ، ونكرر الاعتذار مادام بلسم دون خجل و للإعلام، تم منح جائزة نوبل في الفيزياء لعام 1984 بالاشتراك كارلو روبيا الايطالي بوسط الصورة أعلاه ، مع سيمون فان دير مير الهولاندي لمساهماتهما الحاسمة المؤدية إلى اكتشاف جسيمات الحقل W و Z ، التواصل مع التفاعل الضعيف.،صاحبنا صاحب الحذاء من مواليد 31 مارس 1934 عضو أكاديمية لينسيان،  والأكاديمية البابوية للعلوم،  والأكاديمية الروسية للعلوم،  والجمعية الملكية،  والأكاديمية الوطنية للعلوم،  والأكاديمية الوطنية التسعون للعلوم،  والأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم،  والأكاديمية البولندية للعلوم،  والأكاديمية الهنغارية للعلوم،  والأكاديمية الأوروبية،  والأكاديمية النمساوية للعلوم . وصاحب نوبل ملم بثقافة الاعتذار وبشكل صريح وبرد واضح ولم يكن ذاك ضرورة وضعنا في الصورة وعلت الابتسامة والتقطنا صورة ورسمت حروف هاته اللوحة.

حكاية واقعية «تريست «ايطاليا 2006
تحت مراقبة الأخ بعلي الصغير


الكاتب : محمد الشاوي

  

بتاريخ : 26/06/2019

أخبار مرتبطة

الإعلان عن ندوة التنمية الثقافية الإفريقية بشراكة مع إقليم أسا الزاك جهة كلميم واد نون   عقدت رابطة كاتبات المغرب

يقال «بضدها تعرف الأشياء»، فلما نتحدث عن القصة القصيرة جدا، نستحضر الأجناس الأدبية والإبداعية الأخرى من قصة ورواية ومقامة وخاطرة

رحل عن عالمنا صباح أمس الأربعاء 1 ماي 2024، الروائي الأمريكي الكبي بول أوستر  عن عمر يناهز 77 عاما بعد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *