رائحة غاباتي

هل هي التي زلزلت وجداني بعلوها والحرائق على وجهها؟
هل هي التي أصابتني بالتلعثم ومرض العقل والولع بالبحر والسفن القديمة والأنوثة في الأزرق؟
هل هي البنفسج الذي كتبت عليه دمي وارتعاشي وجنوحي؟
هل هي الهيفاء التي سحقتني بمستحيل الأنوثة ورهافة الورد على السراب ، والقفطان الملكي الأخضر وفواكه سمراء معلقة
هل هي التي لم تبال برسائلي؟
هل هي الغابات والبحيرات البعيدة والطرق الطويلة وأسواق البدو وكمنجة التراب الكستنائي التي تهب على روحي كل مساء، قرب نخيل محطة القطار؟
هل هي ذهب الويسكي في ليل الدار البيضاء؟
هل هي فخ القصيدة في الغياب؟
هل هي رائحة البحر؟
هل هي عسل اللهب على بياض الشمع؟
هل هي نحل عنفواني؟
هل هي تيهي في صحرائي وتعبي في أول العمر ؟
هل هي التي كانت تصيب قلبي بالخفقان؟
هل هي التي كانت تلوح لي بالحبسة والهاوية والهوان؟
هل هي قيظ الشاوية وروائح أعشاب شممتها في طفولة بيضاء ذرتها الريح ؟
هل هي روائح الخالات والشيخات والجدات وخبز الغسق ومذاق سكاكر صيف العنب الأرجواني ؟
هل هي دم ونبيذ ولهب كمنجة قلبي المنذور لليل الجهات ووشوم معذبة لنساء الصهيل؟
ها هي غزالتي ؟
لم تكن التي رأيتها صباح السبت، في ممر الأمير، العالية غاباتي. شلالات القصائد علي بأصياف بعيدة . رائحة السحاب .
مذاق لحمي الأحمر .مهرجان الضوء على أخضر الجعة ، في طفولة غبطة السمان ورقص السنابل على عنفوان السماء.
لم تكن التي طعنتني غصتها ،صرت فراشة .
لم تكن ملح البحر على جسدي الموشوم بالوعول ، سنوات الفقر وندرة الرسائل والرغبة في التهام العالم .
لم تكن التي صعقتني بالضوء البعيد ، في الليالي العاليات بالسواد.
لم تكن التي رأيتها في أواخر الشتاء، وجهي المسافر ، المنذور لطرق الفقدان ، والموشومات المدبوغات على جلد طفولة ما ألذها وما أقساها وأصفى دموعها.
لم تكن الشمس التي رأتني أطارد العصافير في حقول يجذبها السراب أبعد من الذاكرة والكلمات.
كانت امرأة تقترب من الخمسين الممزقة للقلب.
دلفت إلى متجر الملابس الداخلية ، كمثيلاتها في مدن العالم .
بهاء ذهب .نارخمدت .عصافير رحلت إلى الشمال .طلبة أصبحوا موظفين لدى الدولة.حانات بلا موسيقى .
التي كانت، طحنتها الأيام والأحزان الصغيرة.
التي رأيت، ورقة قديمة من دفتر تجاعيدي.
صباح الخير أيتها الدموع.


الكاتب : محمد مفيد

  

بتاريخ : 19/04/2019