رسالة متأخرة إلى الشاعر محسن أخريف : تحية لك وأنت هناك

أعرف أنك الآن وحيد تتأمل الحياة بعينين مشرعتين على تفاهة عالم يتناحر فيه العباد، وتتقاتل البلاد فيما بينها، من أجل لاشيء، وتدق الطبول لإشعال نيران الخراب، ويتسابق الـأنذال إلى موائد مصاصي الدماء، وأهل الكتاب يتصارعون من أجل غنيمة في اتحاد أو بيت أو جمعية معنقدين أن هذا هو عين الصواب، والقوي ينفخ أوداجه أمام العدم، فتضحك عزيزي بصخب وقهقهة لا للشماتة ولكن لتدق جرس الانتباه لهؤلاء المغفلين السابحين في أرض زائلة، ولا تلتفت وراء حتى لا تؤذيك مشاهد مثقفين يستبسلون في ابتداع كل الخبث والوقاحة، وحبك الفخاخ، والصراخ في وجه الظلال لا لشيء إلا للنيل من شرف الحياة. أراك تطل من خلف قبرك المشحون بصعقة الكهرباء التي جاءت خلسة لتأخذك جثة صوب الأبد، حيث الأنوار تضيء قبرك الأعزل إلا من كفن يتسع لك وحدك، في حين أن قبورنا التي ننزوي فيها في هذه اللحظة الحزينة من تاريخ الكتاب والإنسان مظلمة وحالكة، لترى كم الحياة لا قيمة لها، إنها فقط مجرد استراحة مؤقتة لنا، كي نستعيد نَفَسنا لمواصلة الرحيل صوب الحقيقة التي نتغابى عنها ونوليها ظهورنا متوهمين أننا مقيمون فيها إلى الأبد. أراك وأنت تنفخ في ناي العزلة تبعث بحرائق أودعتها في ما تركته لنا من نصوص شعرية ونقدية وقصصية لنحمل جمراتها ونشعر بأنك مازلت هنا تتجول في شوارع العرائش، وتشهد على أن نهر الليكسوس مازال ينبض بخطواتك كما حفظ روح الشاعر محمد الخمار الكنوني، وليس غريبا عني فأنت من طينة نادرة في زمن أول عدو لك صديقك في الحرفة ، ويا لها من نذالة غدت هوية الكثير منهم .
رحلت وتركت صوتك يحترق في ميكرفون عيد الكتاب مشتعلا بالصراخ والعويل والحزن الذي يلبس مدينة العرائش الهادئة جنب بحر الظلمات، لأنك لم تقترف جريمة بقدر ما وددت زرع وردة الحياة في خراب الحياة، أعرف أنك من سلالة الشعراء الذين يحبون العزلات هناك قرب اللانهائي، يعزفون موسيقى تتسلل خلسة إلى الأقاصي البعيدة في الروح، لتضمد تلك الجراحات التي ورثتها من أسلافك امرئ القيس وطرفة والنابغة، والسيّاب وأدونيس والكنوني والمجاطي وعبد الله راجع وغيرهم، لكن اليوم الثاني والعشرين من أبريل/ نيسان كذبت رؤيا أبريل الكاذبة والتحفت سماء الحق، وتوسدت أرض المجهول.لا أريد أن أقول أني أعرفك وبيني وبينك علاقة صداقة، وأنني تشاركت معك الحياة هنا وهناك كما يفعل الأغبياء، ولكن أأكد أني عرفتك في الإبداع مبدعا يجترح تجربته بتؤدة بعيدا عن الأضواء، ناحتا صوتك الشعري والقصصي بدون ادعاء، التقيت بك مؤخرا بمناسبة احتفاء بيت الشعر في العاشر من يناير من سنة ألفين وتسعة عشر بالعاصمة الرباط بإصداراته الجديدة ، وكم كان اللقاء أكثر حميمية وبسيطا بساطة روحك المرحة المتأملة والنابضة صدقا ومحبة، تجادلنا واختلفنا في كل القضايا الثقافية التي تؤرقنا معا، ضحكنا ورقصنا فرحا بدواويننا وافترقنا على موعد اللقاء من جديد، لكن يبدو أن الصعقة الكهربائية حالت دون أن نلتقي، غير أنني أعدك أننا سنتعانق في القريب العاجل في سماء الله مدججين بالقصائد التي لم نكتبها بعد.عزيزي محسن نم فالصباح بعيد في هذا البلد.النار التي أودت بك هي نار هذا البلد
ولهذا ألتمس منك أن ترفع كفيك لله وأخبره أننا مازلنا ننتظر رحيلنا برحابة صدر وحياة. وأننا سنظل نمارس شغف الكتابة رغم كل المرارات وانتصار الخيبات التي تأتي هكذا بدون استئذان، لقد سقط سهوا من ذاكرتي المعطوبة أنك كنتَ نِعْمَ الشاعر الأصيل الذي يبدع في صمت، ويجترح تجربة إبداعية بوعي في الكتابة والحياة، مبدع شامخ في سماء الله؛ ترتب فوضانا التي تركتها تصول وتجول في هذه الحياة.
صديقك الذي طلقته الحياة ذات موتك

ليلة رحيلك عزيزي محسن أخريف

22أبريل 2019


الكاتب :  صالح لبريني

  

بتاريخ : 24/04/2019