ريدلي سكوت: صناعة فيلم واحد تُمثل مخاطرة كبيرة لأي شركة إنتاج

ريدلي سكوت مخرج ومنتج بريطاني. أسّس في بداية حياته شركة إعلانات حقّقت نجاحات كبيرة، وحين بدأ بالعمل في الإخراج السينمائي قدّم للشاشة الكبيرة روائع عديدة منها: رجل عصابة أمريكي، المصارع، جنة السماء، سنةجيدة، المريخي. في الحوار المترجم الآتي نتعرف على منطقه وطريقة تفكيره وجوانب من طفولته.

 

– سيد سكوت، هل أنت شخص محب للمنافسة؟
– أنا بالفعل شخص تنافسي للغاية! أعتقد أنني أدركت ذلك لأول مرة عندما كنت في المدرسة، فقد عانيت كثيرًا أثناء دراستي. إلا أنني لم أكن طفلًا غبيًا، لكني كنت سيئًا للغاية خلال سنوات الدراسة! فقد كنت الأخير في الصف في مدرستي الإعدادية لمدة خمس سنوات! وحللت في المرتبة الـ 29 من أصل 29 طالبًا في صفي ولم أستطع أبدًا إيجاد حل لتلك المشكلة. ربما لكي أمنح نفسي عذرًا ومبررًا لهذا الأمر، أقول إني عانيت قليلًا من عسر القراءة وصعوبة التعلم: «لا أستطيع التركيز على ما يقوله لي هذا الشخص، إنه ممل للغاية!» (ضحك).

-إذًا ماذا فعلت؟
– حسنًا، بدأت في فعل ما كنت أجيد فعله، ألا وهو الفن. لذا عند أول فرصة أُتيحت لي، التحقت بمدرسة الفنون وكان ذلك هو المكان الذي بدأت منه رحلتي الفنية. فقد مثلت مدرسة الفنون مصدرًا للوحي بالنسبة لي: وكنت موهوبًا في هذا المجال. وهو ما قادني إلى أبعد مما كنت أتصور وبشكل أسرع. عندما التحقت بمدرسة الفنون، أحببت الأمر كثيرًا لدرجة أنه بعد انتهائي من الدراسة في كلية غرب هارتلبول للفنون West Hartlepool College of Art، التحقت بعدها بالعديد من المعاهد الفنية في كل مكان، مثل: الكلية الملكية للفنون The Royal College في لندن، وكلية سلايد للفنون الجميلة Slade School of Fine Art، وكل أنواع الأماكن. اعتقدت أنه من الأفضل أن أتابع ذلك واستغل تلك الفرصة، لأنه على الأقل يُمكن أن يودي بي إلى عمل أستمتع بالقيام به. انتهى بي الأمر بالالتحاق بالكلية الملكية للفنون في لندن، وقد كان ذلك بداية التطور، وبمثابة نقطة الانطلاق الحقيقية في حياتي الفنية.

– من أين تعتقد أنك اكتسبت ذلك الإصرار على تحقيق النجاح؟
– أمي كانت هكذا أيضًا، كان ينبغي أن تكون سيدة أعمال. إلا أنها كانت ربة منزل بسيطة، قامت على تربية ثلاثة أولاد، وهم: توني سكوت، الذي كان مُخرجًا سينمائيًا أيضًا، بينما كان أخي الأكبر فرانك قبطانًا يقود سفينته الخاصة في سن الثلاثين من عمره. فقد استبق الأحداث بنحو 20 عامًا. عادةً ما تنتظر وفاة شخص ما لتحقيق مثل هذا الإنجاز، إذا جاز التعبير، لكنه عُين في سنغافورة وشنغهاي عندما بلغ الثلاثين من عمره. لقد أبلت بلاءً حسنًا في تنشئة ثلاثة أبناء. وقامت بعمل جيد.

– كيف تغيرت هذه الروح عندما بدأت العمل في هوليوود وصناعة الأفلام؟
– لم أعمل يومًا في حياتي أبدًا، لا أفعل ذلك أبدًا. أستيقظ هذه الأيام كل صباح وأقول «هذا جيد، لقد بدأ يوم جديد».

– بالتأكيد كانت هناك بعض التحديات.
حسنًا، على سبيل المثال، في أعمالي المبكرة مثل فيلم بليد رانر Blade Runner، على سبيل المثال، الذي كان بمثابة تجربة سيئة بالنسبة لي على كافة الأصعدة.

– كيف ذلك؟
– كانت تلك المرة الأولى التي أخرج فيها فيلمًا في هوليوود ولم أكن أحمق، ولم أكن طفلًا، كنت قد بلغت من العُمر حينها سن الـ 42 أو الـ 43 عامًا، وكنت بالفعل رجل أعمال ناجحًا. ومُتمرسًا للغاية! لقد بلغت سن الأربعين قبل أن أقوم بإخراج أي فيلم على الإطلاق، لكنني أردت أن أقوم بصناعة فيلم منذ أن كنت في الثلاثين من عمري، ولم تسنح لي الفرصة في ذلك الوقت. لكنني لم ألقِ لذلك بالًا، لأنني حققت نجاحًا فائقًا في مجال الدعاية والإعلان وأحببت كل دقيقة قضيتها في هذا المجال… ما لم أدركه حينها هو أنني كنت لا أزال في طول التعلم، أليس كذلك؟ عندما يأتي شخص يبلغ من العمر الـ 25 أو الـ 26 ويحصل على مبلغ ضخم من المال لصناعة فيلم، ثم يفشل، سيقضي عليه الناس! لا يمكنك أن تعتمد على شخص، اعتاد على إخراج أفلام لا تتجاوز ميزانيتها ثلاثة ملايين دولار، لخراج فيلم تصل ميزانيته إلى 150 مليون دولار. قد تكون غبيًا إذا فعلت ذلك، لأن ذلك ببساطة ليس فعلًا منطقيًا.

– في معظم الصناعات الأخرى، لن يحدث ذلك أبدًا.
– بالطبع، تجد نفسك في أحد الأيام، تعمل بميزانية منخفضة، وتقود 12 شخصًا أو 20 شخصًا. ثم في اليوم التالي مع ميزانية قدرها 200 مليون دولار، كأنك تقود بلدة بأسرها، يتوجه كل من فيها إليك ويسألونك ما يتعين عليهم القيام به.

– هل هذا ما حدث معك؟
n عندما جئت إلى هنا، أدركت أنني أتعامل مع أشخاص ليسوا على قدر تطلعاتي، ولكنني وجدت نفسي عالقًا معهم وهذا ما حدث. لكني أعتقد أنه من الجيد أن أتصدر وأكون في المواجهة قليلًا، فقد كانت تجربة جيدة لنا جميعًا. إذ يشبه الأمر نوعًا ما ممارسة الرياضة! هذا تشبيه مثير للاهتمام لصناعة الأفلام: من الأفضل ألا تفقد الكرة أبداً وإلا سيُقضى عليك. لا يمكنك أن تحظى برحلة مريحة، فهناك الكثير من الأموال على المحك، ويتعين عليك أن تكون مستعدًا طوال الوقت.
وكما قال المخرج فرانسيس فورد كوبولا إن صناعة فيلم واحد تُمثل مخاطرة كبيرة لأي شركة إنتاج، ولهذا السبب لا تحصل الكثير من الأفلام التي تسعى لأن تكون مختلفة، على التمويل اللازم.
إذا أخذت في الاعتبار طبيعة المشاهدين والعوامل الأخرى التي تُساعد شركات الإنتاج على الاستمرار في العمل، وكذلك إذا أخذت في الاعتبار الشركات الناجحة مثل شركة ديزني والشركات الناجحة جدًا مثل شركة يونيفرسال، أعتقد أنهم يبلون بلاءً حسنًا في صناعة الأفلام ذات الإنتاج الضخم! إلا أنه يجب أن يكون لديهم أقسام خاصة لإنتاج الأفلام منخفضة الميزانية لأن العالم كله يتجه الآن نحو صناعة المحتوى من الأفلام الصغيرة التي تتحكم بها المنصات. وهذا سيغير نظام إنتاج الأفلام بأسره. ولكني أعني، على سبيل المثال تجاوزت ميزانية Gladiator الـ 100 مليون دولار بقليل – وأنا أعلم أن ذلك كان منذ فترة طويلة، ولكنه رغم ذلك حقق الكثير من المال حتى أصبح استثمارًا جيدًا من الناحية الاقتصادية. ولكن عندما تصل تكلفة إنتاج الفيلم إلى 260 مليون دولار ويحقق أرباحًا تفوق الـ 500 مليون دولار، فإن مبلغ الـ 500 مليون دولار لا يذهب بأكمله إلى شركة الإنتاج! فهم لا يحصلون إلا على نصف هذا الرقم، لذا فإن شركة الإنتاج ستخسر في هذه الحالة.

pيبدو أن عالم الأفلام ليس لديه حلول وسطى فيما يتعلق بميزانية الإنتاج مُطلقًا.
– حسنًا، لدينا ذلك بالفعل، إلا أن مقدار الميزانيات المنخفضة قل ليبدأ من 10 ملايين دولار. ميزانيات أفلام في الجزء السفلي من المقياس حيث تبلغ حوالي 40 مليون دولار.

-ماذا عن الأفلام الناجحة الضخمة مثل فيلم بروميثيوس Prometheus أو فيلم إليان Alien؟
– بلغت تكلفة إنتاج فيلم بروميثيوس 106 مليون دولار، لذا فأنا أُعد مُقتصدًا للغاية، مقارنةً بما يحدث الآن في عالم السينما، حتى عندما أقوم بإخراج الأفلام ذات الميزانيات الضخمة. عندما تتخطى تكلفة إنتاج الفيلم الـ 300 مليون دولار، لا يعرف الشخص ما الذي يفعله. أعني، حقًا، أن هذه حماقة – في الواقع هي حماقة بالفعل. إذا كانت الميزانية المقررة لإنتاج الفيلم 250 مليون دولار أو 260 مليون دولار، ويتخطى شخص ما تلك الميزانية بمقدار 50 مليون، فإن هذا الشخص ينبغي أن يُطرد من عمله!
عن موقع (تالك)


الكاتب : ترجمة: أحمد حسانين

  

بتاريخ : 20/07/2018